حاوره : سيمون عيلوطي
كثيرا ما كنت أتردد على بيت صديقي المرحوم حازم الزعبي (ابن مدينة يافا، التي تشرد منها في عام النكبة، 1948) والذي ربطتني به صداقة زاد من متانتها نوع النقاش الثقافي الذي كان يدور بيننا، وكنت معجبا بموسوعية اطلاعه على الأدب العالمي والعربي، وكذلك على الموسيقى العالمية الى حد يمكنة أن يردد شفهيا “وبصوته العذب”، مقاطع كاملة لبيتهوفن ، وموزارت، وشوبان، وغيرهم . وقد حول بيته الى شبه منتدى ثقافي جعل الكثير من الكتاب والأدباء والفنانين يترددون عليه . أذكر منهم على سبيل المثال: الشاعر عصام العباسي ، والأديب طه محمد علي ، والشاعر سعود الأسدي ، والكاتب د. زهير صباغ ، وسهيل كرام ، “صاحب راديو الشمس اليوم” ، والفنان فوزي السعدي ، وغيرهم ، يزورونه بشكل أسبوعي لمناقشة مختلف القضايا الثقافية والسياسية .
في إحدى جلساتنا في حدود 1975 قدم شاب وسيم، طويل القامة، يبدو عليه – ومن خلال نظراته أنه مرهف الحس.. شديد الذكاء، – قدمه إلينا صاحبنا حازم، قائلا: تعرفوا على نبيل عودة ،درس الفلسفة في موسكو ويعمل مديرا للعمل في الحدادة ، وهو قصصي وكاتب. وكان حازم الزعبي نفسه حدادا مهنيا – بدا يعمل بالخراطة في المصنع الذي يدير العمل فيه نبيل نفسه.
هذا التعريف كان غريبا. ما دخل الثقافة والفكر بالصناعة والمنشئات الحديدية الضخمة ومنشئات تكرير النفط؟ وأظن انه حتى اليوم ما زال أقرب أصدقاء نبيل يجهلون انه من أبرز المهنيين في مجاله ويلجأ اليه العديد من المقاولين طلبا لمشورته المهنية التي لا يبخل بها على أحد، ولا يعرفونه الا بالكاتب والناقد والاعلامي، الذي كانت تملأ كتاباته الاسبوعية صحافتنا المطبوعة ، وخاض معارك سياسية صحفية ، ومعارك أدبية ، كانت من أبرز الأحداث في وقتها وأكثرها قراءة في الصحافة ، وجعلته اسما أدبيا وسياسيا مرموقا في جميع انحاء البلاد واليوم في الشبكة العنكبوتية ، بعد ان أغلقت بوجهه أبواب الصحف المحلية .
كان نبيل عودة في طروحاته ، وخاصة عن القضايا المسكوت عنها- في حينه- مثل قضاية المرأة في مجتمعنا ، رفض الانعزال السياسي عن القوى الدمقراطية اليهودية تحت شعارات قومية ، ورؤيته الواضحة في تلك الفترة المبكرة لضرورة العمل على تحقيق شعار دولتين لشعبين ، وجعل هذا الهدف على رأس أجندة أحزابنا السياسية .. وأن أي تعويق في فهم أهمية هذا الموقف سيسبب المزيد من المآسي للشعب الفلسطيني بالأساس . ورأى منذ تلك الأيام ، ان شعرنا المحلي يعيش مرحلة مأزومة سببها سحر محمود درويش الشعري وشهرته غير العادية ،واننا بدانا نشهد في أدبنا المحلي غزارة في الشعراء وفي الانتاج الشعري ، وفقر في المضامين .. وانه ما عدا الشعراء المعروفين لا يرى بعد ولادة شعرية جديدة .. وان المشكلة تتعلق أيضا بتحولات سياسية واجتماعية ستغير الكثير من المناهج التي كانت تبدو ثابتة في فترة وجود حزب واحد في الشارع العربي ، الحزب الشيوعي في وقته … وخاصة مع بدء ظهور تفسخات داخل الحزب وحلفائه ، ونشوء تنظيمات البرجوازية الصغيرة ، والمتوسطة الناشئة في المجتمع العربي في اسرائيل ، رأى بها أمرا طبيعيا ، ولكنه رفض اسلوب تعامل الحزب الشيوعي معها واتهاماته لها بالعمالة … وراى ان” الدكانة” الوحيدة ( الشيوعية ) بدأت تفقد احتكارها ، ويجب ان تغير من اسلوب تعاملها وعقلية بناء تحالفاتها .
هذه الطروحات ، وغيرها ، كانت تثير نقاشا حادا .. ولكنه كان رغم ذلك يعرف كيف يحافظ على الود والاحترام المتبادل مع مخالفيه في الرأي . وما يكتبه اليوم من طروحات وأفكار تثير من حوله العواصف تلو العواصف في الأدب والسياسة على حد سواء ، وأقول انه لم يذهب من خلالها بعيدا عن تلك المواقف المثيرة للنقاش التي كان يفجرها في جلساتنا في بيت صديقنا حازم الزعبي ، والتي لم تترك لي مناصا من ضرورة محاورته ” حول الموقد “.
سؤال – تعرفت عليك قبل ثلاثة عقود تقريبا ، في بيت صديقنا حازم الزعبي ، وانت خلدت ذكرى حازم برواية ” حازم يعود هذا المساء ” حيث كشفت لنا انسانا لم نكن نعرف آلام نفسه رغم اننا نسامره ليليا تقريبا … حدثنا عن الرواية والأهم كيف أقنعت حازم ان يصارحك بسره الدفين ؟
نبيل – تعرفت على حازم بالصدفة لدى الحلاق .. جرنا حوار عابر .. فأكتشفت أصالة حازم وقدرته على صياغة آرائة السياسية وتبريرها .. ثم سألني اذا كنت شاهدت عروض الباليه والأوبرا في الاتحاد السوفييتي وبدا يحدثني باستاذية عن الموسيقيين الكلاسيكيين ، وعن بحيرة البجع والحسناء النائمة وكسارة البندق وسائر عباقرة الموسيقى الكلاسيكيين ، وعن الأدب الروسي الكلاسيكي والفرنسي والانجليزي ، وعن الأدب والتراث العربي .. فاذا انا امام مثقف موسوعي ، وقارئ واسع الاطلاع وحاد الذاكرة ، ووجدت نفسي منطلقا معه على سجيتي .
دعاني لجلساتكم ، ترددت ، ثم لبيت الدعوة ، وما زال جلساء حازم هم أعز أصدقاء لي حتى اليوم . فوجئت من الجلسة الأولى ان حازم يشرب بشكل انتحاري ، ودون توقف .. أو ربما احساس الكاتب .. أو الشيطان الذي في نفسي أقنعني بأن وراء حازم واسلوب حياته ، وعزوبيته رغم تجاوزه الأربعين وقتها ، سر لا بد لي ان أصل اليه . ووقتها بدا حازم العمل معي .. كنت أقله صباحا بسيارتي ، واعيده مساء ، ونلتقي ليلا ..
كان يتهرب من الخوض في سره الكبير باسلوب الضحك وحكاية النوادر مما زاد يقيني وجنوني ككاتب قصصي بأن أصل للحقيقة .. عرفت مسيرة حياته منذ النكبة ، هروبا من يافا الى نابلس ، وصولا الى الناصرة .. وتوقف الحديث في الناصرة ..
زوجتي ، من مدينة الرملة ، سألني حازم ببعض الحياء والتردد ان أستفسر من أهل زوجتي عن فتاة أمها تركية ( مثل أمه ) اسمها أمينة وتسكن الحي العربي ( الجيتو العربي كما يعرف حتى اليوم ) وهنا بدأت أفرد شباكي ، لأكتشف حازم الحقيقي – سيزيف الفلسطيني ..الرواية منشورة على الانترنت في مواقع مختلفة .. أترك للقراء متعة قراءتها .. وهي رواية راودتني لفترة 10 سنين قبل أن أنجح بوضع صيغتها ، وماعدا متطلبات اللعبة الروائية ، لم ألعب بالتفاصيل اطلاقا .. انها مأساة ميلودرامية ، ولكن الواقع الفلسطيني أشد ميلو درامية مما تكشفه الرواية.. ( يمكن قراءة الرواية على هذا الرابط: www.bettna.com/books/nbil.asp) . وهي تكشف مأساوية حياة الفلسطيني الابن المباشر للنكبة . لا شيء يكتمل في حياته ما دام الوطن أسيرا.
سؤال – لماذا يصر الكاتب نبيل عودة على اثارة المواضيع المسكوت عنها ، هذا من ناحية ، وينتقد- من ناحية أخرى- وبحدة تكاد تصل الى حد التهجم أحيانا، أغلب القضايا التي تجمع عليها الأحزاب السياسية العربية في اسرائيل.. ولماذا ؟
نبيل – الاجماع من أحزابنا بحد ذاته هو الذي يثير شكوكي ودوافعي لاعادة التفكير في المواضيع المتفق عليها أو المسكوت عنها باجماع نادر ، او المبعدة من ساحة النقاش والاجتهاد الحزبي . الاتفاق يجري في ظروف نفتقد فيها للحياة الحزبية النشطة . الحوار بين الأحزاب معدوم ، رغم تعدد واختلاف مفاهيمها وأهدافها وخطاباتها. الحياة الفكرية والتنظيمية داخل الأحزاب متجمدة . هناك قطيعة ، بل وعداء ظاهر بين ما هو ثقافي وسياسي . هذا ينعكس سلبيا على واقعنا الاجتماعي ، على تطورنا الفكري ، على نهج سياسات الأحزاب.على الخطاب السياسي العربي في اسرائيل . وبالتالي ينعكس سلبا على حياتنا الثقافية والاجتماعية .
استطيع القول ان الأحزاب هي الغائب الكبير عن الفعل الاجتماعي . نشاهد نشاطهم التلفزيوني . يغرقوننا ببيانات وتصريحات نشاطاتهم البرلمانية ، في الحياة اليومية للجماهير العربية هم غائبون الا ما ندر، ما زلنا نتندر على بعض قادتنا بأنهم ” وصلوا البلاد في زيارة عاجلة .. “. القضايا المطلبية للمواطنين العرب في اسرائيل لا تحتل الحيز الضروري وبالشكل اللائق على أجندتهم. ويتميز نشاطهم اذا تحركوا بالارتجالية والدعائية ، وكأن المسألة الاساسية تذكيرنا بوجودهم وبأنهم قباطنة سفيتنا في البحر الهائج ، والذين بدونهم مصيرنا الغرق ..
سياساتهم باتت تشكل عالة على الجماهير العربية في اسرائيل ، وانا أقول ذلك أيضا اعتمادا على استطلاعات عديدة للرأي أظهرت فجوة هائلة بين نضالات الأحزاب وموقف الجمهور ، وأبرز مثال على ذلك موضوع “الخدمة المدنية التطوعية ” حيث تبين من استطلاع للراي قام به بروفسور سامي سموحة والدكتور نهاد علي من جامعة حيفا ،ان 75% من المواطنين العرب مع فكرة الخدمة المدنية التطوعية ، ونبين ما هو مؤلم أكثر من أن أكثر من 60% من العرب في اسرائيل لم يسمعوا عن الموضوع ، رغم ان حولة اجماع حزبي وضجة حزبية سياسية . المضحك انهم يصرون ان الخدمة المدنية هي باب للخدمة العسكرية ، وهذا كذب رخيص ويناقض بنود المشروع ، يكفي انها تطرح كخدمة تطوعية ، أي غير مفروضة ، ومن معلوماتي أعرف ان وزارة المالية شطبت بندا يلزم الدولة بتوفير الخدمة المدنية لكل من يطلبها لأن الخدمة تكلف صندوق الدولة مصروفات هائلة ، مثل معاشات اثناء الخدمة ، وهبات بعد الخدمة ، ودعم في التعليم الجامعي ، وهبات جدية في الحصول على تخفيضات لشراء مسكن أو البدء بمشروع اقتصادي، وغير ذلك من التسهيلات المادية والادارية ، اذا كنا نطالب بصدق بالمساواة فهذا جزء من المساواة ، وليس من الواجبات .
المضحك ان أعضاء كنيست ورؤساء سلطات محلية بأحاديث مغلقة بما فيها أحاديث معي شخصيا ، يقرون بأهمية الخدمة المدنية لمجتمعهم ومؤسساته البلدية والتعليمية والصحية والبيئية والأمان على الطرق للطلاب ، ولكنهم في اطار لجنة المتابعة العربية العليا ، موقفهم مع ” الاجماع “، غير انهم يقدمون تسهيلات في بلداتهم للمتطوعين في الخدمة المدنية . هذا الجبن السياسي لا يعجبني وأراه أخطر من مواقف الرفض السياسي التقليدي السائد في الخطاب السياسي للأحزاب العربية من الحائط حتى الحائط.
سؤال – هل تعتقد أنك بتفجيرك للمواضيع والقضايا التي تكتب عنها ، ستصحح من مسار حركتنا السياسية والثقافية ؟ .. ثم ألا ترى معي ، ومن خلال ردود الفعل التي نلاحظها ، أن هذا الطرح ، يعطي عكس ذلك؟
نبيل – ردود الفعل ، وبعضها عنيف ويحمل لهجة التهديد والتشهير ، هي نتيجة طبيعية لقلق الأحزاب من الرأي الآخر المغاير والمنتقد بمعرفة وبلا تردد لخلطتهم السياسية ، وللمستوى السياسي والثقافي المتدني لاسلوب الأحزاب في التعامل مع الحوار السياسي والتعددية الفكرية والثقافية.
حتى في الساحة الثقافية نجدهم منغلقين … ان عدم وضوح برنامج ثقافي قابل للتنفيذ في برامجهم الحزبية ، يقودنا الى مرحلة من السنوات العجاف ثقافيا ، هذا أيضا مرتبط بتضعضع مجتمعنا المدني نتيجة عودة ظاهرة العائلية بقوة كبيرة ، وتعمق تفسخنا الطائفي البغيض ، والواقع ان أحزابنا والكثير من المثقفين غائبين عن الوقوف لصد هذه الظواهر المدمرة..
بالطبع هناك اسباب ذاتية أيضا منها الفهم الممتاز لأهمية الثقافة الذي ميز سياسة الحزب الشيوعي وقيادته الطلائعية بعد النكبة عام 1948 ، والذي كان له الفضل في الحفاظ على الهوية القومية والانتماء الحضاري واللغة العربية للأقلية العربية الباقية في وطنها ، الى جانب اعادة اللبنة التي تجمعها كشعب ، وفتح الآفاق نحو انطلاقة ثقافية وتعليمية أكاديمية ، رغم كل الشروط الصعبة وشبه المستحيلة التي واجهت هذا المشروع النضالي غير العادي .
اذكر فقط ان صحافة الحزب الشيوعي ونوادية تحولت الى جامعة ثقافية وسياسية وفكرية . في تلك الفترة ( 1950) صدرت مجلة “الجديد ” التي تعتبر بلا منازع أهم مجلة ثقافية صدرت في العالم العربي كله ، ليس لكونها نجحت باختراق سياسة الحصار الاسرائيلي الارهابي والثقافي والفكري على الأقلية العربية في أحلك فترة من تاريخها. انما بمضمونها أيضا. أين نحن اليوم من ذلك التاريخ النضالي ؟ أين نحن اليوم من ذلك الفهم العبقري لأهمية الثقافة في الفعل السياسي والاجتماعي؟
ليس بالصدفة ان مجلة الجديد أغلقت . هل انجزت مهمتها وجاء يومها السابع لتستريح؟
هل في الابداع والفعل الثقافي والفكري حالة من الاكتمال؟
نفتقد اليوم لمجلات ثقافية ، واذا وجدت تفتقد للعمود الفقري وللرؤية الثقافية ، وتكاد تكون تجميع وتلصيق بدون معايير ومضامين ورؤية عامة . حتى بتنا نفتقد لزوايا ثقافية تستحق صفة ثقافة في صحافتنا التي كثرت وخوت من المضامين .
