زئيف شيف: مدير الخارجية تباحث مع شقيق بشّار وشقيقته في عمّان في 2003
شارون تفاوض مع السوريين في سويسرا في 2004 ورفض الثمن الذي طلبته دمشق
المعلومات التي يكشفها زئيف شيف حول محادثات عمّان بين ماهر وبشرى الأسد ومدير الخارجية الإسرائيل إيتان بنتسور ليست جديدة كلياً. إذ سبقتها معلومات متداولة، وتتمتّع بصدقية معقولة، مفادها أن مذيعة لبنانية عرّفت ماهر الأسد إلى تاجر سلاح لبناني يقيم في لندن، وهذا بدوره أقام إتصالاً بين ماهر والإسرائيليين. من جهة أخرى، كانت مصادر مقرّبة من آصف شوكت قد أشاعت قبل أكثر من عام أن ماهر الأسد كان قد أقام في عمّان “لعدة أشهر” (في نفس الفترة المشار إليها في مقال زئيف شيف) لأنه كان “زعلان” من شقيقه الرئيس بشّار الأسد. ويبدو في ضوء مقال زئيف شيف أن هذا “الزعل” كان “رواية التغطية” في حال إنكشاف المفاوضات الإسرائيلية-السورية. أخيراً، تشير مصادر سورية معارضة إلى أن “الطرف الثالث” الذي رتّب المفاوضات كان الحكومة الألمانية، وأن السوريين أبدوا، خلال هذه المحادثات، إستعدادهم للتخلّي عن موقف سوريا السابق (كان حافظ الأسد قد رفض شرطاً إسرائيلياً يفرض على سوريا البقاء على بعد عشرات الأمتار من شاطئ بحيرة طبريا) مقابل دعم إسرائيلي للنظام السوري لدى الولايات المتحدة. وحسب هذه المصادر، فقد فشلت المفاوضات لأن شارون لم يقبل بإعادة هضبة الجولان.
المشكلة في هذا الموقف السوري ليست “التفاوض مع إسرائيل”! فالرأي العام العربي بمعظمه (ونحن معه)، أصبح يؤيّد التفاوض مع إسرائيل، كما فعلت منظمة التحرير الفلسطينية نفسها. ولكن، لماذا لا يفاوض السوريون علناً، وبشروط علنية، الأمر الذي يمكن أن يسمح لهم باستخدام الرأي العام الإسرائيلي والدولي للضغط من أجل الإنسحاب من الجولان؟ ربما لأن دمشق تريد ثمناُ “لبنانياً” لمحادثات السلام، أو لأن دمشق تريد أن تفاوض مع تل أبيب وطهران معاً!! أو لأن دمشق ترغب في التباحث مع إسرائيل ولكن بدون التوصّل إلى إتفاقية سلام تنهي كل ذريعة لوجود النظام البعثي نفسه… فهل يرغب نظام دمشق في استعادة الجولان فعلا؟
*
في مقال بجريدة “هآرتز” دعا فيه الحكومة الإسرائيلية إلى قبول عرض بشّار الأسد للتفاوض، كشف المحلّل العسكري الإسرائيلي زئيف شيف أن أرييل شارون أقام إتصالات سرّية مع السوريين. وجاء في المقال: “كل رؤساء الحكومات الإسرائيليون، إبتداءً من إسحق شامير، أجروا محادثات مع السوريين…”
“.. في العام 2004، عقد ممثّلو شارون إجتماعات سرّية مع السوريين في سويسرا. إن الملفّ السرّي الذي يشتمل على الوثائق المتعلقة بهذه الإجتماعات يُسمّى “الملفّ السويسري”. ويبدو أن هذه المحادثات بدأت حينما اقترح طرف ثالث مهم لإسرائيل عقدها وتولّى بنفسه إجراء الترتيبات اللازمة. ولكن هذه المحادثات، بدورها، لم تحرز تقدّما. فقد أدرك شارون الثمن المطلوب منه، واعترض عليه.
وكان شارون، قبل سنة واحدة، في العام 2003، قد تسبّب بفشل إتصالات أجراها وزير الخارجية سيلفان شالوم (بواسطة إيتان بنتسور، الذي كان في حينه المدير العام لوزارة الخارجية) مع شقيق وشقيقة الرئيس السوري في الأردن. وكانت الحرب في العراق قد بدأت في حينه، واقترح شارون تأجيل المحادثات لمدة شهر واحد. وتمّ تسريب التفاصيل، من جانب مكتب شارون في ما يبدو، وكان ذلك بمثابة نهاية المحاثات. ..”.
ويضيف زئيف شيف أن “على إسرائيل أن تأخذ بالحسبان أنها قد تجد نفسها في وضع تجري فيه واشنطن محادثات مع دمشق في حين تبقى إسرائيل خارجاً…”
ويتابع: “إن تقرير بيكر-هاملتون لم يقدم تنازلات كبيرة لدمشق. وينبغي الإنتباه إلى توصيات التقرير. فبعد توجيه النقد إلى سوريا بسبب نقلها الأسلحة لحزب الله ودعمها للجماعات الفلسطينية المتطرفة، فإن التقرير يشدّد على أن أية إدارة أميركية لن تتخلى عن إسرائيل. وجاء في التقرير أن على دمشق أن تلتزم بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 وأن تتوقّف عن تزويد حزب الله بالسلاح، بما في ذلك التوقّف عن نقل الإسلحة من إيران إلى لبنان. كذلك، أن على دمشق أن تتدخّل لدى حزب الله وحماس لإطلاق سراح الجنود الإسرائيليين المخطوفين، وأن تتوقف عن تزويد حماس بالسلاح وأن تسعى لإقناعها بالإعتراف بحق إسرائيل في الوجود. ما هي المشكلة في هذه الشروط (المسبقة) لمحادثات مع سوريا؟”
وينتهي زئيف شيف إلى أنه “لهذا السبب، في ما يبدو، فإن الميجر جنرال (في الإحتياط) أوري ساغي (مدير الإستخبارات العسكرية في عهد شامير)، الذي أجرى العديد من المحادثات مع سوريا، يقول أن قبول الدعوة لإجراء محادثات مع دمشق ليس مرغوباً فحسب، بل إنه حيوي. فسوريا، أساساً، ليست جزءاً من الكتلة المتطرفة التي تشمل إيران وحزب الله وحماس، والتي تدعو إلى تدمير إٍسرائيل. وسيكون من مصلحتنا ألا ندفعها للإنضمام إلى تلك الكتلة. من المحتمل أن تكون فرص إجراء محادثات بناءة مع سوريا غير ممتازة، ولكن ينبغي أن نجرّب بشّار الأسد. لماذا لا يوجّه أولمرت له الدعوة لزيارة القدس، أو يعرض أن يتوجّه هو إلى دمشق؟ إن إختباراً من هذا النوع لن يكون ضارّاً لإسرائيل.