تنقل جريدة “الفيغارو”، في مقال يحمل توقيع جورج مالبرونو، عن نائب سنّي في البرلمان العراقي أن جماعة “القاعدة” في العراق “أقوياء لأنهم يثيرون الخوف”. وجاء في المقال: “من الفلّوجة إلى الحدود السورية، دارت معارك كان الهدف منها السيطرة على المدن والقرى الواقعة على امتداد نهر الفرات. وفي 28 فبراير الماضي، حاول جهاديون عرب وأفغان أن يطردوا سكان بلدة “العامرية”، القريبة من “الفلّوجة”، من بلدتهم لأن القبائل السنّية معادية للقاعدة. وقتل في هذه المعركة 80 من “المجاهدين”. وقبلها بأربعة أيام، في “الحبّانية” المجاورة، فجّر إنتحاريون شاحنة مفخّخة ضد مسجد سنّي، فقتلوا 52 شخصاً. لماذا؟ لأن “الحبّانية” هي معقل قبيلة سنّة تنتمي إلى جبهة إنقاذ الأنبار، وهي عبارة عن تحالف عشائري مناوئ للقاعدة ومدعوم من الأميركيين والأردنيين.
إن احتمال تفكّك العراق يزيد من حدة الصراع للسيطرة على المناطق السنّية، التي تتمركز فيها الإنتفاضة ضد الأميركيين. ويقول “جان بيار فيليو”، Jean-Pierre Filiu المتخصّص بدراسة الحركة الإرهابية، أن “القاعدة هي اللاعب الوحيد في العراق الذي يرغب في الحرب الأهلية الشاملة التي سيتسبّب بها تقسيم البلاد. لأن ذلك يمثّل وسيلتهم الوحيدة للسيطرة على منطقة خاصة بهم. وقد سارع الفرع العراقي للقاعدة لإعلان “دولة العراق الإسلامية” في 15 أكتوبر, هل كان الإعلان مجرد عملية دعائية؟ ليس كليا. فأحد الديبلوماسيين العرب في عمّان يقول: “نخشى أن ينتشر سرطان القاعدة في كل البلدان السنّية، وأن لا يتمكن أحد من السيطرة عليه”.
تمويل شبكة بن لادن
تسيطر القاعدة حالياً على عدة مدن في “المثلّث السنّي”، مثل الرمادي والحديثة وهيت والراوة والقائم والحديثة، حيث تفرض المحاكم الإسلامية شريعتها. كما أن حلفاء بن لادن أقوياء في الموصل وسامرّاء. ما هي ميّزتهم؟ أولا، المال. يقول النائب السنّي العراقي نفسه، وهو مقرّب من رجال العصابات الوطنيين، أن “القاعدة تملك أموالاً طائلة”. وذلك بفضل أموال شبكة بن لادن نفسها، مضافاً إليها التمويلات الخاصة من أشخاص سعوديين وباكستانيين وإماراتيين. وبفضل هذه الأموال، فإن الفرع العراقي لـ”القاعدة” يستطيع أن يدفع رواتب للمقاتلين، وأن يشتري الولاءات، والأسلحة. وباستثناء “الصدّاميين”، الذين ما زال متوفّراً لهم قسم من الثروة التي وضعها صدّام جانباً، فإن الجماعات المسلحة الأخرى تفتقر إلى التمويل. ويقول ديبلوماسي عربي أن هذا الوضع “يمكن أن يؤدّي إلى سيطرة القاعدة على الجماعات المسلحة الأضعف. ويُقال أن بعض أعضاء “الجيش الإسلامي” انضمّوا إلى القاعدة، في حين ظهرت إنشقاقات في صفوف الجماعات الأخرى، الأمر الذي يعزّر فرضية انهيار قسم من المقاومة “القومية”.
العشائر منقسمة
المال يسهّل التجنيد. وخصوصاً على المستوى المحلي. ففي العام 2006، حينما خفّت عمليات تسلّل العناصر من خارج العراق، انضمّ شبان عراقيون كثيرون إلى القاعدة وحملوا السلاح في صفوفها. ويبدي النائب السنّي أسفه لأنهم “مراهقون لا يفهمون شيئاً في السياسة. وتقوم القاعدة بغسل أدمغتهم. ثم هنالك السجناء الذي قرأوا أدبيات القاعدة أثناء فترات إعتقالهم”. وتستخدم القاعدة هذه “اليد العاملة” للقيام بعمليات إنتحارية. ولكن الخبير الفرنسي يضيف أن القاعدة تقوم كذلك بتجنيد عناصر “من ذوي المؤهلات”. وهذا يشمل خبراء عسكريين سابقين في جيش صدّام حسين.
