ﺑﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﻄﺮﺡ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺃﺣﺪ ﻣﺆﺷﺮﺍﺕ ﺍﻟﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺴﻴﺎسي في اﻟﻜﻮﻳﺖ، فإن الطرح العلماني هو المنافس للطرح الديني بصورة واضحة وشفافة. فنحن نعيش وسط مدرستين فكريتين- سياسيتين- اجتماعيتين منافستين، هما المدرسة الدينية بمختلف توجهاتها، والمدرسة العلمانية وبمختلف توجهاتها أيضا.
بحسب العلمانيين، يقوم تصوّرهم على عدم وجود ﻣﻄﻠﻖ ﻓﻲ المسائل المتعلّقة بالحياة، فجميعها ﻧﺴﺒﻴﺔ، ﻭﺑﺸﺮﻳﺔ ﻏﻴﺮ ﺳﻤﺎﻭﻳﺔ، ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻟﻘﻴﻢ ﻭﻣﻌﺎﻳﻴﺮ ﺍﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ وأخلاقية ﻣﺘﻐﻴّﺮﺓ. ﻓﺎﻟﺒﺮﻟﻤﺎن، باعتباره آلية تبحث في الشؤون الحياتية، يعبّر ﻋﻦ ﺑﺸﺮﻳّﺔ المسائل ﻻ ﻋﻦ ﺳﻤﺎﻭﻳﺘﻬﺎ، ﻭﻣﻨﺎﻗﺸﺎته ﻣﺤﺼّﻠﺔ تفاعل النوّاب ﻭﺗﻔﺴﻴﺮﺍﺗﻬﻢ النسبية وﺍلمتباينة للمسائل ﻭﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ، ﻭﻻ يجب أن يعكس ﺍﻟﺜﻮﺍﺑﺖ ﻭﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺎﺕ والمطلق، فهو ليس ناطقاً ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺑﺎﺳﻢ ﺍﻟﺒﺸﺮ “المخطئين”.
تجربة الإسلاميين ﻣﻊ ﺍﻟﻌﻤﻞ السياسي والبرلماني تُظهر أنّ الطرح المغلّف بالمطلق والمستند إلى المسلّمات يسيطر على العديد من رؤاهم ومشاريعهم وان اختلفت نسبتها من جماعة إلى أخرى لأسباب مختلفة. ومحتوى التجربة يخالف صريح معنى الديموقراطية. فحينما ﻳﻔﺮﺯ ﺍﻟﺘﺪﺍﻭﻝ ﺍﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻧﻲ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﺗﺘﻌﺎﺭﺽ ﻣﻊ ﺍلفهم ﺍﻟﻤﻮﺟّﻪ ﻓﻲ ﺧﺎﻧﺔ ﺍلثوابت الدينية، ﻛﺎﻟﻤﻮﻗﻒ المناصر للحقوق السياسية والاجتماعية للمرأة بمساواتها الكاملة مع الرجل، أﻭ الموقف من حرية الفكر وتعددية الرأي، أﻭ ﻣﻦ ﺣﻘﻮﻕ الإنسان واحترام ﺤﺮياته ﺍﻟﺸﺨﺼﻴﺔ، تنقلب الآية إلى رفض فكرة البرلمان برمّتها باعتبارها ضد الله، أو يُشترط للاستمرار في قبول الفكرة تعديل قوانين البرلمان ليُمنع أي تجاوز لما يسمى بالثوابت الدينية.
اﻟﻤﻄﻠﻖ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ للإسلامي، السياسي والبرلماني، هو مصنع لإفراز الخطوط الحمراء التي ﻻ يجوز شرعا ﺗﺠﺎﻭﺯﻫﺎ، ﺑﻞ ﻣُﺘﺠﺎﻭِﺯُﻫﺎ مستحق لعقوبة ﺪﻧﻴﻮية وأﺧﺮﻭية. واستمرار الإسلامي بالعمل في برلمان “متجاوِز”، يهدف من ذلك تغييره وجعله برلمانا معبّرا عن فكرة المطلق، والتي هي في ذاتها فكرة غير مطلقة لأنها صادرة عن فهم نسبي ومعبّرة عن معرفة البشر لمفهوم المطلق، لذا تحوّلت إلى مفهوم نسبي غير مطلق.
أمّا ﻓﻲ قناعات العلماني الفكرية والسياسية والاجتماعية فلا يوجد ﻣﺎ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻧﺴﻤﻴﻪ ﺧﻄﻮﻃﺎ ﺣﻤﺮﺍﺀ (طبعا هناك من العلمانيين من يؤمن بأيديولوجيات نهائية تقترب كثيرا من فكرة العقائد الدينية والخطوط الحمراء المقدسة). ﻓﺎﻷﻓﻜﺎﺭ بالنسبة للعلماني هي ﻣﻨﺠﺰ ﺑﺸﺮﻱ ﻧﺴﺒﻲ ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻣﺴﻠّﻤﺎﺕ ﺃﻭ ﺛﻮﺍﺑﺖ، ﻭﻗﺎﺑﻠﺔ ﻟﻠﻨﻘﺎﺵ ﻭﺍﻟﺘﺪﺍﻭﻝ، ﻭﻣﻌﺮّﺿﺔ ﻟﻠﻘﺒﻮﻝ ﺃﻭ ﺍﻟﺮﻓﺾ، ﻭﺃﻱ ﺍﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻟﺜﻘﺎﻓﺔ ﺍﻟﻤﻨﻊ والإقصاء ﻭﺍﻟﺠﺒﺮ ﺗﺠﺎﻫﻬﺎ ﻫﻮ أمر مرفوض وﻧﺴﻒ ﻷﺳﺲ العمل الديموقراطي.
البرلمان والأحزاب، أو وسائل ﺍﻟﺪﻳﻤﻮﻗﺮﺍﻃﻴﺔ، بالنسبة للإسلامي، ﻣﺠﺮﺩ ﺁﻟﻴﺔ ﻟﺘﺜﺒﻴﺖ ﻣﻮﻗﻒ ﻳﺘﻔﻖ ﻣﻊ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ، ﺃﻭ ﻻ ﻳﺨﺎﻟﻒ ﺍﻟﺸﺮﻳﻌﺔ، ﺃﻱ هي ﺁﻟﻴﺔ ﺗﺤﺪﺩ ﺳﻠﻔﺎ “ﺟﻮﺍﺯ” ﺃﻭ “ﻋﺪﻡ ﺟﻮﺍﺯ” ﻣﻮﻗﻒ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻒ. والاعتراف، مثلا، ﺑﺤﺮﻳﺔ الاعتقاد انطلاقا ﻣﻦ حق الإﻧﺴﺎﻥ ﻭﻟﻴﺲ انطلاقا ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﻭﺍﻟﺠﻮﺍﺯ ﺍﻟﺸﺮﻋﻲ، ﻳﺪﻟّﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻛﺰﻳّﺔ ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ وصلتها بالديموقراطية، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ الاعتراف ﺑﺬﻟﻚ انطلاقا ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ، ﻳﺪﻟّﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺮﻛﺰﻳﺔ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ الفقهي ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻓﻲ ﺗﺄﻳﻴﺪ ﺃﻭ ﺭﻓﺾ ﺣﺮﻳﺔ الاعتقاد، وبالتالي في تعارض ذلك مع الديموقراطية ومع الفكر الحديث وقيم الحياة الجديدة. فمن جملة ما يعنيه التداول الديمقراطي، احترام قيم الحياة الجديدة، ورفض انتهاكها باسم المحافظة على الثوابت الدينية. ومن جملة ذلك أيضا أن للأغلبية في البرلمان الحق في تثبيت قوانين دينية، إلا أنه ليس لهذه الأغلبية الحق في منع الأقلية من العمل على تغيير القوانين الدينية.
يسأل ﺍﻟﻤﻔﻜﺮوﻦ ﻋﺎﺩﺓ ﺍﻟﺴﺆﺍﻝ ﺍﻟﺘﺎﻟﻲ: ﻫﻞ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻠﺪﻳﻦ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ، ﻭﻓﻖ ﻣﺪﺍﺭﺳﻪ ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮﻳﺔ ﺍﻟﻔﻘﻬﻴﺔ التاريخية، ﺍﻟﻤﺘﻌﺪّﺩﺓ ﻭﺍﻟﻤﺘﺒﺎﻳﻨﺔ، ﺃﻥ ﻳﺘﻮﺍﻓﻖ ﻣﻊ ﺍﻟﺪﻳﻤﻮﻗﺮﺍﻃﻴﺔ، ﺧﺎﺻﺔ ﻭﺃﻥ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺝ ﺍﻟﻤﺎﺿﻲ ﻭمرتبط باﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ، أعني ﺃﻧﻪ ﻇﻬﺮ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ ﻭﺗﻐﻴّﺮﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺎﺩﻳﺔ والمفاهيمية، ﺃﻱ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻌﺼﺮ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪ، ﻋﺼﺮ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻳﻤﻮﻗﺮﺍﻃﻴﺔ ﺣﺴﺐ ﺻﻮﺭﺗﻬﺎ ﺍﻟﺤﺎﻟﻴﺔ ﻭﺗﺠﺮﺑﺘﻬﺎ ﺍﻟﺮﺍﻫﻨﺔ ﻭﺁﻟﻴﺎﺗﻬﺎ ﻫﻲ منتج ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻤﻨﺔ؟
ﻟﻮ ﺗﻤﻌّﻨﺎ ﻓﻲ منتج ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻤﻨﺔ ﺳﻮﻑ ﻧﺠﺪ بأنه يختلف عن منتج ﻣﻔﺴﺮي ﺍﻟﺪﻳن. ﻓﻔﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ ﻣﻦ نتائج ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻤﻨﺔ ﺗﺄﺳﻴﺲ ﺇﻧﺴﺎﻥ “ﻧﺎﻗﺪ”، ﻛﺎﻥ ﻣﻦ نتائج ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺍﻟﻔﻘﻬﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﺗﻬﻴﺌﺔ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻏﻴﺮ ﻧﺎﻗﺪ ﺑﻞ “ﻣﻨﻘﺎﺩ” ﻭ”ﻣﻄﻴﻊ” للأوامر والنواهي ﻓﻲ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎﺣﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، في ظل الطرح القائل بأن ﺍﻹﺳﻼﻡ هو دين ودنيا. ﺇﺫﺍً، ﻻ ﺻﻠﺔ ﻟﻠﻨﻘﺪ بمجمل سلوك ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺘﺪﻳّﻦ ﺍلفقهي ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ، إذ ﻻ ﻳﺘﻤﺎﺷﻰ ذلك ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺒﺪﺃ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﺄﺳّﺲ في ظلّه ﻭﺗﺮﺑّﻰ ﻓﻲ إطاره ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻄﺎﻋﺔ ﻭﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ. ومعظم النقد الذي يمكن ملاحظته في سلوك الفرد الإسلامي، إنما هو موجّه ضد كل من لا يلتزم بثوابته الفقهية التاريخية.
ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ للفرد ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻲ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻨﻘﺎﺩﺍ ﻣﺴﺘﺴﻠﻤﺎ ﻣﻄﻴﻌﺎ، فذلك ﻳﺘﻌﺎﺭﺽ ﻣﻊ ﺃﻃﺮ حياته ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ، العلمية والفكرية، وﺍﻟﻤﺴﺘﻨﺪﺓ ﻓﻲ ﺃﺣﺪ ﺃﺳﺴﻬﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻘﺪ ﻭﺍﻟﺴﺆﺍﻝ، ﻭﺇﻟﻰ ﻋﺪﻡ الاقتناع ﺇﻻ ﻓﻲ ﻇﻞ ﻭﺟﻮﺩ منطق عقلي وﺃﺩﻟﺔ برهانية وتجارب علمية.
