الشفّاف- بيروت- –
رغم التخبط الذي بدا في أداء قيادات 14 آذار، وإداراتها لحركة الترشيحات إستعدادات للإنتخابات النيابية في السابع من حزيران2009، فإن المحصلة توحي بان الأكثرية لن تخسر أكثريتها في برلمان الـ 2009.
ثمة مخاوف طبعت المشهد الإنتخابي لـ 14 آذار سببها الخشية من إنعكاس التخبط “الظاهري” سلباً على جمهور “ثورة الأرز” ولا سيما بعد شعور شريحة واسعة من هذا الجمهور غير الحزبي بمحاولات إقصاء بعض الشخصيات المستقلة الفاعلة التي شكلت علامة فارقة في تلك المسيرة، وتراخي مسيحيي 14 آذار في خوض معركتهم في الدوائر المسيحية الصرف في وجه لوائح” التيار العوني”.
لكن طغيان هذا الشعور، لا يقلل من الإعتقاد القوي الذي يسود قوى 14 آذاربأنها ستفوز مجدداً بالاكثرية النيابية في برلمان 2009، لا بل تذهب الى الجزم أنه لو أديرت المعركة منذ البداية تحت سقف المشروع السياسي الجامع لقوى 14 آذار لكان بمقدورها الفوز بـ 80 صوتاً من أصل 128 وليس فقط بأكثرية 65 صوتا أو أكثر بقليل.
وبرأي بعض المتابعين أن الحزبين الاساسيّن في الوسط المسيحي داخل 14 آذار (حزب الكتائب و”القوات اللبنانية”) لم يعملا بعد على إدارة المعركة في المناطق المسيحية من زاوية المشروع السياسي الذي يُخرج الناس من الاصطفافات الضيقة الى الخيارات الكبرى الاساسية. ويسأل هؤلاء ما الذي كان يمنع رئيس الهيئة التنفيذية في “القوات اللبنانية” من الترشح عن دائرة كسروان-المعقل الماروني- حيث ترشح الجنرال ميشال عون وهو إبن قضاء بعبدا، ليس بهدف الحصول على مقعد نيابي، بل بهدف خوض معركة سياسية ترتكزعلى الخيارات الكبرى التي تتعلق بمستقبل لبنان ومصيره، ما دامت القيادات المسيحية في 14 آذارتنظر الى هذه الإنتخابات على أنها إستحقاق مصيري سيكون له إنعكاساته على مفهوم لبنان ودوره وكيانه ونظامه. ويبدو المتابعون لدقائق المعركة في المناطق المسيحية على إقتناع بأن الآوان لم يفت بعد لإدارة حكيمة للمعركة في هذه المناطق.
ورغم التَوجُّس من أن تكون شخصيات سياسية في الـ 14 آذار، على غرار سمير فرنجية والياس عطالله وحتى فارس سعيد وإنْ ترشّح، قد دفعت أو ستدفع “ثمن تفاهمات ما ” تحمل في طياتها أبعادا إقليمية أكثر منها داخلية، فإن بعضاً من “رفاق درب هؤلاء” لا يدرجون هذه الخطوة في خانة “الإقصاء المطلوب ” بل” القرار المر” الذي أملته حسابات المعركة الانتخابية في دائرة البترون تحديداً، التي تضم مقعدين للموارنة، أحدهما ترشح عنه النائب بطرس حرب والأخر كان ينتظر توافق حزب الكتائب و”القوات اللبنانية” على تزكية مرشح من إثنين: إما القواتي النائب أنطوان زهرا أوالكتائبي سامر سعادة، نجل رئيس حزب الكتائب الراحل جورج سعادة.
لكن “الإخفاق” الكتائبي – القواتي ولعله “التواطؤ” الكتائبي– القواتي لإيلاء المقعد الماروني في دائرة طرابلس لمرشح بتروني ما دام نقل المقعد الى البترون قد تعثر في الدوحة، أدى في نهاية الامر الى تجيير مقعد طرابلس لمصلحة سعادة، وذلك لضمان عدم تشتت الاصوات المؤيدة لـ”ثورة الأرز” في البترون بين المرشحين الكتائبي والقواتي، وهو ما كان سيؤدي الى سقوط الاثنين معا وفوز المرشح العوني جبران باسيل، صهر الجنرال ميشال عون.