تفجير هذه المواضيع ، يسلط الانتباه .. ويجب ان أقول اني أجد اذنا صاغية لدى أوساط مثقفة واسعة ، بعضهم يحسدني على ما يسميه جرأتي ، وبعضهم يؤيد علنا مواقفي ..
المسألة ليست جرأة .. انما رؤية شخصية واقتناع بأن الانسان لا يستحق صفة مثقف ، وصاحب دور اجتماعي وسياسي ، اذا اتبع اسلوب المواراة والتضليل والتهريج .. وهو ما يسود للأسف حياتنا السياسية وينعكس بسوء مؤذ على واقعنا الثقافي والاجتماعي .
سؤال – كيف تقيم الحركة الأدبية اليوم في العالم العربي ، وكيف تراها على ساحتنا المحلية؟
نبيل – الانتاج الابداعي في العالم العربي يشهد نهضة مباركة ، خاصة في الرواية ، في النقد توجد اشكاليات مختلفة ، واعتقد ان النقد اليوم في تراجع .. المشكلة تتعلق ليس بوجود نقد أدبي ، انما بغياب فكر فلسفي عربي يرسي فكرا نقديا ثقافيا اجتماعيا وسياسيا . النقد الأدبي حسب رؤيتي هو زاوية صغيرة من الفكر النقدي. هذا يبرز أيضا بغياب حركة ثقافية قادرة على التأثير على المجتمعات العربية ، صوت المثقفين هو آخر الأصوات المسموعة حول الواقع المأساوي للمجتمعات العربية . ايضا لا يمكن تجاهل نسبة الأمية المرتفعة جدا .. ونسبة البطالة والفقر المدقع لنسب كبيرة من السكان ، وعلى رأسها المشاكل بالغة الخطورة على المستقبل العربي ، واقع المرأة المأساوي ، المحرومة من معظم الحقوق الأولية ، يكفي نسبة الأمية الرهيبة بين النساء ، هل سنبني مجتمعات عربية حضارية بعقل علمي ونقدي ، في ظروف أطفال يولدون في أحضان الأمية والجهل والبطالة والاستبداد؟ كذلك واقع التخلف العلمي والتكنلوجي للدول العربية ، وتخلف الأبحاث والتطوير الاقتصادي والزراعي ، وتخلف الخدمات الصحية ، كلها حالات مؤثرة .
بالطبع هناك مثقفون عرب .. للأسف أكثريتهم ، وأبرزهم .. يعيشون وينشطون في المهجر حيث يمارسون حريتهم الفكرية ، وهذا غير متوفر لهم في أوطانهم . ولكن المأساة الأكبر ليس غياب الفكر والمفكرين ، بل غياب القارئ العربي القادر على التفاعل .وهذه هي المشكلة الحضارية التي تواجه المستقبل العربي . من المضحك والمبكي في الواقع العربي ، واقع سيطرة الجهالة والغيبيات ، ان شيخ جاهل يؤثر على عشرات الاف الناس بغيبياته ، بينما مثقف ومفكر وسياسي غير قادر على ترك تأثيره بفكرة العلمي ومنطقه الثقافي على مجموعة صغيرة من السكان .
في الجواب السابق أعطيت رؤيتي للحركة الأدبية على ساحتنا المحلية ، وأضيف ان مجتمعنا يواجه تراجعا وليس تقدما بكل ما يتعلق بواقع المرأة ، هذا جزء من التراجع على الساحة الأدبية والفكرية أيضا ، وهذا ينعكس سلبا على مجمل حياتنا الاجتماعية والثقافية … بل وعلى نهجنا السياسي الذي تحدثت عنه في الجواب السابق أيضا.
سؤال – الا تعتقد ان توزيع الكاتب لجهده على ساحتين واسعتين ، مثل ساحة الثقافة وساحة السياسة، تشكل واحدة على حساب الأخرى ابداعيا أنت بالذات كيف ترى ؟
نبيل – الجواب السريع والتلقائي نعم .. يشكل توسيع الجهد على ساحتين اضرار بالواحدة على حساب الأخرى.
ليس باستطاعتي رصد هذا التأثير ومدى سلبيته .. على المستوى الشخصي على الأقل ، والمسألة لا تجري بهذه السهولة التي تبدو من السؤال.صحيح اني متورط بالسياسة حتى أذني ، ومنذ بداية وعيي الأولي . والسياسة لم تكن خياري .. ولكن مسؤوليتي كمثقف ، لشعب يواجه قضايا مصيرية ، على الصعيد المحلي الداخلي وعلى الساحة الدولية والعربية ، لم تترك لي خيارا آخر ..ان أي خيار يلتزم بالابداع الأدبي فقط ، من وجهة نظري ،هو خيانة للمثقف العضوي المتفاعل مع مجتمعه ، خيانة على جميع المستويات ، الثقافية والسياسية والاجتماعية والفكرية. والمثقف الذي يظن ان ابداعه الأدبي هو مساحة حياته ، هو غبي ومدع للثقافة ، وهذا يبرز في ما يسمونه “ابداعهم ألأدبي” .. على الأغلب غيبيات تحت اسم الشعر ، أو كتابات نثرية غير ناضجة ، أو نقد يفتقد ليس فقط لأبسط المفاهيم النقدية ، انما لأبسط المفاهيم الثقافية واللغوية الأبداعية.
