دأب الشيعة الامامية على دفع ما يعادل 20% من أرباح غنائم الحرب والمنكاح والمساكن والتجارات للائمة من أهل البيت باعتبارهم عترة النبي وخلفاءه بالحق دون الأمويين والعباسيين وقد أوقع ذلك الأئمة في العصر العباسي في حرج شديد مع خلفاء بني العباس، الذين دائما ما يسألونهم بنبرة غاضبة عنها وعلى ضوء الإجابة يتحدد مصير الإمام سجنا أو قتلا، فالخليفة يسال الإمام عن مغزى هذه الأموال التي تصله رغم كونه لا يؤدي مهام الحكم، فكيف يصله الخراج بموازاة الخليفة؟
استمر الشيعة في دفع أمولهم إلى الإمام من آل البيت بانتظام،عبر وكلائه في البلدان التي يقطنوها، وفي هذا تاريخ طويل من الوفاء والخيانة ، من طرف بعض الوكلاء، فبعد وفاة الإمام الكاظم طلب خليفته الإمام الرضا ما بعهدة وكلائه من أموال أبيه المستودعة عندهم ، فتثاقلوا عن ردها إليه وطلبوا منه البينة على انه الإمام بعده ، وكان ذلك في أواخر حكم هارون الرشيد، فزعموا أن الكاظم لم يمت، وانه القائم بالأمر والمهدي المنتظر، وإنهم سيحتفظون بالأموال حتى ظهوره، وقام مذهب الواقفية على هذا الأمر، وهو احد المذاهب الشيعية المنشقة عن المذهب الامامي على غرار الفطحية والإسماعيلية والزبدية، وقد انقرض منذ مئات السنين ولم يعد له ذكر.
الفقهاء الأوائل أجازوا الخمس للشيعة
بعد عصر الأئمة احتار الشيعة في أمر الخمس ، معظم فقهاء العصر الفقهي الأول قالوا بعدم دفعه لأحد وانه مجاز في عصر الغيبة ، يقول الشيخ يحيى بن سعيد الحلي في الجامع للشرائع «فأما في حال الغيبة فقد أحلوا لشيعتم التصرف في حقوقهم من الأخماس وغيرها من المناكح والمتاجر والمساكن». ويضيف «أما ما يستحقونه في الكنوز فاختلف أصحابنا فيه،فمنهم من رأى بإباحته لما ترادف في ذلك من الرخص عنهم ومنهم من أحتاط بحفظه والوصلة به من ثقة إلى ثقة إلى ظهوره (ع) فيسلم إليه،ومنهم من رأى دفنه لما روي إن الأرض يخرج كنوزها عند قيامه (ع) ومنهم من رأى تفريقه عليهم(ع ) فإن أعوز فعليه إتمامه هو وألان معوز فيفعل فيه كما لو كان لفعل إعانة، ومنهم من رأى حفظ نصفه لأنه لغائب لم يرسم فيه رسما والنصف الآخر يقسم على المستحقين لحضورهم كما يقسم الزكاة على مستحقيها وإن كان ولي تفريقها غائبا، ومنهم من رأى صرفه إلى الصلحاء وفقراء شيعته لما روي انه يقسم الزكاة عليهم فان أعوزهم فعليه إتمامه والله اعلم».
يقول أبي علي حمزة بن عبد العزيز الدليمي «وفي هذا الزمان قد أحلوها مما نتصرف فيه كرما وفضلا لنا» ، ويقول الشيخ المفيد في المقنعة «قد اختلف قوم من أصحابنا في ذلك عند الغيبة، وذهب كل فريق منهم إلى مقال: فمنهم من يسقط فرض إخراجه، لغيبة الإمام، وما تقدم من الرخص فيه من الأخبار. و بعضهم يوجب كنزه، ويتأول خبرا ورد: (إن الأرض تظهر كنوزها عند ظهور الإمام، وإنه (ع) إذا قام دلّه الله على الكنوز فيأخذها من كل مكان). وبعضهم يرى صلة الذرية وفقراء الشيعة على طريق الاستصحاب. وبعضهم يرى عزله لصاحب الأمر، فان خشي إدراك الموت قبل ظهوره وصّى به إلى من يثق به في عقله وديانته حتى يسلم إلى الإمام، إن أدرك قيامه.. وإلا وصّى به إلى من يقوم مقامه في الثقة والديانة،ثم على هذا الشرط إلى أن يظهر إمام الزمان، وهذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدم، لأن الخمس حق لغائب لم يرسم فيه قبل غيبته رسما يجب الانتهاء إليه فوجب حفظه إلى وقت إيابه، والتمكن من إيصاله إليه أو وجود من انتقل بالحق إليه، ويجري ذلك مجرى الزكاة التي يعدم عند حلولها مستحقها فلا يجب عند ذلك سقوطها، ولا يحل التصرف فيها على حسب التصرف في الأملاك، ويجب حفظها بالنفس أو الوصية إلى من يقوم بإيصالها إلى مستحقها من أهل الزكاة من الأصناف.