ﻣﻦ ﻧﺘﺎئج ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ ﻭﺍﻟﻌﻠﻤﻨﺔ أيضا ظهور ﻣﻔﻬﻮﻡ “الاختيار” ﻭﺗﻮﺳّﻌﻪ، حتى أﺻﺒﺢ ﺃﺣﺪ ﺃﺳﺲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺠﺪﻳﺪﺓ. ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻘﺎﺑﻞ لا يزال ﺍﻟﺠﺒﺮ ﺃﻭ اللاﺍﺧﺘﻴﺎﺭ أصلا ﻣﻦ ﺃﺻﻮﻝ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍلفقهية ﻭﺃﺳﺎﺳﺎ ﻣﻦ ﺃﺳﺲ ﺍﻟﺘﺪﻳّﻦ ﺍلتاريخي. ﻓﺎلمؤمن الفقهي مكلّف ﻭﻏﻴﺮ ﺣﺮ ﻓﻲ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﺍﺗﻪ، ﻓﻲ ﺣﻴﻦ ﺃﻥ الاختيار ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺠﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎﺣﻲ حياة الإنسان الحديث. فالإنسان ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻲ، ﺣﺮ ﻓﻲ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﺩﻳﻨﻪ، ﻭﻓﻲ ﺗﻐﻴﻴﺮﻩ ﺇﺫﺍ ﺍﻗﺘﻀﺖ ﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻪ ﺍﻟﻔﻜﺮﻳﺔ ذلك، حر في اختيار مسيره الفكري والسياسي والاجتماعي. ﻛﻤﺎ ﺃﻥ ﻣﻨﻈﻤﺎﺕ ﺣﻘﻮﻕ الإنسان، ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺷﺮﻳﺎﻥ ﺍﻟﺤﺪﺍﺛﺔ، ﻣﺴﺘﻌﺪﺓ ﻟﻠﺪﻓﺎﻉ ﻋﻦ حرية الإنسان ومطالبه وعن أي تجاوزات تواجه قناعاته. بينما ﺍﻟﺘﻔﺴﻴﺮ ﺍﻟﺪﻳﻨﻲ ﺍﻟﻔﻘﻬﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻳﻌﺘﺒﺮ ﻣﻔﻬﻮﻡ الاختيار ﺷﺮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺮﻭﺭ، وما برح ﻳﻌﺘﺒﺮ ﺗﻐﻴﻴﺮ الإنسان ﺍﻟﻤﺴﻠﻢ ﻟﺪﻳﻨﻪ، ﺃﻭ ﻟﻘﻨﺎﻋﺎﺗﻪ الدينية ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ، ﻳﻮﺟﺐ ﺃﻗﺴﻰ ﺍﻟﻌﻘﻮﺑﺎﺕ، وهو ما أدى إلى ﺍﻧﺘﺸﺎﺭ الاستبداد ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻲ ﻭﺍﻟﻔﻜﺮﻱ، الفردي والمجتمعي. ﻓﻼ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭ ﻟﻠﻤﺴﻠﻢ ﺃﻣﺎﻡ ﺃﻭﺍﻣﺮ ﻭﺃﺣﻜﺎﻡ ﻭﻗﺮﺍﺭﺍﺕ ﻭﺗﻜﺎﻟﻴﻒ ﺍﻟﻮﻟﻲ ﺃﻭ ﺍﻟﻤﺮﺷﺪ ﺃﻭ الإمام ﺃﻭ ﺍﻟﻔﻘﻴﻪ ﺍﻟﻤﻤﺜﻞ ﻟﻠﺴﻠﻄﺔ الإلهية، ﻭﻛﺬﻟﻚ ﺃﻣﺎﻡ ﺃﻭﺍﻣﺮ ﻣﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﻤﺆﺳﺴﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻨﺒﺜﻖ ﻣﻦ ﺗﺤﺖ جبته، ﻓﻼ ﻳﺤﻖ ﻟﻪ الاعتراض ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺃﻭ ﺮﻓﺾ ﺗﻨﻔﻴﺬ ﺃﻭﺍﻣﺮﻫﺎ، وإلا ﺳﻴﻮﺍﺟﻪ ﻋﻘﻮﺑﺎﺕ ﺩﻧﻴﻮﻳﺔ ﻭﺗﻬﺪﻳﺪ ﺑﻌﻘﻮﺑﺎﺕ ﺃﺧﺮﻭية.
ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ﻻ ﺗﻌﻨﻲ ﻓﺤﺴﺐ ﻓﺼﻞ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ، ﺑﻞ ﺫﻟﻚ ﻧﺘﻴﺠﺔ ﻣﻦ ﻧﺘﺎﺋﺠﻬﺎ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻲ ﺗﺴﺘﻨﺪ ﺇﻟﻰ علاقة ﻭﻃﻴﺪﺓ ﻣﻊ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻭﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻭﺗﺒﺘﻌﺪ ﻣﺎ ﺃﻣﻜﻦ ﻋﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ. ﻫﻲ ﺗﻮﺻﻲ ﺑﻌﺪﻡ ﺍﻹﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠّﻘﺔ ﺑﺎﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﻴﺔ، لأنها ﺗﻌﺘﺒﺮ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺃﺣﺪ ﻋﻨﺎﺻﺮ ﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ. ﺑﻤﻌﻨﻰ ﺃﻧﻬﺎ ﺗﺆﻛﺪ ﻋﻠﻰ ﺇﺑﻌﺎﺩ ﺩﻭﺭ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻋﻦ ﺍﻟﺸﺄﻥ ﺍﻟﻌﺎﻡ، ﺃﻱ ﻋﻦ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ والاقتصاد ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻢ ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺎﺋﻞ. إذن العلمانية هي الوجه الآخر لتفكيرنا، الوجه الذي يرفض الخلط بين الشأن الطبيعي والشأن غير الطبيعي.
- كاتب كويتي