ان تكون مثقفا هذه مسؤولية أيضا ، ولا تكتمل ثقافة المثقف اذا اختار الانعزال عن قضايا مجتمعه . قد يستطيع حقا التعبير عنها ابداعيا .. ولكن في مثل حالتنا السياسية المركبة والمعقدة والمأساوية لا بد من المباشرة أيضا .
انا شخصيا لا أرى ان للمثقف الحقيقي الحق بالابتعاد عن الخوض بالقضايا السياسية الملحة ، على ان يكون قادرا على التفكير المستقل والبعيد عن الببغاوية والشعاراتية التي تميز جميع دعاة الأحزاب وشريحة واسعة من كتابات بعض الهواة .. الذين يتوهمون ان طرح الشعارات الحماسية دون تفكير متزن ، ودون عقلانية وواقعية قكرية وسياسية ، ترفع من قيمتهم ، وللأسف الاحظ ان مثل هذه الكتابات لها مساحة واسعة على مواقع الانترنت ، بينما الكتابات المسؤولة ، وغير المريحة للعواطف العربية ، لا تجد نفس الترحيب. بالطبع هناك مواقع مسؤولة ، ويشكل النشر بالنسبة لها مسؤولية أولا ، وليس تعبئة فراغات وتهريج سياسي ضرره عظيم . ولكن الظاهرة الجيدة ان مساحة حرية الرأي في مواقع الأنترنت هي مساحة واسعة …ليتها تحظى بنفس الحرية في الصحافة العربية المطبوعة داخل اسرائيل وفي العالم العربي .
سؤال – هل تريد القول ان الصحافة العربية في اسرائيل تفتقد للتعددية الفكرية …؟
نبيل – هذا هو الواقع .. للأسف تكاد تكون كلها بوق واحد . انها لا تختلف عن الصحافة الحزبية التي ترى مهمتها مديح الذات ومديح القيادات وتسجيل أقوالهم في الاستنكار والادانة ، والرفض ، عدا الانغلاق الفكري والثقافي .
كنت قد القيت كلمة في مؤتمر هرتسليا الأخير.. فوجئت ان معظم الصحف العربية الحزبية والمستقلة ، نشرت خبرا مشوها وكاذبا عن مضمون كلمتي ، استقوه من مصدر واحد هو موقع الجبهة ( الحزب الشيوعي ) . المنطق الصحفي ان ترسل الصحف مراسليها ، على الأقل ، لتغطية موضوع تناول قضية تتعلق بالعرب في اسرائيل تطرح في أهم مؤتمر يعقد في اسرائيل ويؤثر على مجمل سياسة الدولة. . وان تجري تغطيته بشكل مهني . أو على الأقل أن يتصلوا لأخذ الموقف الحقيقي قبل النشر المشوه والكاذب والتحريضي مع سبق الأصرار .وكان بأمكانهم أن يستمعوا لجميع أبحاث المؤتمر ولكلمات المتحدثين ، بما في ذلك كلمتي ، عبر موقع الأنترنت لمؤتمر هرتسليا.
ولكنهم مخلصون لنهجهم المنغلق والغوغائي والمواقف المسبقة . فهل يتوقع أحد ان تتطور ثقافة في مثل هذه الصحف ؟ هل تتوقع ان يتطور فكر سياسي عقلاني وواقعي في مثل هذه الصحف؟ كثرت الصحافة فعلا ، وقلت مساحة المنطق والتعددية في صحافتنا، رغم اتساع مساحة الحرية التي نتمتع بها في اسرائيل .
سؤال – هل تلجأ الى كتابة الأدب مثل القصة والمسرحية عندما لا تسطيع ان تقول ما تريد من خلال المقالة السياسية ؟
نبيل – مساحة الحرية التي نحظى بها واسعة جدا .. لا أقول هذا مديحا للنظام العنصري في اسرائيل ، انما هي حقيقة .. ولكن الحرية هي مسؤولية أيضا ، وضمن هذا الاطار أقول ما اريد وبالشكل الذي أختاره . وربما مشكلتي ليست مع النظام بقدر ما هي مع أصحاب المفاهيم الغيبية في مجتمعنا .