وان ذهب ذاهب إلى ما ذكرناه في شطر الخمس الذي هو خالص الإمام وجعل الشطر الآخر لأيتام آل محمد وأبناء سبيلهم ومساكينهم على ما جاء في القرآن لم يبعد إصابته الحق في ذلك، بل كان على صواب. وإنما اختلف أصحابنا في هذا الباب لعدم ما يلجأ إليه من صريح الألفاظ، وإنما عدم ذلك لموضع تغليظ المحنة مع إقامة الدليل بمقتضى العقل في الأمر من لزوم الأصول في حظر التصرف في غير المملوك إلا بأذن المالك وحفظ الودائع لأهلها ورد الحقوق»( ). ويقول الشيخ الطوسي في المبسوط «وأما حال الغيبة فقد رخصوا لشيعتهم التصرف في حقوقهم فما يتعلق بالأخماس وغيرها مما لا بد له من المناكح والمتاجر والمساكن فأما ما عدا ذلك فلا يجوز التصرف فيه على حال وما يستحقونه من الأخماس في الكنوز والمعادن وغيرها في حال الغيبة فقد اختلف أقوال الشيعة في ذلك وليس فيه نص معين، فقال بعضهم انه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر وهذا لا يجوز العمل عليه لأنه ضد الاحتياط وتصرف في مال الغير بغير إذن قاطع،وقال قوم انه يجب حفظه ما دام الإنسان حيا فإذا حضرته الوفاة وصي به إلى من يثق به من إخوانه ليسلم إلى صاحب الأمر عليه السلام إذا ظهر ويوصي به كما وصي إليه إلى أن يصل إلى صاحب الأمر، وقال قوم يجب دفنه لان العارضين أتخرج كنوزها عند قيام القيام وكالقوم يجب أن يقسم الخمس ستة أقسام فثلاثة أقسام للإمام يدفن أو يودع عند من يوثق بأمانته والثلاثة أقسام الأخر تفرق على أيتام آل محمد ومساكينهم وأبناء سبيلهم لأنهم المستحقون لها وهم ظاهرون وعلى هذا يجب أن يكون العمل لان مستحقها ظاهر وإنما المتولي لقبضها أو تفرقها ليس بظاهر فهو مثل الزكاة في انه يجوز تفرقها وانه يجوز تفرقة الخمس مثل الصدقات إذا كان المتولي عليه السلام لقبضها ليس يظاهر بلا خلاف وقدم تقدم في بحث الزكاة وان كان الذي يحمل الصدقات إليه ليس بظاهر وان عمل عامل على واحد من القسمين الأولين من الدفن أو الوصاية لم يكن به باس فأما القول الأول فلا يجوز العمل به على حال»
ويقول العلامة ابن إدريس الحلي في باب الخمس بعد عرض طويل للأقوال والآراء لمن سبقوه من الفقهاء «وهذا القول عندي أوضح من جميع ما تقدم لان الخمس حق واجب لغائب لم يرسم قبل غيبته رسما يجب الانتهاء إليه فوجب حفظه عليه ألي وقت إيابه أو التمكن من إيصاله إليه أو وجود من انتقل بالحق إليه وجرى أيضا مجرى الزكاة التي يعدم عند حلولها مستحقها فلا يجب عند عدمه سقوطها ولا حيل التصرف فيها على حسب التصرف في الأملاك ويجب حفظها بالنفس والوصية بها إلى من يقوم بإيصالها إلى مستحقها من الزكاة من الأصناف، وان ذهب ذاهب إلى صنع ما وصفناه في شطر الخمس الذي هو حق خالص للإمام عليه السلام وجعل الشطر الآخر في يتامى آل الرسول عليهم السلام وأبناء السبيل ومساكينهم على ما جاء في القران لم تبعد إصابته الحق في ذلك بل كان على صواب وإنما اختلف أصحابنا في هذا الباب لعدم ما يجلا إليه فيه من صريح الألفاظ»( )، ويرى الشهيد الأول في مسالك الإفهام عدم وجوب الخمس في أثمان الإماء وما يتخذ من الأراضي المملوكة بغير قتال وما يشترى من الغنائم، يقول «تبث إباحة المناكح والمساكن والمتاجر في حلال الغيبة وان كان ذلك بجامعه للإمام أو بعضه، ولا يجب إخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منه»( )، ويقول المحقق الاردبيلي «بل الظاهر إباحة مطلق التصرف في أموالهم (ع) للشيعة خصوصا مع الاحتياج لعموم الأدلة وهي روايات»( )، وقوله «واعلم أن عموم الأخبار الأول يدل على السقوط بالكلية زمان الغيبة والحضور بمعنى عدم الوجوب الحتمي فكأنهم (ع) اخبروا بذلك فعلم عدم الوجوب الحتمي فلا يرد انه لا يجوز الإباحة لما بعد موتهم (ع) فانه مال الغير مع التصريح في البعض بالسقوط ويوم القيامة بل ظاهرها سقوط الخمس بالكلية حتى حصة الفقراء أيضا وإباحة أكله مطلقا»( ).
ويقول السبزواري (محمد باقر) «المستفاد من الأخبار الكثيرة في بحث الأرباح كصحيحة الحرث بن المغيرة النضري وصحيحة الفضلاء وصحيحة زرارة وصحيحة علي بن مهزيار وصحيحة ضريس وحسنة الفضيل ورواية محمد بن مسلم ورواية داود بن كثير ورواية الحرث بن المغيرة ورواية معاد بن كثير، ورواية اسحق بن يعقوب ورواية عبد الله بن سنان ورواية حكم مؤذن بني عبس: إباحة الخمس للشيعة». وتصدى للرد على بعض الإشكالات الواردة على هذا الرأي وقال: «أن أخبار الإباحة أصح وأصرح فلا يسوغ العدول عنها بالأخبار المذكورة، وبالجملة: أن القول بإباحة الخمس مطلقا في زمان الغيبة لا يخلو عن قوة».
ويقول الشيخ محمد حسن النجفي في «جواهر الكلام»: وكيف كان فسبر هذه الأخبار المعتبرة الكثيرة التي كادت تكون متواترة، المشتملة على التعليل العجيب والسر الغريب، يشرف الفقيه على القطع بإباحتهم (ع) شيعتهم زمن الغيبة، بل والحضور الذي هو كالغيبة في قصور اليد وعدم بسطها سائر حقوقهم (ع) في الأنفال، بل وغيرها مما كان في أيديهم، وأمره راجع إليهم مما هو مشترك بين المسلمين ثم صار في أيدي أعدائهم، أما غير الشيعة فهو محرم عليهم أشد تحريم وابلغه ولا يدخل في أملاكهم شيء منها». وقال في المسألة الثالثة من كتاب الخمس من (جواهر الكلام): «صرح جماعة بأنه ثبت شرعا إباحتهم (ع) المناكح والمساكن والمتاجر في حال الغيبة، وان كان ذلك بأجمعه للإمام (ع) أو بعضه فانه مباح ولا يجب إخراج حصة الموجودين من أرباب الخمس منه… وان كان في عباراتهم نوع اختلاف بالنسبة للمباح هو الأنفال أو الخمس أو الأعم».
ويقول السيد محمد علي الطباطبائي في مداراك الأحكام «الأصح إباحة الجميع، كما نص عليه الشهيدان وجماعة، للأخبار الكثيرة المتضمنة لإباحة حقوقهم في حال الغيبة.. وكيف كان فان المستفاد من الأخبار المتقدمة إباحة حقوقهم (ع) من جميع ذلك».
وعن الأنفال يقول العلامة رضا الهمداني في (مصباح الفقيه) «الأنفال للشيعة في عصر الغيبة… الذي يقتضيه التحقيق هو أن ما كان من الأنفال من قبيل الارضين الموات والمعادن ورؤوس الجبال وبطون الأودية والآجام وتوابعها مما جرت السيرة على المعاملة معها معاملة المباحات الأصلية،فلا ينبغي الارتياب في أباحتها للشيعة في زمن الغيبة وقصور اليد عن الاستيذان من الإمام (ع)».
وجاء في المراسم العلوية «وفي هذا الزمان قد أحلوها مما نتصرف فيه من ذلك كرما وفضلا لنا خاصة»
الأخبار الواردة في إباحة الخمس للشيعة
اعتمد الفقهاء الاوئل في عدم وجوب الخمس المستحقة في الأرباح على الروايات الواردة في إجازة الأئمة الخمس لشيعتهم ، ولم تكن بعد قد برز التيار الأصولي الذي أصبح واجهة المذهب الامامي فيما وبعد والذي أسس نظرية النيابة العامة للفقيه والتي بنى عليها الفقهاء وجوب دفع الخمس لهم باعتبارهم نواب للإمام الغائب ، من هذه الروايات ما يلي:
1- روي عن علي بن مهزيار أنه قال: ” قرأت في كتاب لأبي جعفر عليه السلام إلى رجل يسأله أن يجعله في حل من مأكله ومشربه من الخمس، فكتب عليه السلام بخطه: من أعوزه شئ من حقي فهو في حل” 2- جاء رجل إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: ” يا أمير المؤمنين أصبت مالا أغمضت فيه أفلي توبة؟ قال: ائتني بخمسه فأتاه بخمسه، فقال: هو لك إن الرجل إذا تاب تاب ماله معه ”
– 3- روى محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: ” إن أشد ما فيه الناس يوم القيامة أن يقوم صاحب الخمس فيقول: يا رب خمسي. وقد طيبنا ذلك لشيعتنا لتطيب ولادتهم ”
4- عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن سنان، عن عبد الصمد بن بشير عن حكيم مؤذن بن عيسى قال: سألت أبا عبد الله عليه السلام عن قول الله تعالى: ” و اعلموا أنما غنمتم من شئ فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى ” فقال أبوعبدالله عليه السلام بمرفقيه على ركبتيه ثم أشار بيده، ثم قال: هي والله الإفادة يوما بيوم إلا أن أبي جعل شيعته في حل ليزكوا.
5-علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن محبوب، عن ضريس الكناسي قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: من أين دخل على الناس الزنا؟ قلت: لا أدري جعلت فداك، قال: من قبل خمسنا أهل البيت، إلا شيعتنا الاطيبين، فإنه محلل لهم لميلادهم.
6- عن محمد بن الحسين عن عبد الله بن القاسم الحضرمي عن عبد الله بن سنان قال: قال ابوعبدالله عليه السلام: على كل امرئ غنم أو اكتسب الخمس مما أصاب لفاطمة عليها السلام ولمن يلي أمرها من بعدها من ذريتها الحجج على الناس فذاك لهم خاصة يضعونه حيث شاؤا إذ حرم عليهم الصدقة، حتى الخياط ليخيط قميصا بخمسة دوانيق فلنا منها دانق إلا من أحللنا من شيعتنا لتطيب لهم به الولادة، إنه ليس من شئ عند الله يوم القيامة أعظم من الزنا إنه ليقوم صاحب الخمس فيقول يا رب سل هؤلاء بما أبيحوا. 122
7- عن عمر بن يزيد قال: رأيت مسمعاً بالمدينة وقد كان حمل إلى أبي عبد الله تلك السنة مالا فرده أبو عبد الله.. إلى أن قال: يا أبا سيار قد طيبناه لك، وأحللناك منه فضم إليك مالك وكل ما في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون حتى يقوم قائمنا”
8- عن الصادق (ع) ” كل ما كان في ايدي شيعتنا من الارض فهم فيها محللون إلى أن يقوم القائم (ع)
9- عن أبي عبد الله (ع) قال “هي والله الإفادة يوما بيوم إلا أن أبي جعل شيعتنا من ذلك في حل ليزكو ”
10- في رواية أبي خديجة عن أبي عبد الله ع أن”إنما يسألك خادمة يشتريها أو امرأة يتزوجها أو ميراثا يصيبه أو تجارة أو شيئا أعطيته فقال ابوعبدالله (ع) : هذا لشيعتنا حلال الشاهد منهم والغائب والميت والحي وما يولد منهم إلى يوم القيامة فهو لهم حلال أما والله لا يحل إلا لمن أحللنا له ”
11- عن أمير المؤمنين (ع) انه قال” هلك الناس في بطونهم وفروجهم لأنهم لم يؤذوا ألينا حقنا ألا وان شيعتنا من ذلك وآبائهم في حل”
12- عن داود بن كثير الرقى عن أبي عبد الله (ع) قال سمعته يقول : أن الناس كلهم يعيشون في فضل مظلمتنا إلا أنا أحللنا شيعتنا من ذلك”
13- عن الحرث بن المغيرة النصري عن أبي عبد الله )(ع) قال: قلت له أن لنا أموالا من غلات وتجارات ونحو ذلك وقد علمت أن لك فيها حق قال: فلم احللنا إذا لشيعتنا إلا لتطيب ولادتهم وكل من والى آبائي فهو في حل مما في أيديهم من حقنا فليبلغ الشاهد الغائب ”
14-عن علي بن مهزيار قال قرات في كتاب لابي جعفر (ع): من اعوزه شي من حقي فهو في حل ”
15- عن أبي عبد الله (ع)انه قال: قال أمير المؤمنين لفاطمة (ع) احلي نصيبك من ألفي لآباء شيعتنا ليطيبوا.
16- عن معاذ بن كثير بياع الاكسية عن أبي عبد الله (ع) قال: موسع على شيعتنا أن ينفقوا مما في أيديهم بالمعروف فإذا قام قائمنا حرم على كل ذي كنز كنزه حتى يأتوه به ويستعين به”
17- عن مسمع بن عبد الملك عن أبي عبد الله (ع) قال له” يا أبا سبار قد طيبا لك وحللناك منه فضم إليك مالك وكل ما كان في أيدي شيعتنا من الأرض فهم فيه محللون ومحلل لهم ذلك إلى أن يقوم قائمنا فيجيبهم ما كان في أيدي سواهم فان كسبهم من الأرض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فياخد الأرض من أيديهم ويخرجهم منها صغرة ”
18- عن الحرث بن المغيرة النصرى في حكاية نجية عن جعفر (ع) قال: يا نجية أن لنا الخمس في كتاب الله ولنا الأنفال ولنا صفوة المال وهما والله أول من ظلمنا حقنا في كتاب الله- إلى قوله- سمعنا في آخر دعائه يقول” اللهم إنا قد أحللنا ذلك لشيعتنا ”
***
ولكن بعد تزعم الأصوليين وسيادة نظرية النيابة العامة للفقيه، قال الفقهاء باستحباب دفع الخمس ويقصد به في الغالب أرباح التجارات، فقد اتفق على إجازة المناكح والمسكان في عصر الغيبة، ثم إنهم قالوا بوجوب دفعه لمستحقيه المتيقن وجودهم من مساكين بني هاشم وأبناء سبيلهم، ثم اهتدوا إلى القول بوجوب دفعه للفقيه لصرفه في الأوجه المستحقة والمؤدية لرضا الله والنبي والإمام، باعتباره خليفة الإمام المعصوم في غيبته ، يقول الشيخ الأنصاري في معرض معارضته لنظرية ولاية الفقه “لا دليل على وجوب طاعة الفقيه كالإمام وربما يتخيل من أخبار واردة في شان العلماء أنهم كالأئمة مثل قول: إن العلماء ورثة الأنبياء وأمناء الرسل وأفضل من أنبياء بني إسرائيل ومجاري الأمور بيد العلماء بالله والأمناء على حلاله وحرامه وغير ذلك لكن الإنصاف بعد ملاحظة سياقها أو صدورها أو ذيلها يقضي الجزم بأنها في مقام البيان لوظيفة الفقهاء من حيث نشر الأحكام الشرعية لا كون الفقهاء كالأنبياء والأئمة (صلوات الله عليهم) في كونهم أولى الناس في أموال الناس فلو طلب فقيه الخمس والزكاة من المكلف فلا دليل على وجوب العطاء إليه شرعا وبالجملة فإقامة الدليل على وجوب طاعة الفقيه كالإمام إلا ما خرج بالدليل دونها خرط القتاد»
سأدفع الخمس باعتباره واجب من الواجبات الدينية والاجتماعية والأخلاقية، فنسبة 2.5% كضريبة زكاة لا تفي بالغرض ولا تحقق للشعب أهدافه الاقتصادية الكبرى، وكثير من الأنظمة الاقتصادية في العالم تفرض ضرائب على الأفراد والمنشئات من اجل رعاية الفقراء والمعوزين والمرضى والإنفاق على المشاريع الخدمية والأمنية ، ففي بريطانيا مثلا تفرض ضريبة دخل نسبتها 20% ،على أصحاب الرواتب التي تبلغ أكثر من40 ألف جنيه شهريا ، وبنسبة اقل على غيرهم، كما تفرض على صافي الإرباح من المنشات والمؤسسات التجارية والمالية نسب مشابهه، في السويد تفرض ضريبة تصل إلى 40 % من الدخل، لتكون منها الميزانية العامة التي ينفق من خلالها على الخدمات الاجتماعية والصحية والأمنية والتعليمية المتميزة في هذه المملكة المتقدمة.
