من الواضح أن الثوار السوريين استلهموا نموذج “عملية طرابلس وباب العزيزية” في “بركان دمشق”! والأرجح ان يسجّل التاريخ أن “بركان دمشق” كانت بداية نهاية نظام الأسد. القذافي فرّ إلى مسقط رأسه بعد سقوط “باب العزيزية”، فهل يكرّرها بشّار الأسد؟
الشفاف
*
(رويترز) – حين هبط الظلام على مدينة دمشق في 14 يوليو تموز لم يكن لدى السكان البالغ عددهم 1.7 مليون نسمة أدنى فكرة عن ان معركة شاملة لاقتناص المدينة من قبضة الرئيس السوري بشار الاسد على وشك ان تبدأ.
وأعطت المعارضة اسما لهذه العملية يعكس آمالها في نجاح هجوم مباغت على مدينة تعتبر منذ زمن طويل حصنا منيعا لاسرة الاسد.. الا وهو “بركان دمشق وزلزال سوريا.”
وقال العقيد قاسم سعد الدين وهو متحدث باسم القيادة المشتركة للجيش السوري الحر لرويترز بعد اندلاع القتال “لا تراجع. لقد بدأنا عملية تحرير دمشق.”
وأوشكت العملية – التي لاتزال قائمة – على الاطاحة بالاسد قبل اي شيء آخر في الانتفاضة المستمرة منذ 16 شهرا ضد حكمه.
وبحلول يوم الاحد وبعد اسبوع على بدئها تقهقرت قوات الاسد وركزت قوة نيرانها على المعارضة في دمشق وحلب ودير الزور ثالث المدن الاستراتيجية في الشرق واستعادة واحد من خمسة مواقع حدودية دولية كانت قوات المعارضة قد استولت عليها.
وقال سعد الدين ان الهجوم المنسق على معقل رجل كان ابوه يعرف باسم “أسد دمشق” كان يجري التخطيط له منذ زمن بعيد. وقال ان الهجوم يضم 2500 مقاتل كانوا قد تسللوا الى احياء الحي العتيق لدمشق قبل اسبوع.
وقال ضابط آخر من الجيش السوري الحر في تصريحات منفصلة إنه جرى اعادة نشر قوات المعارضة بعد سحبها من مواقع اخرى بالبلاد لهذه المهمة على وجه الخصوص.
وكانت اولى ضربات المعارضة على حي الحجر الاسود بجنوب دمشق اذ خاضت معارك مستمرة ضد القوات الحكومية التي اصابها الذهول بالقطع من هذه المفاجأة.
وفي اليوم التالي الموافق 15 يوليو بات مجال طموحات المعارضة أكثر وضوحا. ففي هذا اليوم الاحد مزق تفجير قوي حافلة في دمشق تقل افرادا من قوات الامن ما أدى الى اصابة كثيرين في حين انتشر القتال وامتد الى ثلاثة أحياء اخرى من المدينة.
ولجأ السكان من المتعاطفين مع المعارضة الى إحراق اطارات السيارات من أجل إلهاء القوات الحكومية فيما تدفقت المركبات الحكومية المدرعة على جنوب دمشق وسط انباء على اغلاق الطريق المؤدي الى المطار.
ووصف سكان من واحدة من اقدم مدن العالم المزدحمة القتال بانه الاشرس الذي تشهده العاصمة منذ بدء الانتفاضة في مدن الاقاليم في مارس آذار من العام الماضي.
ونجح الاسد – حتى الآن – وبدرجة كبيرة في حماية عاصمته وسكانها من عنف بالغ اطبق على بقية ارجاء البلاد فيما كان يقاتل لابقاء قبضة اسرته على السلطة التي تسيطر عليها منذ 42 عاما.
وحتى في الوقت الذي كانت فيه دباباته ومدفعيته تسحق مناطق من مدن اخرى استمرت حركة المرور في دمشق وظلت المتاجر والاسواق مفتوحة وواصل الطلبة دراستهم.
