الرهائن من الكيبوتزات أي من أحزاب اليسار، وليسوا من ناخبي “الليكود”
في مقابلة مع «لوموند»، يستنكر المتخصص في القضايا العسكرية والأستاذ في “جامعة إسرائيل المفتوحة” غياب خطة لفترة ما بعد الحرب، ويشير إلى «أننا لا نسمع في إسرائيل خطابا يشكك في العملية العسكرية» الجارية حالياً في غزة.
ويخشى ياغيل ليفي من استمرار الحرب في ظل نفس الظروف بعد وقف إطلاق النار، ويشدد على خطر رؤية غزة تجد تحت سيطرة الميليشيات بسبب عدم وجود سلطة تتمتع بالشرعية.
…………
ما الذي كان تغّيرمنذ حرب 2006 (لاستعادة جنديين خطفهما حزب الله) والحرب الحالية؟
تتميز إسرائيل سياسياً الآت بظاهرة الإنعطاف نحو اليمين، التي ترافقها فكرة أن الأولوية هي لتوازن القوى مع الفلسطينيين. علاوة على ذلك، أصبح من الواضح بسرعة كبيرة، بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر)، أن إطلاق سراح الرهائن والسحق العسكري لحماس يشكلان هدفين متناقضين. إن القضاء على حماس يشكل الأولوية القصوى، حتى ولو كان ذلك من خلال التضحية بالرهائن.
ويعتبر قسم من الجمهور أن الذين تم اختطافهم هم من أحزاب اليسار، من “الكيبوتزات”، وهي ليست الأماكن التي نجد فيها أشخاصًا متدينين متطرفين. هؤلاء ليسوا ناخبي الليكود [الحزب اليميني لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو] أو اليمين المتطرف. ويمكننا أن نسمع، في هذه اللحظة، عبارات كراهية، أحياناً، تجاه هؤلاء الرهائن، بحجة أنهم يمنعون الجيش من التفرغ لمهمته، وهي القضاء على حماس.
لكن هناك تحركاً شعبياً لصالح الرهائن، وتعمل الحكومة شاركت لإطلاق سراحهم…
استغرق الأمر بعض الوقت حتى أدركت العائلات أن الحكومة لن تفعل أي شيء لإنقاذهم وأن العملية العسكرية تمثل خطراً على بقائهم على قيد الحياة. لذلك نظموا صفوفهم. لقد تظاهروا وقادوا مسيرة بين تل أبيب والقدس. وفهم نتنياهو أن هناك مخاطرة سياسية في هذا الأمر وأنه من الضروري القبول بشكل من أشكال التسوية بما في ذلك تبادل الأسرى. وهذا التبادل بعيد كل البعد عن الإجماع.
ولكن هناك أيضاً تدهورا عاماً في المفاهيم السياسية في البلاد، وذلك لأن الانتماء إلى اليسار في هذه اللحظة يتلخص في المطالبة بإطلاق سراح الرهائن.
ماذا يوحي لك مستوى الدمار الحاصل في غزة؟
في علم اجتماع الحروب، نتحدث عن “نقل المخاطر”. وهذا يعني أن قوات الجيش النظامي التي تعمل ضد مجموعة مسلحة مختبئة بين السكان، مضطرة إلى تقليل خسائرها إلى الحد الأدنى، لذلك فهي تنقل المخاطر التي تثقل كاهلها إلى العدو، بما في ذلك المدنيين.
إن ما بدأ الأميركيون والبريطانيون القيام به في العقود الأخيرة هو” نقل المخاطر”. على سبيل المثال، من خلال عمليات قصف عن بُعد واسعة النطاق. هذا حل عملي، إذا شئت، لكنه غير مستدام، من وجهة نظر شرعية الفعل. ولذلك يجب محاولة إعادة إضفاء الشرعية على العمليات العسكرية التي تتم بهذه الطريقة.
هناك عدة طرق لمحاولة تحقيق ذلك. الأول هو وصف عدوك بأنه لا يستحق الحماية، والإيحاء بأنه ليست هناك حاجة للتمييز بين المقاتلين والمدنيين. لقد جرب الأميركيون ذلك في العراق وأفغانستان، وتوقفوا عندما أدركوا أن ذلك كان خطأ. إ
ن ما يفعله الإسرائيليون هو طمس كافة الفروق، ما يعني ضمناً أن حماس وغزة والقتلة الإرهابيين في 7 أكتوبر هم الشيء نفسه.
هل يتم تداول هذه الأفكارعلناً؟ وعلى يد من؟
أنها تظهر في الخطاب السياسي، بما في ذلك ما يقوله الوسطيون وحتى اليساريون.
لا أعرف أي مثال في التاريخ العسكري الحديث [منذ الحرب العالمية الثانية] تم فيه تسجيل مثل هذه النسبة من الخسائر بين الجنود والمدنيين. على الجانب الإسرائيلي، تصل الخسائر إلى نحو 60 جنديا، مقارنة بـ 14 ألف شخص قتلوا في غزة، بينهم ما لا يقل عن 6000 طفل. أي نسبة واحد إلى مائة.
نحن لا نرى مثل هذه العلاقة في أي مكان. وبهذا الثمن يتم إنقاذ حياة الجنود، وهذا يتناقض مع الحاجة إلى الشرعية في مواجهة العالم الخارجي. إننا لا نسمع خطابات في إسرائيل تشكك في العمل العسكري في غزة، لأنه بمجرد أن نأخذ الأخلاق في الاعتبار، فإن إسرائيل لن تستطيع القتال في غزة، إلا إذا خسرت المزيد من الجنود. إذا ارتفعت التكلفة البشرية للعملية بشكل كبير، فإنها ستصبح غير شرعية، ولكن هذه المرة في نظر شعب إسرائيل.
ماذا كان يمكن أن يكون البديل؟
ربما، أن نستغل وقف إطلاق النار [الذي بدأ صباح يوم الجمعة 24 تشرين الثاني/نوفمبر ولمدة أربعة أيام] لنقول: حسناً، هذه هي مطالبنا: نريد وقف الأعمال العدائية بشرط، على سبيل المثال، أن تسيطر السلطة الفلسطينية على غزة، بمساعدتنا أو بدونها، مع تصوّر بناء حل على أساس الدولتين. الآن هو الوقت المناسب لوضع خطة. وإلا فإن الحرب سوف تستمر في ظل نفس الظروف.
أنا شخصياً يؤلمني أن أرى ما نفعله في غزة.
أليس هذا السياق عاملا يهدد في نهاية المطاف استقرار إسرائيل؟
بطبيعة الحال، ما يجري الآن هو البناء السياسي للمستقبل، المرتبط بالطريقة التي سيتم بها تعريف أمننا.
للبدء، يجب أن نكون قادرين على التعامل مع كيان سياسي قادر على حكم “جيب غزة”. الخوف الأكبر هو أن ينتهي الأمر بغزة بلا اتجاه، تحت سيطرة الميليشيات، مثل مقديشو في الصومال. لا يزال هناك وقت لتغيير نهجنا.
ليس أمامنا خيار: يجب أن نتوصل إلى اتفاق مع السلطة الفلسطينية لإدارة القطاع. ويجب علينا أيضًا أن نتوقف عن تدمير غزة وقتل الآلاف من الأشخاص.