تقرير إخباري:
في حين تطاب الكويت من إيران تحديدَ الحدود البحرية معها قبل التفاوض بشأن ثروات حقل “الدرة”، فإن ظهران تطالب بعكس ذلك! أي أنها تؤكد وجود ثروات لها في الحقل، أو تحاول أن تفرض ذلك كحق خاص لها، قبل التفاوض حول تحديد الحدود البحرية!
وكان وزير الخارجية الكويتي الشيخ سالم عبدالله الجابر أكد في جلسة بمجلس الأمة مؤخرا أن “الثروات التي تقع في حقل الدرة ثروات مشتركة بين الكويت والسعودية بالمناصفة فقط لا غير”، موضحا أن من أولويات الحكومة الكويتية إنهاء موضوع ترسيم الحدود مع إيران والعراق.
وقبل ذلك، قال وزير النفط الكويتي سعد البراك إن الحقل حق للكويت والسعودية ومن لديه ادعاء عليه ترسيم الحدود.
وأضاف أنه لا مجال لمفاوضات مع إيران حول الحقل إلا بعد ترسيم الحدود وفق القوانين الدولية، مؤكداً أن ادعاءات إيران غير مبنية على أساس ترسيم واضح للحدود.
وتابع “نحن والسعودية فريق واحد” وسنطور حقل الدرة بما يعود بالنفع للبلدين، مضيفاً “لدينا تفاهم كامل مع السعودية ولدينا التزام ثنائي مع بعضنا ونستند على حدودنا المرسمة رسمياً ودولياً”.
وكان مصدر في وزارة الخارجية السعودية ذكر من جانبه أن ملكية الثروات الطبيعية في المنطقة المغمورة المقسومة بما فيها حقل “الدرة” بكامله للسعودية والكويت فقط.
وردا على التصريحات الكويتية والسعودية، قالت طهران إنها تتابع موضوع الحقل مع الكويت في إطار المباحثات الثنائية. فيما قال مصدر رفيع المستوى بوزارة الخارجية الإيرانية لجريدة “الجريدة” إن بلاده لن تستجيب لدعوة الكويت والسعودية للعودة إلى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية في المنطقة التي يقع فيها الحقل.
وقال المصدر الإيراني إن طهران تعتبر أن الكويت ترسل رسائل متناقضة في شأن “الترسيم”، بتأكيدها عبر وزارتي الخارجية والنفط أنها لا تعترف بأي حق لإيران في الحقل، وهذا، بحسب تقدير الإيرانيين، حسب “الجريدة”، يعني أنه لا معنى لموافقة طهران على دعوات الخارجية الكويتية ونظيرتها السعودية للعودة إلى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين البلدين، لأن نتيجة المفاوضات بالنسبة إلى الكويت والرياض محسومة مسبقاً.
وأوضح المصدر، أن إيران تعتبر أن حصتها من “الدرة” تزيد على 40 في المئة، ولن تتراجع عن حقها لأي سبب كان، مضيفاً أن عدم التوصل إلى اتفاق بين الدول الثلاث لن يكون لمصلحة أي طرف، لأن ذلك سيُطلِق سباقاً لسحب موارد الحقل.
وقال إن المسؤولين الإيرانيين، في كل تصريحاتهم، كانوا يؤكدون أن الحقل مشترك بين إيران والكويت والسعودية، لكن الكويت والرياض بدأتا أخيراً بالتصريح بأنه لا حق لطهران في الحقل، وهذا ما ترفضه إيران، وبالتالي لن تجري أي مفاوضات على ترسيم الحدود قبل أن يقبل الطرف المقابل، وما دام ترسيم الحدود البحرية لم يتم بشكل رسمي بين الجانبين فإن موضوع استخراج الثروات يجب أن يتم الاتفاق عليه. أو أن يقوم كل جانب باستخراج الثروات بشكل أحادي، وهذا الأمر ليس مفضلاً لدى إيران، لكن ستكون مُجبرة على القيام بهذه الخطوات رداً على الموقف الكويتي ــ السعودي.
وأشار المصدر إلى أن موضوع الخلاف على ترسيم الحدود وحصص الدول المعنية في هذا الحقل يعود لأكثر من خمسين عاماً، وإصرار الكويت والسعودية على عقد اتفاق ثنائي “غير شرعي” لاستخراج الغاز والنفط من الحقل دون إعطاء حصة لإيران، في إشارة إلى الاتفاق الموقع بين البلدين في مارس 2022 لاستثمار الحقل عبر شركة مشتركة، يعني أن البلدين يريدان فرض أمر واقع، وبالتالي على طهران القيام بالمثل ومحاولة فرض أمر واقع بدورها والبدء بالحفر.
وكان المدير التنفيذي لشركة النفط الوطنية في إيران محسن خجسته مهر قال مؤخرا إن الشركة “جاهزة تماماً لبدء عمليات الحفر في حقل آرش (الدرّة)”، مضيفاً: “اعتمدنا موارد مالية كبيرة لتطوير هذا الحقل في مجلس إدارة شركة النفط الوطنية”.
وجاءت تصريحات خجسته مهر، تعليقاً على تحذير رئيس مجلس إدارة جمعية شركات حفر النفط والغاز الإيرانية هدایة الله خادمي من أن السعودية قد تقوم بتفريغ الحقول النفطية المشتركة بين البلدين، مشدداً على أنه “إذا لم تبدأ إيران الاستخراج من حقلي الدرة وفرزاد (أ) وفرزاد (ب) هذا العام، فلن يتم الاستخراج منهما بعد”.
وفشلت جولة من المفاوضات بين الكويت، التي لديها تفويض من المملكة بالتفاوض عن البلدين، وبين طهران، خلال مارس الماضي في حلحلة الخلاف حول آلية ترسيم الحدود البحرية. إذ خرج الاجتماع الأول بهذا الشأن باتفاق على عقد اجتماع ثانٍ وهو ما لم يحصل بعد. وقد تمسك الجانب الكويتي بمبدأ ترسيم الحدود البحرية أولاً، وفق القانون الدولي، في حين اقترح الجانب الإيراني القفز فوق قضية ترسيم الحدود، والاتفاق على استثمار مشترك للحقل.
وتصر طهران على أن حدودها تمتد من الجرف القاري، وأن مقاربتها هذه تعتمد على قانون البحار المفتوحة، بينما تصرّ الكويت على أن حدود إيران يجب أن تُحسَب انطلاقاً من حدودها البرية حسب قانون البحار المغلقة. وفي حال قبول الحجة الكويتية التي تتوافق مع القانون الدولي، فلن يكون، عملياً، لإيران أي حصة في «الدرة»، أما إذا اعتُمِدت حجة طهران فهناك احتمال كبير أن تحصل على حصة.
ويعد “الدرة” من أهم مناطق العمليات المشتركة بين السعودية والكويت، إذ يعمل على دعم النمو بمختلف القطاعات الحيوية في البلدين اللذين اتخذا خطوات جادة لتطوير مكامن الغاز به. كما أن للحقل أهمية استراتيجية كبيرة على الصعيدين الاقتصادي والسياسي، باعتباره مخزناً منتظراً لإنتاج الغاز، بينما موقعه الذي يقع في منطقة حدودية عطل إنتاجه منذ تاريخ استكشافه في عام 1960. ويقدر خبراء الإنتاج المنتظر من هذا الحقل بنحو 11 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، إضافة إلى أكثر من 300 مليون برميل من النفط الخام.
وحسب الخبير والاستشاري الجيولوجي والنفطي الكويتي عبدالسميع بهبهاني، يشمل “الدرة” تقريبا ما يعادل 13 – 18 تريليون قدم مكعبة من الغاز، إذا أضفنا معه المكثفات والنفط 500 مليون برميل نفط. وأضاف أن الحقل الذي يشتمل على 3 أنواع هيدروكربونية بمخطوطاته الجيوفيزيائية وعدد 8 آبار، لم يكتمل تقييمه.
وقال بهبهاني إن أهمية تطوير الحقل تأتي في إطار احتياجات الكويت للغاز “حيث نشتري 3.5 مليارات قدم مكعبة بأسعار عالية رغم وجوده تحتنا، وأنشأنا مراكز غالية الثمن من أجل تسييله”.