ويرى قطب في 14 آذار أن النائب الياس عطالله إستطاع من خلال ترشيحه للقيادي في حركة “اليسار الديموقراطي” الطبيب أمين وهبي عن المقعد الشيعي في دائرة البقاع الغربي من تسجيل نقطة إيجابية في مسيرة هذه الحركة العلمانية اليافعة التي تكون قد أوصلت الى البرلمان (في حال فوز وهبي) نائبين في دورتين إنتخابيتين، وذلك في غضون أربع سنوات على تشكليها، في وقت لم ينجح الحزب الشيوعي اللبناني على مدى سنوات نضاله الطويلة، والتحاقه بركب قوى الثامن من آذار في إنتزاع موقع له على لوائح “حلفائه” رغم كل الوعود التي أغدقت عليه بين إنتخابات 2005 وإنتخابات 2009 .
ويعتبر هذا القطب أن خروج عدد من نواب 14 آذار من برلمان 2009 لا يعني خروج هولاء من صفوف “ثورة الأرز”، أو تراجع دورهم في “الحركة الإستقلالية”. فهناك شخصيات لعبت دوراً سياسياً بارزاً في هذه الحركة من خارج الندوة البرلمانية، كالنائب السابق فارس سعيد الذي رغم خسارته إنتخابات عام 2005، أعلن في اليوم التالي عزمه مواصلة معركته السياسية من موقعه الطبيعي في” إنتفاضة الإستقلال”. وهو ساهم في إعطاء قوى الرابع عشر من آذار إطاراَ تنظيمياً مميزاً من خلال دوره في الأمانة العامة لهذه القوى، الى جانب” الماركسي العتيق” و”المنظر الفكري” كما يحلو للبعض أن يطلق على سمير فرنجية من أوصاف، ويذهب الى الإعتقاد أن هذه المهمة باتت اليوم ملقاة أكثر من أي وقت مضى على عاتق شخصيات تمايزت سابقاً وآثرت عدم الترشح ما دامت هذه الخطوة لا تحمل دلالة سياسية في واقع المعركة التي تخوضها قوى 14 آذار.
وفي رأي أحد قياديي 14 آذار أن مسار الترشيحات في الداوئر التي ستشهد معارك فعلية لا يدل أن هناك أي “تسويات معلبة” خارج ما جرى” في إتفاق الدوحة”. وليس أدل على ذلك من ترشح رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في دائرة صيدا، الذي راهن كثيرون أن “الهدنة الإقليمية” ستفضي الى عدم ترشحه عن هذه الدائرة تحديداً. فالهدنة في العلاقات العربية- العربية لا تعدو كونها مرحلة تقطييع للوقت الضائع بإنتظار أن تتبلور ملامح المرحلة المقبلة على مستوى المنطقة والمشاريع المرتبطة بها، في وقت يعمل كل من الاطراف المتنازعة على الاحتفاظ بـ”أوراق المساومة” التي يمتلكها وتعزيزها تحسينا لشروطه عندما يحين موعد الحصاد. وتشكل الانتخابات النيابية في هذا الإطار فرصة سانحة في لعبة كسب النقاط وتسجيل “الانتصارات” لكلا الفريقين المحليين وإمتداداتهما الاقليمية.
وإذا كانت نتائج دوائر عدة قد حُسمت فيها الغلبة إما لفريق 14 آذار أولفريق 8 آذار، فإن الأنظار تتجه الى دوائر ذات أبعاد سياسية محددة تتخطى في عنوانها العريض المعركة بين الفريقين الآذاريين لتطال خصوصية معينة كإرتباط موقع الرئاسة الاولى بمدينة جبيل، ورمزية ترشّح رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في مدينة صيدا، وعلاقة البطريركية المارونية بكسروان، ومغزى الامساك بمفتاح مدينة زحلة كعاصمة للكثلكة…. دوائر ستترتب على نتائج المعارك فيها إنعكاسات لا تقل في أهميتها عن تلك العائدة لنتائج المعركة ككل.
rmowaffak@yahoo.com