يصادف اليوم “يوم القدس العالمي” الذي اعلنته القيادة الايرانية يوما لنصرة القدس في يوم الجمعة الاخير في شهر رمضان من كل عام. ومنذ نحو ثلاثة عقود يقيم حزب الله في هذا اليوم مسيرات واحتفالات لاحياء هذه المناسبة، يطلق عبرها مواقف سياسية تجدد التزامه بهذه القضية التي تمتلك رمزية خاصة في وجدان المسلمين عموما والفلسطينيين منهم بشكل خاص. على ان هذه المناسبة التي اريد لها ان تكون جامعة لتطلعات المسلمين والاحرار في هذا العالم لاستنقاذ القدس وتحريرها من الاحتلال الاسرائيلي، لم تتحول الى مناسبة جامعة، بل دخلت في مسارب الصراعات السياسية وتعرضت للتشكيك في اهدافها فضلا عن مسارها طيلة السنين الماضية.
هذا العام بدا واضحا ان “يوم القدس” يدخل في حلبة الصراع السياسي والمذهبي في لبنان. فحزب الله الذي يرفع لواء القدس، تحول في نظر فئات واسعة على المستوى الفلسطيني واللبناني الى جهاز سياسي وامني ساع الى فرض حضوره ونفوذه في بعض المدن والمخيمات الفلسطينية عبر رفع هذا اللواء. وفي هذا السياق يبرز الاهتمام الذي يوليه حزب الله اليوم لتحركات شعبية وسياسية في طرابلس وصيدا على سبيل المثال لا الحصر. وهي تحركات بدت الغاية منها تعزيز نفوذه في هذه المساحات الديموغرافية السنية، في سياق التنافر القائم بين حزب الله وخصومه على الساحة السنية، وبدل ان يكون هذا اليوم مناسبة جامعة يسقط في حلبة تسجيل النقاط السياسية.
ولم يعد خافيا ان القوة بابعادها الامنية والعسكرية والمالية، هي القاعدة التي ينطلق من خلالها للتمدد سواء في الشارع الفلسطيني او في البيئة السنية التي باتت شديدة النفور منه لاسباب شتى. ولا تحول مناسبة يوم القدس للحد من هذا التنافر، بل بات ينظر اليها كذريعة يقصد منها المزيد من التطويع والتحكم السياسي. وعلى رغم الخيبة التي يعيشها المتطلعون الى استعادة القدس، حيال العجز العربي في مقاربة الحقوق الفلسطينية، فان الدور الذي مثله حزب الله ومن خلفه ايران في هذا المضمار لم يعطِ المثال والنموذج المرتجى لمقاربة هذه الخيبات من زاوية تجاوزها وليس ترسيخها.
في نظرالعديد من الفلسطينيين ومثلهم من اللبنانيين ان ايران استخدمت يوم القدس في سياق التدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي، وهم اذ يميزون بين تضامن الشعب الايراني مع قضية القدس والقضية الفلسطينية عموما وهو امر يحظى باحترام وتقدير الفلسطينيين، وبين مصادرة القرار السياسي الفلسطيني الوطني لصالح الدور الايراني ومصالحه. فايران بحسب هؤلاء سعت بكل قوتها لتجاوز المؤسسة الفلسطينية لحساب الامساك بمفاصل هذه القضية. ويعتبرون ان ايران لم تدعم المؤسسات الفلسطينية الشرعية، بل عملت على الاخلال بكل ما يساهم في صمود هذه المؤسسات واستمرارها لصالح بناء نفوذ خاص يدعم تحويل ايران كمركز للقضية الفلسطينية.
ففي خضم الانقسام في الساحة الفلسطينية كانت ايران عنصرا اساسيا في هذا الانقسام بحسب بعض التيارات الفلسطينية، فهي ساهمت وبقوة في بناء نفوذها على احكام القبضة على جزء من القرار الفلسطيني على حساب القرار الوطني الذي كان دائما هدفا من اهداف الدخول الايراني الى الساحة الفلسطينية. وتشير اوساط السلطة الفلسطينية الى ان تراجع النفوذ الايراني على حركة حماس اخيرا والذي ادى الى تراجع كبير في الدعم المالي للحركة بسبب التطورات المحيطة بخياراتها المستجدة في العالم العربي، ساهم في التقدم خطوات مهمة على صعيد توحيد الموقف الفلسطيني من قضية اعلان الدولة في الامم المتحدة رغم استمرار الانقسام بين حركتي فتح وحماس.
احياء يوم القدس هذا العام لا يعكس في مؤشراته اي تبدل في السياسة الايرانية على هذا الصعيد، بل يشكل مناسبة جديدة لاحياء الدور الايراني الساعي الى التأثير في القرار الفلسطيني وليس الى التضامن العفوي مع الشعب الفلسطيني ومؤسساته الشرعية. حزب الله من الزاوية نفسها يستكمل بحسب هذه الاوساط مسار التدخل السياسي الذي يهدف من خلاله الى الامساك بمسار القضية الفلسطينية في لبنان وجعل العنوان الفلسطيني ورقة للاستخدام الداخلي سواء على مستوى المخيمات الفلسطينية كما كان حال الدور السوري بعد العام 1982 حتى العام 2005، او على المستوى اللبناني في محاولة لاستخدام الوجود الفلسطيني في لعبة الاوزان الداخلية اللبنانية… كما تبدو القدس وكأنها لواء يرفع في محاولة للتوازن مع الثورات العربية التي باغتت الكثيرين واربكتهم وفي مقدمهم ايران وحزب الله.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد