كتبت “ديلفين مينوي” في “الفيغارو” الفرنسية:
بدأ الموضوع ببرقية وزعتها وكالة “إلنا” الإيرانية شبه الرسمية بعد ظهر الأحد الماضي. وحسب البرقية، فقد حمّل الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني نظام الأسد المسؤولية عن استخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه. وقال رفسنجاني بدون مواربة: “لقد تم استهداف الشعب السوري بهجمات كيميائية من جانب حكومته نفسها، وعلى هذا الشعب الآن أن يترقّب هجوماً أجنبياً”. وأضاف: “لقد عانى شعب سوريا الكثير خلال العامين الماضيين”.
وبعد دقائق، تم تعديل نصّ برقية “إلنا” وتبخّر منه الإتهام الموجّه للأسد باستخدام الغازات ضد شعبه. ولكن التعديل جاء متأخراً. فشبكة الإنترنيت كانت، في تلك الأثناء، قد امتلأت بتعليقات تفيد أن الجمهورية الإسلامية تسعى للنأي بنفسها عن حليفها السوري.
السلاح الكيميائي “خط أحمر” إيراني”!
إن تلك الحادثة الإعلامية، في بلد اعتاد على “قصّ” الأخبار، تعبّر عن “الإنزعاج” الإيراني من العنف الفائض من جانب دمشق مؤخراً. إن الجمهورية الإسلامية، التي تتبع خطاً “مناوئاً للإمبريالية”، والحريصة على ما تبقّى من “محور المقاومة” الذي يضم حزب الله وسوريا وإيران، تعارض طبعاً أي تدخل أجنبي في بلد صديق. وبصورة خاصة، تنظر السلطات الشيعية في طهران بقلق لتصاعد قوة “المجاهدين السنّة” ضمن الثورة السورية، وتخشى من قيام نظام موالٍ للسنّة تقوم المملكة العربية السعودية بتوجيهه عن بُعد إذا ما سقط نظام بشار.
ومع ذلك، فإن الهجوم بالغاز القاتل، الذي تراكمت الدلائل على حدوثه، كان تخطّياً لـ”خط أحمر” في نظر طهران.
والسبب هو أن مناظر الأطفال الموتى، الذين تخلو أجسادهم من أية خدوش، هو منظر مألوف بالنسبة لكثير من الإيرانيين. وهذه المناظر تعيد إلى ذاكرة الإيرانيين الذكرى المؤلمة والرهيبة لهجمات الغاز السام التي نفّذها صدام حسين ضد أكثر من ٣٠٠ موقع عسكري ومدني إيراني إبان حرب ١٩٨٠-١٩٨٨.
وفي العام ١٩٨٧، أسفر هجوم مرعب بـ”غاز الخردل” على بلدة “سردشت” الإيرانية الصغيرة عن سقوط ١٠٠٠ قتيل. وحتى في يومنا هذا، فإن ٤٥٠٠٠ إيراني من “جرحى الكيميائي” (بينهم ٣٠٠٠ من “سَردشت”) ما زالوا يتلقّون علاجات خاصة بعاهات التنفّس والجِلد.
ويذهب بعض الخبراء إلى حد إقامة صلة بين الصدمة الناجمة عن التعرّض لهجمات بالأسلحة الكيميائية وقرار تسريع البرنامج النووي الإيراني الذي كان بدأ العمل به في عهد الشاه ثم تم تعليقه بعد الحرب مع العراق.
إن ذلك هو الإطار المناسب لفهم تصريح رفسنجاني. علماً أن تصريحه لوكالة “إلنا” يأتي بعد أيام من كلام آخر لرفسنجاني في أحد المساجد توقّعَ فيه أن “العواقب ستكون وخيمة على الحكومات التي تستخدم الأسلحة الكيميائية، مثلما كانت وخيمة على صدام حسين… ونهايته المروّعة”!
ليس من حاجة للتذكير بأن تصريحات رفسنجاني، الذي لا يحبّه متشدّدو النظام الإيراني، وبعضهم يتّهم الثوار السوريين بارتكاب هجوم “الغوطة”، تندرج ضمن الصراع السياسي الداخلي في إيران. أو بأن رفسنجاني ينحاز للرئيس الجديد حسن روحاني.
لكن أحد مظاهر الإحراج الذي يسود طهران إزاء لجوء نظام دمشق للهجمات الكميائية هو أن المرشد الأعلى، آية الله خامنئي، امتنع حتى الآن عن الإدلاء بأي تصريح حول الموضوع. وفي الوقت نفسه، سعت إيران لتقديم نفسها كـ”وسيط مستعد للبحث عن حل سياسي”، كما ذكر وزير الخارجية الجديد جواد ظريف في محادثة هاتفية مع بان كي مون.