إيران اضطرت لإرسال 2500 جندي إضافي تحت ضغط موسكو
“وحدة المهدي” الإيرانية تتولّى الأمن الشخصي لبشّّار
طهران-
بعد تراجعها إلى دور “الشريك الأصغر” منذ التدخّل العسكري الروسي في سوريا، فإن طهران يمكن أن توسّع هامش مناورتها بعد رحيل القوات الروسية. وكانت إيران، منذ بدء الغارات الروسية، قد اضطرت إلى تعديل انتشار قواتها، بل وإلى إعادة النظر في عقيدتها العسكية في سوريا.
وحتى الخريف، كانت طهران ترسل، بالدرجة الأولى، مستشارين من “قوة القدس”. وكانت مهمة حوالي 700 إلى 800 من هؤلاء “المستشارين” هي تقديم العون العسكري للجيش السوري ولميليشيات النظام، وخصوصاً لسدّ النقص في أعداد الجنود السوريين المستعدين للقتال ضد الثوار. وقال خبير في طهران مؤخراً لمراسل “الفيغارو” أن “قسماً كبيراً من المستشارين الإيرانيين ظل في سوريا. ولكن، “إضافةً إلى هؤلاء، فقد اضطرت إيران لإرسال 2000 إلى 2500 عنصر من القوات البرية في “قوة القدس” مع أعداد من عناصر ميليشيا “الباسيج” المدرّبين جيداً”.
إن موسكو هي التي فرضت ذلك التغيير النوعي على طهران في الخريف. ويقول الخبير الإيراني، الذي طلب عدم ذكر إسمه: “قال سيرغي لافروف لجواد ظريف “أرسلوا لنا عدداً أكبر من الجنود ومن القوات البرّية، وعدداً أقل من الجنرالات”! وبناءً عليه، تنشر طهران الآن الكثير من صغار الضباط، برتبة ملازم أو صف ضابط، أغلبهم من وحدات تنتشر في المناطق الناطقة بالعربية في إيران. ولكنها لا ترسل وحدات عسكرية كاملة، بل صغار الضباط فيها، لمساعدة الجيش السوري في العمليات البرية.
وتشمل القوات الإيرانية التي تم نشرها في سوريا منذ الخريف عناصر “كوماندوس” من القوات الخاصة لتلك الوحدات البرية، معظمها من القوات الإحتياطية لمنطقتي طهران وأصفهان.
دور الجنرال حسين همداني
غيّر التدخّل الروسي جميع المعطيات بالنسبة لإيران. “لقد حوّل الروس الإيرانيين، الذي كانوا حلفاء لدمشق منذ 30 عاماً، إلى مجرّد شريك أصغر”، يضيف الخبير! وهذا، مع أن وحدة نخية إيرانية، هي “وحدة المهدي”، ما زالت تتولّى الأمن الشخصي لبشّار الأسد. وبناءً عليه، فإن انسحاب روسيا لا يُفتَرَض أن يثير استياء طهران. والواقع أن جواد ظريف عبّر عن ارتياحه للإنسحاب الروسي.
توتّر روسي إيراني
وكانت علامات التوتّر بين الداعمين الرئيسيّين للأسد قد ظهرت في الأشهر الأخيرة. وكان بين أسبابها دورُ الجيش السوري في مواجهة الإنتفاضة المسلحة. فحتى التدخل الروسي، كانت طهران قد لعبت ورقة الميليشيات المحلية التي كان الجنرال حسين همداني (الذي قُتِل في المعارك) قد أنشأها منذ العام 2012، في المعارك التي نشبت في منطقة حلب في شهر أكتوبر. وقد عُرف الجنرال همداني كأحد رموز التدخّل الإيراني في سوريا، ولكنه كان معروفاً في إيران بأنه، في العام 2008، كان مسؤولاً عن عمليات دمج ميليشيا “الباسيج” في القوات البرّية لـ”الباسداران”. وكرّر الجنرال همداني التجربة نفسها في سوريا، حيث قام بدمج مختلف الميليشيات بالقوات النظامية. وحسب تحليل أحد الديبلوماسيين، كان همداني “بين الإيرانيين القلائل الذين يقولون أن الوضع لن يتحسّن إذا ما تم الإعتماد على الأقليات الشيعية والعلوية وحدها. وكان همداني يسعى لبناء أداةٍ تمثّل المجتمع السوري كله، أي بما فيه “السُنّة” وهم الأكثرية في سوريا. وفي النهاية تم اعتماد وجهة نظره: يضيف الديبلوماسي أن “الإيرانيين يقولون لنا الآن انه ينبغي الإعتماد على الجيش السوري”.
والواقع أن الإيرانيين يتحملون عبئاً ثقيلاً في سوريا. وهم يدفعون ضريبة الدم: 60 قتيلاً في شهر فبراير وحده، وهذا رقم لم يسبق له مثيل. وبلغ العدد الإجمالي لقتلى الإيرانيين 200 قتيل، وعدد مماثل من الجرحى، منذ شهر أكتوبر. وتقاتل القوات الإيرانية التي أُرسلت مؤخراً في الصفوف الأولى. وعليها أن تتحمّل وحدها عبئها اللوجستي. علماً أن المستنقع السوري يتطلب موارد بشرية كبيرة جداً: فهنالك مسؤول لوجستي (مسؤول إمداد) واحد مقابل كل مقابل، تقريباً. علاوة على ذلك، فالقوات البرّية لـ”الباسداران” تتميّز بنسبة الضباط المرتفعة فيها، مما يفسّر الخسائر الكبيرة بين الضباط. وهذا، علماً أن عدداً كبيراً من “العقداء” الذين قُتلوا في سوريا حصلوا على رتبة “جنرال” بعد مقتلهم.
إن ملصقات “المجد للشهداء” تنتشر في المدافن الإيرانية. ولكن، بعكس الروس، فإيران لا تملك أن تتحدث عن عمليات قصفٍ قامت بها وتمثل “حصيلة لعملياتها”. ويقول أحد الصحفيين أن “ذلك هو ما يدفع الإيرانيين لإكثار الحديث عن خسائرهم. وكأنهم يقولون أن أحداً لا يستطيع أن يضحّي أكثر أو أن يفعل أكثر مما يفعلون هم”. ويمثّل ذلك، أيضاً، طريقةً لمواجهة الضغوط الروسية. ويتساءل الجميع عما قاله بوتين لخامنئي أثناء زيارته لطهران. “وإذا كان بوتين قد قال لخامنئي أنه سيتم التوصل إلى تسوية سياسية عاجلاً أم آجلاً، وأنه ينبغي على بشار أن يترك السلطة، فإن المرشد كان سيجيبه: حسناً، ولكنكم كنتم ستعجزون عن إنقاذ بشار بدوننا نحن”!
“لقد استثمرنا في سوريا قدراً لم يعد يسمح لنا بالتراجع الآن”، أسرّ أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني، الجنرال علي شمخاني، لرئيس حكومة اليونان ألكسيس تسيبراس أثناء زيارته لطهران.
وكلامه يضع حداً لكل التكهنات.
الأصل الفرنسي: