يعيش اللبنانيون منذ سنوات على نغمة وقع ما اصطلح على تسميته “الثنائي الشيعي” الذي راح يعزز يوما بعد يوم تماسكه السياسي وتناغمه العملي حتى اصبح نموذجا يحتذى يطمح له ويتمنى كثر من المسيحيين لو يقلده الطرفان المسيحيان، اي القوات والعونيين، بما يرونه عنوانا للقوة وفرضا للتوازن الطائفي والتاثيروالنفوذ.
لكن قرب انتهاء ولاية حاكم مصرف لبنان رياض سلامه يظهّر الخلاف او التباين بين الزعيمين الشيعيين.
بري يناور ويحرض نواب الحاكم على الاستقالة كي يفرض تعيين حاكم جديد او التمديد لرياض سلامه، فيما نصرالله يرفض الخيارين ويفضل ان يقوم النائب الاول للحاكم، وهو الشيعي وسيم منصوري، بمهام الحاكم بحسب ما ينص عليه قانون النقد والتسليف.
الاحتلافات بينهما قائمة ويتم التعتيم عليها بشطارة، بدءا من الصراع القائم وغير المخفي على خلافة بري في رئاسة المجلس، والذي تُرجم برفض رئيس حركة امل التمديد للواء عباس ابراهيم في “الأمن العام” في حين كان نصرالله مع التمديد له كونه مرشح الحزب (الوحيد) لخلافة بري! ثم مع انتهاء ولاية عون واحتدام المواجهة في معركة الرئاسة في حين ان “الثنائي” لم يعد سيد اللعبة بفقدانه الاكثرية النيابية. اذ أن بري فاجأ نصرالله باعلانه ترشيح سيلمان فرنجيه للرئاسة واجباره على اللحاق به، وبعدها وجد الاثنان نفسيهما في مأزق: فهما غير قادرين على فرضه وغير قادرين في الوقت نفسه على التراجع عنه بعد ان كان نصرالله قد اعطاه وعدا بالرئاسة عام 2016 لاقناعه بالانسحاب لعون. كما ان “حزب الله” يؤكد انه ضد اي تعيينات جديدة في مراكز الدولة الهامة وفي السلك العسكري في ظل عدم انتخاب رئيس للجمهورية ووجود حكومة تصريف اعمال، فيما بري يسعى لتعيين حاكم جديد وتعيين رئيس للاركان في الجيش… ناهيك عن الجفاء الذي لا يزال يسيطر على علاقة بري مع النظام السوري، والذي تكرس ايضا في عدم تورط امل في المشاركة في قمع الثورة السورية التي اندلعت في آذار 2011 كما فعل نصرالله الذي ارسل آلاف المقاتلين للدفاع عن نظام بشار الاسد.
غير ان كل هذه الاختلافات والتمايزات لا تطفو على السطح بفعل اجادة “الثنائي” حسن خوض المعارك والامساك دوما بزمام المبادرة او جر الخصم الى الساحة التي يريد او الى موضوع المواجهة الذي يفضل كما يفعل بري الذي يضع القوى التي تسمي نفسها “سيادية” امام الامر الواقع/ فهي لم تحسن يوما ادارة الاختلاف والمواجهة، ولا امتلكت برنامجا يقارع “حزب الله”، فتجد نفسها في موقع الدفاع والمواربة طمعا بشراكة ما او بحصة من كعكة السلطة كما هو نهج التيار العوني، او تسعى في اغلب الاحيان لعقد تسويات مع بري بحجة انه “ميثاقي” ومع |اتفاق الطائف”، ويعرف التركيبة والتوازنات اللبنانية، واذا به يشطح بهم الى ادارة استنسابية ومزاجية لمجلس النواب جاعلا منه ديوانيته الخاصة حيث “صدق صدق” هو سيد الموقف وسيد الكلام بدون احتساب الاصوات عند التصويت.
فلماذا ظهر الخلاف الآن وهل وراء الأكمة ما وراءها؟