ولكن من انطلاق الادخنة السوداء في اجواء دمشق يوم الاحد الماضي مع دوي نيران الرشاشات الذي اختلط باصوات الانفجارات تبدد وهم عودة الامور الى طبيعتها.
وفي اليوم الثاني للعملية قال سكان حي الميدان بوسط دمشق إن منطقتهم صارت ساحة حرب مع انتشار القناصة على اسطح البنايات واستفحال القتال الضاري بين المعارضة والقوات الحكومية.
وانقطعت امدادات الكهرباء والمياه عن بعض الاحياء. وتفجرت مصادمات ضارية في منطقتي الزهراء والتضامن. ومع تصاعد وتيرة العنف قال نشطاء إن الدبابات تقصف شوارع المدينة وهي خطوة فسرها المحللون على ان الذعر بدأ يدب في اوصال الحكومة.
ولجأ مقاتلو المعارضة الى تكتيكات حرب العصابات التقليدية اذ احتموا بالأزقة الضيقة للمدينة وهم على يقين من ان المركبات المصفحة والدبابات ستعجز عن ملاحقتهم.
ولم تشمل تغطية التلفزيون الحكومي شيئا يذكر عما يدور من احداث واكتفى بالقول ان قوات الامن تطارد “مجموعات ارهابية” فرت الى مناطق من العاصمة.
وأظهرت لقطات الفيديو التي سجلها نشطاء من المعارضة رجالا يلبسون الجينز وهم يتحفزون خلف ازقة دمشق وحاراتها التي انتشرت بها سواتر من اكياس الرمال وهم يطلقون القذائف الصاروخية ونيران الرشاشات. وفي هذه المرحلة من يوم الاثنين قالت المعارضة ان القوات الحكومية بدأت تحاصرهم.
وتقول قوات المعارضة إنها بدأت في تعديل تكتيكاتها اذ باتت أكثر تنظيما وسرعة في الحركة مع العمل في مجموعات محدودة حتى تمثل هدفا اصغر للقوات الحكومية. وتحولت المعارضة بصورة متزايدة الى استخدام الشحنات الناسفة البدائية او المنزلية الصنع.
ورغم ان المؤيدين الاجانب يواصلون امداد المعارضة بسيل لا ينقطع من الاسلحة الصغيرةالتي يتم تهريبها الى داخل سوريا لايزال من غير الواضح كم او اتجاه المساندة التي تتلقاها المعارضة – ان وجدت اصلا – من أجهزة المخابرات الخارجية.
وفي اليوم الثالث من الهجوم الذي يوافق 17 يوليو تموز افادت انباء بان طائرات الهليكوبتر العسكرية الحكومية دخلت المعركة وقالت المعارضة إنها اسقطت احداها.
وقال نشطاء مناهضون للحكومة إن اشتباكات على هذه الدرجة من الشدة قريبة للغاية من معقل قوة الاسد اظهرت ان قبضته على السلطة بدأت تضعف.
وقال عماد معاذ وهو نشط من دمشق “عندما تصوب بنادقك نحو قلب دمشق وحي الميدان تكون قد خسرت المدينة.”
واظهرت لقطات فيديو واجهات المتاجر والمباني المتفحمة.
وقالت المخابرات العسكرية الاسرائيلية إن الاسد سارع باعادة نشر قواته العاملة قرب الحدود الاسرائيلية من جهة دمشق من اجل دعم قوة نيرانه.
اما اليوم الرابع من المعركة فهو يوم يمكن ان يظهر فيما بعد انه قد غير من دفة سير القتال. واندلعت المعارك في الصباح على مرأى من القصر الرئاسي وهو بنيان مهيب يقع على تلة حجرية تطل على المدينة.
وكان كبار القادة الذين يثق فيهم الاسد وفي مقدمتهم صهره آصف شوكت يعقدون اجتماع أزمة داخل مقر امني عندما مزق انفجار قنبلة غرفة الاجتماع. وقتل شوكت ووزير الدفاع وقائد رفيع.
