(نقلت الأنباء اليوم خبر تحذيرات جديدة تلقّتها السفارة الفرنسية بالرياض من السلطات السعودية تتعلق بإمكانية تعرّض مواطنين فرنسيين لعمليات إرهابية.
ويلفت النظر في المعلومات المنقولة عن “الحياة”، أدناه، أنها تتّفق مع تقديرات فرنسية كان “الشفّاف” نقلها في الأسبوع الماضي حول إمكانية وجود علاقة بين عناصر متطرّفة في “هيئة” الأمر بالمعروف والجناة الذين نفّذوا العملية الإرهابية ضد الفرنسيين الأربعة، خصوصاً أن العملية لم تستهدف الفرنسيين في أماكن عملهم أو في أماكن سكنهم، بل أثناء رحلة عابرة وعند توقّفهم غير المقرّر مسبقاً للإستراحة..
وكان مقال لاحق صدر في “الفيغارو” بتوقيع جورج مالبرونو، قد نقل عن الامير نايف وزير الداخلية قوله: “نحن نواجه عشرة آلاف شخص يمكن أن يقوموا بعمليات إرهابية ومليون شخص مستعدين لدعمهم. ونيبغي أن نركّز جهود على المليون شخص، وأن نحول بأي ثمن دون أن يقعوا في الجهة الأخرى” ).
وأشار مالبرونو في مقاله إلى أن تشديد الإجراءات الأمنية يدفع الإرهابيين إلى البحث عن أهداف “رخوة”، مثل الأجانب الذين يتجوّلون على طرق معزولة. وينقل عن رجل أعمال قوله أن التأثير النفسية لمثل هذه العمليات ليس ضئيلاً، “وبالعكس، فهو تأثير هائل، واغتيال الفرنسيين الأربعة أثار ذعراً يفوق الذعر الذي كان سيحدث لو تمّ بتفجير سيارة مفخّخة ضد مبنى سعودي”.
وينقل مالبرونو عن المعارض محمد سعيد طيّب قوله أن “القاعدة في السعودي لم تعد هيئة منظّمة، ولم يعد لها رئيس، بل توزّعت إلى عدد كبير من المجموعات السغيرة”. وهذا الوضع هو حصيلة المداهمات والإعتقالات التي قامت بها السلطات منذ العام 2003. وأسفرت العمليات المذكورة عن مقتل 246 من مسؤولي القاعدة، أو من مسؤولي الدعم، أو من المقاتلين، أو من المموّلين. ومن أصل 62 من الإرهابيين الخطرين جداً الذين وردت أسماؤهم في القوائم الرسمية، فإن 5 فقط يظلّون في المملكة، في حين فرّ 20 آخرون، وتم اعتقال أو تصفية 37 شخصاً.
ويقول الإصلاحي الإسلامي عبد العزيز القاسم أن “التتائج حقيقية، ولكنها يمكن أن تكون مؤقتة فحسب، لأن معظم المقاتلين ما يزالون موجودين”. فقد لجأ عدد من أعضاء الشبكات إلى السرّية للنجاة من ضربات قوى الأمن، في حين حصل نقاش داخلي في صفوق القاعدة السعودية نجم عنه دعوة أعضاء آخرين للإلتحاق بالجهاد في العراق بدلاً من مهاجمة النظام السعودي. ومع أن ساعة عودة “سعوديي العراق” إلى بلادهم لم تحن بعد، فإن عمليات التجنيد ما تزال مستمرة.
وفي العام 2006، تم اعتقال 136 إرهابياً محتملاً في مختلف أنحاء المملكة. وشمل هؤلاء “مسؤولي عمليات تجنيد” للقتال في العراق، والكثير من الناشطين الصغار في السن الذين يشعرون باستياء من إحتلال العراق والأراضي الفلسطينية، أو من الظلم الإجتماعي، أو من مبيعات الأسلحة الغربية التي يستفيد منها المسؤولون السعوديون. ويقول اللواء منصور التركي، الناطق بلسان وزارة الداخلية، أن “القدرة العملياتية لهذه العناصر الشابة محدودة بالمقارنة مع القدرات التي كان الجيل السابق الأكبر سنّاً يملكها، حيث أننا وجّهنا لهم ضربات مؤلمة، ولكن تبيّن لنا لدى استجوابهم أنهم وضعوا إستراتيجية جديدة: مهاجمة الأفراد أو القيام بعمليات إختطاف. وكان بعضهم على وشك تنفيذ مثل هذه العمليات حينما تمّ اعتقالهم”.
أخيراً، يذكر مالبرونو أن الفارق ضئيل في الغالب بين الوهّابي ونصير الجهاد المسلّك، وينقل عن اللواء منصور التركي قوله: ينبغي أن نمارس أقصى الحذر في ما يتعلق بالدين. فنحن لا نستطيع أن نقتحم المساجد بدون إخطار. كذلك، لا نستطيع أن ننزع حجاب النساء بذريعة أن بعض الإرهابيين يتنكّرون بملابس نساء. وحينما نعتقل رجلاً ينوي الذهاب للجهاد في العراق، فإنه يقول لنا أن واجب المسلم هو أن يذهب للجهاد ضد من يحتلّون أرضاً عربية”. وهذا سبب التنازلات التي تضطرّ السلطات السعودية إلى تقديمها إلى عدد من رجال الدين البارزين.