إن مجموع مقاتلي القاعدة في العراق يصل إلى ما بين 000 10 و000 15 عنصر. وبين هؤلاء 5000 “أجنبي” (جزائريون، يمنيون، سعوديون، مصريون..) متخصّصون في الهجمات المثيرة التي تنجم عنها خسائر فادحة في صفوف القوات الأميركية و”الشيعة الكفّار”، كما حدث قبل يومين في “الحلة” (117 قتيل)، التي تقع إلى الجنوب من بغداد. وتقوم نسبة كبيرة من السعوديين، مثلا، بعملية “أسلمة” للمقاومة العلمانية (أي البعثية).
وقد أثبتت عملية “الحلة” أن هنالك دعماً لوجستياً للقاعدة في المناطق الشيعية، حيث تتعرّض الأقلية السنية لعمليات تطهر طائفي تقوم بها الميليشيات الشيعية. و”يتنقّل” الجهاديون وفقاً للتهديدات. فحينما شكّل مشايخ “الحبّانية” تحالفهم العشائري، فإنهم نجحوا في إبعاد عناصر القاعدة من بغداد. لكن هذه العناصر عادت من بغداد، بعد تطبيق الخطة الأمنية في العاصمة.
ويؤكّد الخبير الامني السعودي نوّاف عبيد أن “كل خلية تضمّ مقاتلين مستقلين وتتمتع بدعم لوجستي مستقل. وليست هنالك قيادة مركزية، أو قائد يتولى تنسيق الهجمات. ويرأس “أمير” عراقي هو “أبو عمر البغدادي” مجلس شورى يضم 7 جماعات مسلحة، ولكن 2 فقط من هذه الجماعات تملك قوة مسلحة حقيقية.
ويحذّر النائب السنّي من أن “القاعدة تمثّل خطراً على مستقبل السنّة”. وبين الإتجاه الإرهابي، وأنصار الجبهة المؤيدة للأميركيين، فإن العراقيين يدفون الثمن، والقبائل منقسمة على نفسها. ويقول نائب سنّي آخر في بغداد: “أنا لا أحب القاعدة. ولكنها، في الوقت الحاضر، تمثّل حصننا الوحيد ضد الميليشيات الشيعية وضد إيران”.
*
الجهاديون الجزائريون يثيرون الرعب
أكثر من يخشاه العراقيون هم الجهاديون “الجزائريون”، ويبلغون بضع مئات على الأقل. وهم من قدماء “الجماعة الإسلامية المسلحة” أو “الجماعة الإسلامية للدعوة والجهاد” التي أعلنت ولاءها لبن لادن في أواخر العام 2006، والتي نادراً ما تقبل في صفوفها “أجانب” غير جزائريين. ويقول نائب في البرلمان العراقي عن مدينة الموصل أن “زعيم القاعدة في الموصل هو سلفي جزائري يقوم رجاله بعمليات قتل وحشية، على غرار الجزّارين”. ويتولى شخص يمني، وآخر سعودي من قدماء أفغانستان، ومصري حلّ محل الزرقاوي بعد مقتله في مارس 2006، قيادة خلايا “الجهاديين” الأجانب الأخرى التي تسّلل معظم عناصرها عبر سوريا.
وقال المجاهد السعودي خالد الجريني الذي تم إطلاق سراحه من معتقل غوانتانامو “إنهم خطرون جداً. في أفغانستان كنا نتدرّب كثيراً ولكننا نادراً ما كنا نخوض القتال. والحال هو العكس في العراق”. وهذا ما يثير قلق أجهزة الإستخبارات الغربية التي تخشى من عودة هؤلاء الجهاديين إلى بلدانهم. ويقول الخبير الفرنسي أنهم “بلغوا مستوى غير مسبوق من الخطورة. وهم على صلة بالبعثيين الذين يملكون خبرات عسكرية. إنهم يحاربون ضد أفضل جيش في العالم، ومستوى تسلّحهم لا بأس به”. ويعتقد الأميركيون أنهم أنشأوا خلية متخصصة بتدمير طائرات الهليكوبتر. وكان آخر إنجازاتهم هجوم قاموا به على سجن قريب من “الموصل”، حيث نجحوا في إطلاق سراح 100 من “المجاهدين” كان بينهم الكثير من “الأجانب”.
(ترجمة بيار عقل)