وتوفي مدير المخابرات بعد يومين متأثرا بجروحه كما اصيب وزير الداخلية.
وأعلنت المعارضة المسؤولية في غمرة سعادتها وهي تفخر بانها قد انتزعت ما وصفته بانه “نقطة تحول في تاريخ سوريا” ووصفت الهجوم بانه “بداية النهاية.”
ولم يتضح ان كانت القنبلة قد فجرها مهاجم انتحاري او انه تم تفجيرها من على بعد بنفس الطريقة التي حاول بها كلاوس فون شتاوفنبرج اغتيال ادولف هتلر عام 1944 لكن محاولته باءت بالفشل.
الا ان الهجوم – الذي قضى على النخبة المختارة من المخططين العسكريين للاسد في قلب دمشق – منح المعارضة دفعة هائلة فيما وجه ضربة نفسية مدمرة للحكومة.
ولم يظهر الاسد الذي اصابه ذهول الصدمة على شاشة التلفزيون الحكومي حتى اليوم التالى. ولم يصدر الاسد اي بيان بشأن الهجوم حتى الآن وترك الامر للرئيس السابق لهيئة اركان القوات المسلحة الذي توعد برد سريع.
وراجت الشائعات بعد تضارب الانباء بشأن مكان وجود الاسد فيما قالت المعارضة إنه ترك العاصمة وتوجه الى الساحل.
ويقول دبلوماسي غربي ان من المعروف انه بعد الهجوم استدعى الرئيس السوري الجنرال روبرت مود رئيس بعثة الامم المتحدة للمراقبين الدوليين في سوريا ووعد بتطبيق خطة المنظمة الدولية للسلام اذا نجح الغرب في اقناع المعارضة بوقف هجماتها.
ولم يتسن الاتصال بمود او بالامين العام للامم المتحدة بان جي مون للتعليق.
وتوعدت السلطات السورية المعارضة بانها سترد الصاع صاعين وقالت انها ستقطع يد كل من يضر بأمن الوطن.
وبدأت القوات السورية تدير فوهات مدفعيتها المضادة للطائرات صوب المعارضة في المناطق المأهولة اذ صوبت نيرانها نحو المباني بدلا من ان توجهها نحو الطائرات. وظلت طائرات الهليكوبتر والمدفعية تقصف دمشق طوال يوم الأحد.
وهزت الانفجارات ايضا منطقة قريبة من قاعدة عسكرية مرهوبة الجانب يقودها ماهر شقيق الاسد فيما اشتعلت النيران في مركز للشرطة في حي الحجر الاسد.
ووصف وزير الاعلام السوري عمران الزعبي المعركة في دمشق بانها حاسمة لسوريا بأسرها وهو وصف استخدمه سيرجي لافروف وزير خارجية روسيا حامية الاسد الرئيسية على المسرح العالمي.
وللمرة الاولى عرض التلفزيون الحكومي السوري لقطات للقوات الحكومية وهي تتبادل اطلاق النار مع قوات المعارضة في وسط دمشق.
وقال سعد الدين المتحدث باسم الجيش السوري الحر “إنه البركان الذي نتحدث عنه لقد بدأنا لتونا.”
وفي اليوم الخامس قصفت طائرات الهليكوبتر العسكرية مواقع قوات المعارضة. وأمطرت بطاريات المدفعية المتمركزة في مناطق جبلية مطلة على دمشق حيين من العاصمة بوابل من القذائف.
واحرقت قوات المعارضة ونهبت مقر الشرطة الاقليمية في دمشق وهو مبنى ضخم وتحدث السكان عن تناثر الجثث في الشوارع.
وقال سكان كثيرون يخشون الخروج الى الشوارع إنهم لم يبرحوا منازلهم واغلقوها حرصا على سلامتهم فيما اغلقت معظم انشطة الاعمال ابوابها.
وبدا ان المواطنين العاديين هجروا المدينة التي كانت تغص شوارعها بهم ذات يوم. وقال مقيم قرب حي الميدان “جميع سكان الحي يسلحون انفسهم.”
واضاف “بعضهم بالرشاشات والبعض الآخر ببنادق الرش. والبعض الآخر حتى بالمدي.”
واندلع القتال قرب مقر الحكومة السورية وهو مبنى على الطراز السوفيتي الى جانب منطقة قرب مكتب رئيس الوزراء.
وبعيدا عن دمشق استولت قوات المعارضة على نقاط حدودية مع تركيا والعراق وهي المرة الاولى التي تسيطر فيها على مواقع على حدود سوريا.
ويوم الجمعة الذي يوافق اليوم السادس للعملية الهادفة “لتحرير” دمشق وأول ايام شهر رمضان منيت المعارضة بانتكاسة.
وتحت ستار كثيف من القصف اضطرت قوات المعارضة للانسحاب من حي الميدان بوسط دمشق.
وقال ابو عمر وهو احد قادة المعارضة بالتليفون “انه انسحاب تكتيكي. لانزال في دمشق.”
وفي مناطق أخرى من دمشق اشعلت عناصر المعارضة النار في ثكنات للجيش بعد حصار استمر يومين. وقالت مصادر من المعارضة إن المبنى كان يستخدم لتدريب ميليشيا الشبيحة المرهوبة الجانب الموالية للاسد.
ويوم السبت استجمعت القوات السورية قواها لشن هجوم مضاد. واقتحمت القوات السورية والمركبات المدرعة احد احياء حلب التي تسيطر عليها قوات المعارضة وتصدت للهجمات في دمشق.
وفي اليوم التالي – وبعد قصف في الصباح المبكر بطائرات الهليكوبتر – ازاحت القوات السورية المعارضة من منطقة المزة الدبلوماسية بالعاصمة وقال مقيمون ان قوات الجيش والميليشيا تدفقت لتشعل النار في البيوت وتعتقل السكان.
وفرت اعداد كبيرة من السكان وافادت انباء بان عشرات الالاف دخلوا لبنان المجاور.
وعند معبر المصنع الحدودي على الجانب اللبناني يمكن رصد اهالي دمشق وكثير منهم من عائلات ثرية في سياراتهم المكيفة الهواء وهم يشقون طريقهم عبر النقطة الحدودية.
وقال حراس حدود عراقيون إنه على الحدود مع العراق استعادت القوات السورية السيطرة على معبر من اثنين كانت قوات المعارضة قد استولت عليهما فيما قالت المعارضة في تركيا انها استولت على موقع ثالث هناك.
وقال العميد فايز عمرو وهو منشق عن الجيش السوري في تركيا لرويترز بالتليفون “الاستيلاء على معابر حدودية لا يكتسب اهمية استراتيجية لكن له أثرا نفسيا لانه يضعف من معنويات قوة الاسد.”
وقال “انه استعراض للتقدم بالنسبة الى الثوريين رغم تفوق قوة نيران قوات الاسد.”
وتشير تقديرات المعارضة الى ان 50 الفا من 280 الفا من قوات الجيش السوري قد انشقت عنه الا ان الجيش السوري الحر ربما يكون في حاجة الى مزيد من عمليات الانشقاق لاكتساب الخبرة والاسلحة اللازمة لتحقيق نصر نهائي.
وتعد ادارة الرئيس الامريكي باراك اوباما خططا احتياطية تحسبا لسقوط الاسد. وقالت صحيفة نيويورك تايمز إن واشنطن تتحدث الى اسرائيل بشأن احتمالات تأمين الاسلحة الكيماوية للاسد وهي من اكبر المخزونات من نوعها في العالم.
وقال المرصد السوري لحقوق الانسان إن 1261 شخصا قتلوا في سوريا منذ يوم الاحد الماضي عندما تصاعدت حدة القتال في دمشق منهم 299 من قوات الاسد مما يجعله ادمى اسبوع خلال الانتفاضة.
ومثل الاسد الجريح بدأ الرئيس السوري في شن اقوى رد على هجمات المعارضة الضارية على قاعدة حكمه.