لم يكن الخمس مما اختصت به الشيعة وتفردت به ، بل انه مما يشابه معظم الأنظمة الاقتصادية المعاصرة والغابرة. و لو تم استغلاله في بلادنا استغلالا ايجابيا وبذهنية استثمارية متخصصة لكان له الأثر العظيم في محاربة الفقر والبطالة وتنمية المجتمع وتحقيق الرفاه بنسبة عظيمة. ولكن أين تذهب أمول الخمس؟ ولماذا لا نجد لها اثر في الاقتصاد المجتمعي؟ تلك أسئلة تحتاج إلى تفصيل وبيان، ربما تكشف عنها الفترات القادمة من عمر كل مجتمع تخرج منه هذه الضريبة ولا تعود !
سأخمس ! سأدفع حق الله ونبيه وأهل بيته! سأدفع حق وطني وشعبي ومجتمعي! حق هذا الهواء الذي أتنفسه! حق هذه الأرض الطيبة التي اقتات منها وأعيش في أرجائها، سأسلم خمسي بعد مؤنتي لأوجهها المستحقة المقدرة ، من دون تمييز بين احد، فالكل سواء، وفي هذا الشأن وردت عدة روايات في عدم تميز المنتسبين لبني هاشم في العطاء، وان عليهم الصدقة كغيرهم منها:
-1روى أبو خديجة سالم بن مكرم(2) الجمال عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال: ” أعطوا الزكاة من أرادها من بني هاشم فإنها تحل لهم، وإنما تحرم على النبي صلى الله عليه وآله وعلى الإمام الذي بعده وعلى الأئمة عليهم السلام ”
2- وروى القاسم بن سليمان(4) عن أبي عبد الله عليه السلام قال: ” إن صدقات رسول الله صلى الله عليه وآله وصدقات علي عليه السلام تحل لبني هاشم “.
أن الصدقة محرمة على أهل البيت، وهم اليوم ليسوا بين أظهرنا. وأما الحوزات والمدارس الدينية وطلبة العلم ورجال الدين فيكفيهم أوقافهم وما يجنونه من مصادر تمويلهم المتيقنة. سأدفع الخمس لبني جلدتي، لتجد هذه الأموال مستحقيها من أبناء الشعب وطبقاته الأكثر فقر وحرمانا، ولن اتخذ وسيطا بيني وبين الله أو بيني وبين شعبي ، فلا واسطة بين الخالق والمخلوق. وفي هذا يقول الشيخ محمد جواد مغنية ” رحمه الله” وعلى هذا يصرف سهم الإمام في زمن الغيبة في السبيل الذي نعلم برضا الإمام به كتأييد الدين وترويج الشريعة ومن اظهر مصاديق هذا الترويج في عصرنا الحاضر اساتذة قديرين لإلقاء الدروس والمحاضرات في فقه آل البيت بالجامعات الزمنية الغربية منها والشرقية ، أما الإنفاق من سهم الإمام(ع) على المتطفلين والمرتزقة وعلى الذين يتاجرون بالدين فانه من أعظم المحرمات واكبر الكبائر والموبقات ، وفي عقيدتي أن إلغاء سهم الإمام أفضل ألف مرة من أن ياخده احد هؤلاء ومن إليهم ، لأنه تشجيع للجاهل على جهله وللمغرور على غروره وللضال على ضلاله ، ونسال لو افترض أن من عليه الخمس يعلم مواقع الخير التي ترضي الله والرسول من مصرف سهم الإمام أو انه يستطيع أن يعلم ذلك من خبير به، ولكنه غير الحاكم الشرعي ، فهل له أن يعمل بعلمه وينفق سهم الإمام فيما اعتقد انه يرضي الله والرسول دون أن يرجع إلى الحاكم الشرعي ، أو لا بد من الرجوع إليه ، بحيث إذا انفق شيئا من سهم الإمام بدون الترخيص منه لم يفرغ ذمته حتى ولو صادف الأوقع ؟ الجواب: المشهور على وجوب الرجوع إلى الحاكم ولكن هذا من المشهورات التي لا أصل لها ولا دليل من كتاب أو سنة أو عقل بخاصة إذا صادف الإنفاق محله الواقعي مع نية القربة المفروض تحققها ، بل قام الدليل على ضد وعكس هذه الشهرة ذلك.. أن الواجب هو الاداء والوفاء بسهم الإمام واشتراط الرجوع إلى الحاكم قيد زائد ، فنفي بالأصل ، هذا إلى انه لا واسطة في الإسلام بين الله والإنسان، وان الله جل علا يتقبل من العبد عباداته وأعماله بدون شفيع ما دام مخلصا في قصده ، مؤديا لحقه مطيعا لأوامره … وحيث لا دليل على وجوب الرجوع إلى الحاكم في سهم الإمام ومصرفه ، فقد ذهب جماعة من الفقهاء إلى ما قلناه منهم الشيخ المفيد ، قال صاحب الحدائق: لم نقف له – أي لوجوبية الرجوع إلى الحاكم الشرعي- على دليل وغاية ما يستفاد من أخبار أهل البيت، نيابة الحاكم في القضاء والمرافعات والاخد بحكمه وفتاوه ، أما دفع الأموال إليه فلم أقف على دليل عموما أو خصوصا “. والأمر كما قال صاحب الحدائق” أن نيابة الفقيه في الإمام إنما هي في القضاء والإفتاء لا في قبض الأموال” وللفقيه أيضا الولاية في كل ما تدعوا إليه الحاجة والضرورة كالولاية على الأوقاف التي لا ولي خاص لها وعلى الأيتام الذين لا ولي خبري لهم وما إلى ذلك مما لا بد منه، ولكن هذا شي ، وعد فراغ الذمة من دين الخمس بعامه أو سهم الإمام بخاصة إلا بالرجوع إلى الحاكم شي آخر ، أما من قال أن الحاكم الشرعي اعرف بالمواضع التي يجب أن يصرف فيها سهم الإمام فنجيبه بان هذا تسليم واعتراف بان العبرة بمعرفة المواضع والمواقع المطلوبة لا بالرجوع إلى الحاكم”
إن هذه الأموال لو استثمرت لشيدت بها المصانع والمزارع والمعامل، ولقضي على الكثير من المصاعب الاقتصادية والإرهاصات الاجتماعية، ولكنه الاستبداد عندما يعيث في امة فانه يستنزف خيراتها ويدمر مقدراتها ويحطم مكتسباتها!
بالحرية تجد أموال الخمس طريقها نحو البناء والتعمير والإنشاء، بالحرية يشق لأموال الخمس مساراتها نحو المشاركة الناهضة في التطور والارتقاء، بالحرية يدار الفقر عوضا من رعايته التي يذل بها به الفقير والمريض والمرأة التي ليس عندها عائل أو كافل، بالحرية يبعث النبهاء إلى الجامعات والمعاهد، بالحرية فقط تتجسد معاني الإخاء والتراحم ، بالحرية تتوازن الطبقات وتتراحم فيما بينها، وتئول الرأسمالية والبرجوازية الأنانية إلى التلاشي، متى أرى تلك المنشئات التي شيدها الشعب بتكاتفه وتلاحمه وتراحمه؟ متى أعاين الفقر وقد أصبح جثة هامدة في بلاد النهضة والارتقاء؟ متى أرى أموال ا لخمس وقد أصبحت جزء من اقتصاد مزدهر متقدم؟
متى الحرية ؟
raedqassem@hotmail.com
* السعودية