*
المدينة المنورة – ردينة هاشم وهيبت محمود
أعلنت السلطات الأمنية السعودية امس تحقيق خرق مهم في التحقيقات التي تجريها في مقتل أربعة مقيمين فرنسيين برصاص مجهولين قرب المدينة المنورة في 26 شباط (فبراير) الماضي. وقالت وزارة الداخلية إنها تمكنت من احتجاز عدد من «المشتبه بهم»، ودعت مواطنيْن سعودييْن إلى تسليم نفسيهما في مهلة تنتهي عند الساعة الثامنة من صباح اليوم، وإلا فإنها ستضيفهما إلى قائمة المطلوبين أمنياً بتهمة «الإرهاب»، ما حدا بمراقبين محليين إلى القول إن الجهات الأمنية السعودية ضيقت الخناق على قتلة الفرنسيين، ما سيشكل صفعة قوية جديدة لفلول «الفئة الضالة».
وقالت السلطات السعودية إنها ألقت القبض على مشتبه بتورطهم في الحادثة التي وقعت في منطقة نائية وراح ضحيتها أب ونجله الفرنسيان المسلمان، وصديق للأب، كانوا ضمن ثلاث أسر فرنسية عائدة من جولة سياحية في طريقها لأداء مناسك العمرة في مكة المكرمة.
ودعت وزارة الداخلية عبدالله المحمدي وقريبه ناصر البلوي إلى تسليم نفسيهما إلى أقرب «جهة أمنية»، لتحديد موقفهما من ظروف الحادث. وأمهل بيان رسمي صادر عن وزارة الداخلية المحمدي والبلوي حتى الثامنة من صباح اليوم، وحذّرهما في حال عدم تسليم نفسيهما إلى السلطات من تصنيفهما ضمن قائمة المطلوبين أمنياً.
وطبقاً لمعلومات حصلت عليها «الحياة» من مصادر عائلات المطلوبين، فإن عبدالله بن ساير بن معوض المحمدي متغيب عن منزله منذ مدة غير محددة، ووصف بأنه «شديد التديّن»، وسبق له التعاون مع «هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، فيما لا يزال عمه يعمل في فرع «الهيئة» في المدينة المنورة.
وجددت وزارة الداخلية وعدها بمنح كل من يدلي بمعلومات تقود إلى مرتكبي الحادثة مكافأة التعاون مع السلطات التي تصل إلى سبعة ملايين ريال (نحو 1.6 مليون دولار).
وقال الناطق باسم وزارة الداخلية اللواء منصور التركي (أ ب) أمس: «لدينا أدلة كافية للاعتقاد بأن هؤلاء المشتبه بهم ربما كانوا متورطين في الجريمة، لكننا سنحقق معهم قبل أن نعلن أسماءهم، لنتوصل إلى من كان متورطاً بشكل مباشر ومن هو غير ذلك». وعندما سئل التركي عمّا إذا كان المشتبه بهم ينتمون إلى جماعات إسلامية متطرفة، اجاب بأنه لا يزال سابقاً لأوانه القطع بذلك.
وأورد البيان الرواية الرسمية لوزارة الداخلية حول تفاصيل الحادث، مشيراً إلى انه «اتضح من مجريات التحقيق أن مجموعة من المقيمين الفرنسيين مكونة من ثلاث عائلات كانت تقصد منطقة المدينة المنورة، تاهوا في منطقة صحراوية تبعد 90 كيلومتراً عن المدينة المنورة، وبعد محاولات عدة منهم للاسترشاد إلى الطريق الرئيسي، وأثناء وقوفهم للاستراحة، توقفت بالقرب منهم سيارة من طراز «نيسان باترول» خضراء اللون، نزل منها شخصان باشرا إطلاق النار عليهم من أسلحة رشاشة، وذلك وفقاً لشهادة الأحياء منهم».
وأضاف البيان أنه «بالنظر إلى شناعة ما أقدم عليه هؤلاء المجرمون الذين خرجوا عن تعاليم الدين الحنيف وتخلوا عن الشيم العربية، وغدروا بأبرياء عزل معصومي الدم في منطقة صحراوية خالية، فقد استنفرت قوات الأمن في المنطقة، وساندها المواطنون من أهل المنطقة الذين آلمهم ما حدث، وعلى رغم محدودية المعلومات التي أدلى بها ذوو الضحايا نتيجة للسرعة التي نفذت بها الجريمة، إضافة إلى اختلاف اللغة، فقد أسفرت الجهود الأمنية المكثفة عن توسيع دائرة البحث وتضييق دائرة الاشتباه، والحصول على أدلة وقرائن قوية أدت إلى ضبط بعض المشتبه بهم». معتبراً أن مصلحة التحقيق تقتضي تسليم كل من المحمدي والبلوي نفسيهما إلى السلطات لتحديد موقفهما.
واختتم البيان بالإشارة إلى أن «وزارة الداخلية تهيب بكل من تتوافر لديه معلومات المبادرة بالإبلاغ عنهم لأقرب جهة أمنية، كما تحذّر من أن كل من يتعامل معهم أو يؤويهم أو يتستر عليهم سوف يعتبر شريكاً لهم، علماً بأنه تسري بحق المبلغين عنهم المكافآت التي سبق الإعلان عنها، والتي قد تصل إلى سبعة ملايين ريال».
(الحياة)