الأدب والابداع الأدبي يفترض أجواء وشروطا .. صحيح ان الكتابة السياسية والفكرية تحرمني من التفرغ للكتابة الابداعية – الأدبية . الموضوع لا يجري في الواقع بمثل هذا الوضوح والتقسيم ، الكتابة هي طاقة ، عندما أجد نفسي مدفوعا للتعبير عن موقف ما ، طارئ ، أجد ان الكتابة السياسية أو الثقافية العامة ، أكثر يسرا ، الأدب يحتاج الى وقت لتختمر الفكرة ، وماذا أفعل اذا كان وقتنا الفلسطيني والعربي بمثل هذا الالحاح والتسارع؟
لدي أفكار تراودني منذ سنوات لعمل روائي جديد، ولكني لا أجد نفسي جاهزا للتفرغ من أعصابي ومن متابعاتي السياسية ، لا أعرف ، ربما أجد نفسي بلا مقدمات غارقا في الكتابة الابداعية ، أحدى الروايات راودتني لفترة عشر سنوات ( حازم يعود هذا المساء ) ، كتبت ومزقت ، وامتنعت عن بدء كتابتها ، حتى اسيقظت باكرا في صباح أحد الأيام ، وبدون وعي وجدت نفسي غارقا في صياغة النص .. وأنجزتها بجلسة واحدة استغرقتني اليوم كله ، قبل ان أبدا بتطوير النص والاضافة والتغيير …
لا أستطيع ولا أجلس لأكتب عملا ابداعيا بناء على قرار مسبق اتخذه بوعي كامل . وواضح ان انشغالي بالكتابة السياسية هو تفريغ لطاقة ابداعية في التفكير ، ولا أكتب لأكرر شعارات بلا معنى ، بل لأقول موقفا مدروسا ، وبعد نقاش مع زملاء أحترم آراءهم وخبراتهم ورؤيتهم الفكرية ، بعض ما اريد قوله يدخلني أحيانا بصراع ذاتي بين ان أقول فقط ما يحب ان يسمعه القارئ العربي ، وبين الالتزام بالحقائق مهما كانت مؤلمة للاذن العربية .
مثلا أديب عربي أحترمه ، ضايقه ان أصف النظام في اسرائيل بأنه ليبرالي دمقرطي ، فكتب لي غاضبا ” لتتمتع بالنظام الاسرائيلي ” ، ومع ذلك هذه هي الحقيقة المؤلمة للعالم العربي ، الدولة المعتدية ، والمغتصبة للوطن الفلسطيني ولأراضي عربية أخرى ، والتي ترتكب جرائم ضد شعبنا الفلسطيني والشعوب العربية ، جرائم التطهير العرقي والتمييز العنصري ، تتمتع بنظام دمقراطي ليبرالي ، ومؤسسات دولة مستقلة ، ومساحة حرية واسعة للعرب الفلسطينيين مواطنيها ، وتشملهم بنظام تأميناتها الاجتماعية والصحية والتعليمية والقانونية المختلفة رغم مظاهر التمييز المؤلمة المختلفة ، بما في ذلك سكان القدس الشرقية التي منحتهم الهوية الاسرائيلية تحت قرصنة ضم القدس ، والمستهجن ان نعرف ان حملة الهوية الاسرائيلية من سكان القدس العربية المحتلة يرفضون التخلي عن الهوية الاسرائيلية ، وبعضهم يقولون بوضوح انهم ضد العودة للسلطة الفلسطينية . والكثير من قضايا المحاكم في القدس هي لعرب من القدس وضواحيها يطالبون بالهوية الاسرائيلية . والمضحك ان أكبر نسبة دفع لضرائب البلدية ( الأرنونا ) بين العرب هي لسكان القدس المحتلة ، وهما منهم ان الأرنونا هي الضمانة لهويتهم الاسرائيلية.
مواقفي تجر علي غضب أحزابنا المصونة ، وبعض المسيسين العرب ، ولكنها تحظى بترحيب واسع من القراء ، هنا في اسرائيل وفي العالم العربي أيضا من قراء يريدون الحقائق مهما كانت غير متوقعة. وهذا ما يهمني .
سؤال – نلاحظ انك لا تولي اللغة اهتماما كافيا في كتاباتك ، من حيث القواعد والصرف والنحو. مما يعطي الحجة لبعض منتقديك ان يجعلوا من هذه الأخطاء حجر الأساس للهروب من مناقشة طروحاتك ، ما هو ردك؟
نبيل – أنا أعشق اللغة العربية ، وقدراتي التعبيرية والصياغية في اللغة العربية حدودها السماء . رغم ان دراستي للغة العربية واجهت اشكالية ، اذا بدأت الدراسة في فترة ” تنظيف ” جهاز التعليم العربي من المعلمين الوطنيين والمخلصين وسيادة جو الرعب في جهاز التعليم ، بفترة الحكم العسكري الاضطهادي والذي لا بد من ملاحقة السلطة حول جرائمه .
معلمي للغة العربية في الابتدائية كان لا يعرف قواعد اللغة وغير قادر على شرح الدروس بشكل يسهل علينا كطلاب فهم القواعد . كنت أفضل الطلاب في كتابة الانشاء والقصص مثلا .. وأفضل الطلاب في القراءة السليمة ، ولم احتاج كتاب القراءة المدرسي التافه والمتخلف في نصوصه ، والذي وضع باشراف الحكم العسكري في وقته بهدف التجهيل بلغتنا الأم أيضا ، لأني تعلمت القراءة وانا في الصف الثالث على صفحات جريدة “الاتحاد ” الشيوعية ، وانطلقت لقراءة أكثر اتساعا في مجلة “الجديد” الثقافية ، وكنت القارئ المواظب على قراءة الابداع الأدبي العربي لأهم أسماء أدبية في العالم العربي وبمعدل كتابين كل اسبوع . ونشرت قصتي الأولى في مجلة “الجديد” وانا في الصف الثامن ، ثم انتقلت في دراستي الثانوية لمدرسة عبرية بالأساس ، كذلك لدراسة الهندسة في معهد التخنيون بالعبرية ، قبل ان أقرر الالتحاق بالعلوم السياسية الحزبية في الاتحاد السوفييتي .
هذا خلق مشكلة قواعد وليس مشكلة لغة .. لو كان في صحافتنا محررين لغويين لما شكلت هذا الأخطاء البسيطة والقليلة موضوعا كثر منتقدوه ، رغم انهم أعجز من مجاراتي بقدراتي على الصياغة الواضحة والدقيقة والابداعية .. والأهم فقرهم الفكري أمام آفاقي الفكرية المتسعة باضطراد . أيضا هذا جانب من مشكلة لغتنا وتطويرها .
سؤال – لم أقرأ في مقالاتك الأدبية النقدية على غزارتها ، مقالا واحدا يعبر عن إعجابك بما يصدر عندنا من كتب أدبية.. هل ترى أن الجيد مفقود؟
نبيل – للأسف ليس لدينا تجاوز في الابداع أو المحافظة على الأقل ، لما كان في سنوات الستين والسبعين ، والعكس هو الصحيح ، نحن في مرحلة ضمور ابداعي وتصلب في شرايين الابداع ، وفوضى ابداعية في المستوى والنشر .. وزاد الطين بلة ، دخول جيل هرم وعاجز فكريا وابداعا ، يرى في الابداع تسلية وتعويض واستعادة مكانة اجتماعية وثقافية ، بعد فترة الصمت والتخاذل التي أخرستهم وحولتهم الى أشياء بلا دور ثقافي واجتماعي اثناء مزاولتهم التعليم ، لا الومهم على خوفهم ، حقا عانينا من حالة رعب في مراحل ما ، وتواصل خوفهم وصمتهم حتى عندما بدأت رياح الدمقراطية الواسعة تفرض نفسها على مدارسنا أيضا.. لا مشكلة شخصية لو رأيت في نصوصهم ما يستحق ان يسمى أدبا. الأدب ليس وقفا على جيل ما ، وليس حقا لمن واجهوا البطش السياسي في أحلك فترة تاريخية ، ولكن عندما تتلخص كل اضافاتهم باغراق أدبنا بالمزيد من التفاهة والتسلية الفارغة والعروض الشبيهة بمتسابقات الجمال ، حين لم نجد مسحة من الجمال فيما يعرضون ، فأنا كمثقف يحترم نفسه ، ويحترم دورة الاجتماعي والثقافي والسياسي ، لن أصمت امام هذه المهزلة – المذبحة للثقافة العربية في اسرائيل .
سؤال – هل تقليلك من شأن الحركات الثورية مثل حزب الله وحماس يعود الى تعاطفك مع وجهة النظر الاسرائيلية ، حسب ما تتهمك بعض الأوساط السياسية عندنا ، ام انك تريد توجيه المسار اليساري والشيوعي الى وجهة أخرى كما يلاحظ البعض ؟
نبيل – راديكالية حزب الله وحماس ليست من الثورية في شيء . الثورية هي احداث تغيير نحو الرقي الاجتماعي والدمقراطي والعلمي والحضاري بشكل عام ، وبالطبع رفع مكانة المرأة وتحريرها من القيود الظالمة ، ان مساواتها بالحقوق الاجتماعية والمدنية يشكل معيارا اساسيا على المستوى الاجتماعي والسياسي . هذه الأهداف ليست مطروحة.. حزب الله يطرح فكر ملالي قم وأطماع الدولة الفارسية وحلفائها العرب. وفي المفاهيم الاجتماعية رؤيته لا تتجاوز مفهوم الدولة الاسلامية ، ومضاعفة قمع النساء وتغييبهن عن المشاركة في الحياة العامة ، وهو نفس الواقع الرهيب في ايران (والعالم العربي) . والذي دفع نساء ومفكرين للهرب من ايران، بدل التعرض للسجن بنظام لا دمقراطي. وليس سرا ان مئات وربما الاف المثقفين الايرانيين والطلاب ومحاضري جامعات ، يملأون السجون الايرانية. والوهم ان القنبلة النووية الايرانية ستكون دعما للقضايا العربية، هو وهم خطير ، سيكلف العالم العربي المتخلف ، مزيدا من التخلف والخضوع للمشروع التاريخي الفارسي ، مشروع السيطرة على بحر العرب والشرق الأوسط. وحزب الله هو ذراع لبسط الهيمنة الايرانية .
حماس أثبتت ان مفهايمها الدمقراطية لها اتجاه واحد ، الوصول الى السلطة ، بعدها تنتهي ضرورة الدمقراطية ويحل محلها حكم الفقيه ، وما قامت به من انقلاب ، هو طعن للنضال القومي الفلسطيني وتعريض الشرعية الفلسطينية الضعيفة اساسا للخطر والضياع .
هذا ليس دفاعا عن فساد السلطة الفلسطينية ، ولكن هناك أولويات ممنوع التهاون بها ، وأهمها عدم المزاودة على الشرعية الفلسطينية ، ودعمها في مواجهة سياسات حكومات اسرائيل .
ليس سرا ان اليسار العربي بما فيه الشيوعي يواجه أزمة . ولكنه موضوع يحتاج الى مداخلة طويلة ، وأكتفي بالقول ان فقدان بعض الأحزاب الشيوعية واليسارية لبوصلتها الفكرية ، وتجندها وراء حزب اصولي ( حزب الله مثلا ) هو سقوط سيكلف اليسار العربي ضياع جهد بناء فكري وثقافي وسياسي واخلاقي لن يعوضه نشاط عشرات السنين . وقد يكون خطا كارثي .
ان اغتيال زعيم شيوعي مثل جورج حاوي ، ارسى للمقاومة الوطنية اللبنانية ضد احتلال اسرائيل الطريق ، قبل ان تغيب وتقمع بقرار الاحتلال السوري ، وجعلها مقاومة اسلامية لحزب الله ، هو الاشارة التي يجب ان تنبه للخطر الذي يواجه ليس لبنان الدولة والنظام الأكثر دمقراطية في العالم العربي ، انما مستقبل العالم العربي مع استمرار المشروع النووي الايراني ، والمشروع الفارسي التاريخي للسيطرة على الخليج والعراق والمنطقة العربية.
كلماتي لا تطرب الكثير من الآذان العربية ، وبعض من يعيشون بوهم “النصر الالهي” ، ويتعامون عن رؤية المأساة الحقيقة لهذا “النصر” عل واقع لبنان وشعب لبنان ومستقبل لبنان .
ويتوهمون ان اسرائيل باتت عاجزة امام حزب الله وملالي قم . التجربة علمتنا ان لا نغرق ، ليس بكأس ماء ، بل ببحر هائج أيضا.
لا شيء يمكن الاعتماد عليه في الواقع العربي . هذا استوعبه الشعب الفلسطيني بثمن مؤلم . وأرجو ان لا تدفع الشعوب العربية ما هو أكثر من الثمن المؤلم الذي دفعه شعبنا الفلسطيني .
سؤال – نبيل عودة يرى نفسه في السياسة أكثر أم في الأدب ؟
نبيل – لا ارى السياسة الا من باب الأدب ، ولا أرى الأدب الا من باب السياسة ، الثقافة بمفهومها العام هي كل ما ينتجه المجتمع من خيرات مادية ، هناك انتاج روحي ونعرفة بالأدب ( شعر او نثر ) وهناك انتاج الخيرات المادية الاجتماعية من بضائع ومنجزات وعلوم وتطويرمرافق الحياة وواضح ان السياسة في جذور الثقافة بوجهيها الروحي والمادي.
في الفكر الغربي يقصدون بالثقافة الابداع الأدبي فقط ، ويرمزون للابداع المادي للخيرات الاجتماعية باصطلاح “الحضارة” .
لذلك التزاما بعروبتي ولغتي أنا مندمج تماما بالثقافة .
سؤال – رغم أهتمامك بالسياسة ومتابعتك لمجرياتها على المستوى الكتابي بشكل خاص .. إلا انك لغاية اليوم لم تصدر كتابا واحدا في هذا المجال .. ما هو السبب؟
نبيل – لست متحمسا حتى لاصدار كتبي الثقافية ، وضع التسويق والقراءة لا يشجع ، الى جانب ان دور النشر تستغلك وتريد الحصول على ارباحها من جيبك قبل ان تقرر طباعة كتاب لك . وكانت لي تجربة مريرة جدا مع دار نشر معروفة ، دفعت حصتي من ثمن طباعة ثلاث كتب ثم لم تطبع أي كتاب ولم يرجعوا لي ما دفعته . والأمر الآخر انا غير مستعد لطباعة كتاب وتحمل مسؤولية توزيعه – أي التحول الى ناشر وتاجر.
سؤال – ما هي مشاريك للمستقبل؟
نبيل – المشاريع كثيرة ، أهمها ألأن العودة للصحافة المطبوعة لأتابع تجربة فريدة بدأتها في صحيفة “الأهالي ” حيث عملت نائبا لرئيس التحرير ( المفكر والشاعر سالم جبران) والتي استمرت لثلاث سنوات أحدثنا فيها ثورة صحفية وفكرية غير مسبوقة في الاعلام العربي المحلي ، وما كان لها ان تستمر نتيجة الضغوطات السياسية والاقتصادية التي واجهها صاحب الجريدة .
على المستوى الشخصي أحلم بكتابة عمل روائي جديد ، تراودني فكرته منذ سنوات .. ربما يبدأ ذلك ، كالعادة ، فجأة وبلا تخطيط وبلا سابق انذار .
نقلاً عن
موقع ” الموقد”
ّنبيل عودة: لا يستحق صفة مثفق من يتبع أسلوب المواراة والتضليلالاستاذ نبيل تحيه و بعد : سعيد لسماعي صوت يغرد خارج سرب الهلاك العربي الإنتحاري من يساره المزعوم الى يمينه الناصع البياض . لا يختلف العرب كثيراً داخل اسرائيل عن العرب في بلدان الضياع الفكري و التخلف الحضاري’ لقد اعتاد العرب عند المصاعب النكوص الى الخلف ليس للإستعداد للمواجه بل للتقوقع و لغرس الرأس عميقاً في الرمل. للاسف اضاع العرب كل امكانياتهم الفرديه الجبارة امام عقليه الجماعه. اني حزين للدرك الاسفل الذي وصلنا اليه. وكم كنت حزين اثناء وجودي في اسرائيل للواقع المتخلف الذي يعيش فيه العرب’ ارجو ان تستوعبني… قراءة المزيد ..