سورية ليست كمصر أو ليبيا أو تونس، وليست مثل غيرها من الدول. هذا ما درج عليه البعض في محاولة الخروج من عقم الدفاع عن ديكتاتورية النظام السوري او تبرير طبيعته الامنية العسكرية. كذلك فالانصاف يقتضي القول ان نموذج النظام السوري الجمهوري –الحزبي– الامني– الوراثي– الفردي هو من آخر سلالات الانظمة التي تلفق بين نظام الجمهورية والوراثة.
وقد اعتقد النظام واهما، مستندا الى نجاحه في البقاء ممسكا بالسلطة منذ عقود، ان سرّ قوته هو سياسة الممانعة، لذا كان الرئيس بشار الاسد يعتقد، مع انفجار الثورة المصرية وقبلها التونسية في العام 2010، ان الممانعة السورية ضد اسرائيل هي سرّ ثقة الشعب بالنظامومصدر قوته. وكأنه يقول: مانع وافعل ما شئت، فللمانعة شعب يحميها.
في المبدأ كان يعتقد النظام، او هكذا بدا، ان شرعيته الشعبية تكمن في موقف “الممانعة” الاقليمي، ما يجعل من مطالب الاصلاح السياسي، والامني وحتى الاقتصادي، من القضايا غير الاساسية في اهتمامات الشعب السوري، والأمر الذي تغير خلال العام الماضي.
اولا، ظهر ان الشرعية الشعبية للنظام، التي روج لها في السنوات الماضية واعتقد بها، ليست واقعية، وان الشعب السوري انتفض على هذه المقولة التي تحولت من غاية مقنعة نسبياالى وسيلة للحكم وتأبيد حكم الفرد او العائلة وادواتها الامنية والسياسية والاجتماعية من دون تحقيق اي انجاز فعلي في مواجهة اسرائيل.
ثانيا ، جوهر الانتفاضة الاكثر تداولا بين الثوار والاعمق دلالة على ما يقوم به المنتفضون هو استعادة الكرامة. لانّ حجم الضريبة التي دفعها الشعب السوري في سبيل هذه الممانعة الملتبسة هو المزيد من الامعان في مصادرة الحقوق السياسية الفردية والانسانية.
ثالثا، اظهرت الانتفاضة السورية انها تجاوزت الخوف من الة القمع والقتل واسقطت في هذا الجانب العميق هيبة النظام الامني-السياسي واستمرت في تصعيد مطالبها كلما زاد النظام من وتيرة القتل والتدمير والاعتقال، واسقطت شرعية قوة التسلط العارية للنظام.
رابعا، كشفت الانتفاضة السورية بخصوصيتها النضالية، حجم الخداع الهائل الذي تقوم عليه معادلة السلطة-الممانعة ومدى ازدراء هذه السلطة الممانعة بارادة الشعب، وعدم ثقتها به. في الوقت الذي تحكم باسمه. لقد كشفت الانتفاضة السورية حقيقة ان انظمة الممانعة- الديكتاتورية، جاهزة باسم الممانعة لقتل الالاف من ابناء شعبها، في وقت تحرص اشد الحرص على دماء جنود عدو يحتل ارضها. هذا ما فعله النظام العراقي اثر انسحابه من الكويت في العام 1991انتقم من شعبه.
مأثرة الثوار السوريين بعد عام على انتفاضتهم، هي في اصرارهم على التمسك بحقهم بالحرية، فالحرية هنا هي بنت الكرامة التي جعلت السوريين يسقطون مقولة لا يزال البعض يروج لها عن قناعة او ضعف اخلاقي، “ان الشعب السوري لا يُحكم الا بالبطش والاستبداد هذا حالهم منذ زمن معاوية بن ابي سفيان”.
والبعض يستند الى الاحكام السلطانية بحجة ان فقه “الغلبة” هو سيرة أهل السنّة انطلاقا من انه فقه “سلطة”و”دولة”، فيما الفقه الشيعي هو فقه “المعارضة” ولم ينهمك فقهاؤه عموما بفقه الدولة والسلطة. لكنّ الصحيح أنّ الثورات الشيعية في التاريخ الاسلامي هي محل اعتداد واعتزاز لأنها كانت ثورات ضد الظلم، باعتبار ان التشيّع لم يكن مذهبا فقهيا، اي لم يكن في مقابل التسنّن، بل كان خيارا حاسما في وجه الظلم ايا كان مصدر هذا الظلم…
امام ما يجري في سورية اليوم ثمة ظلم متراكم وممأسس في السلطة، ظلم اثباتاته ووقائعه معلنة وواضحة، لا
شبهة فيها، ظلم مرفوض دينيا او انسانيا، ولا تكفيه مقولة الممانعة ولا المقاومة ولا سواهما لتغيير حقيقته…
الامام الحسين خرج على “امير المؤمنين وخليفة المسلمين يزيد بن معاوية” الذي كان يقاتل اعداء الدولة الاسلامية ويدافع عنها وينشر الاسلام والعقيدة (هذا كان خطاب السلطة انذاك في مواجهة الحسين). الحسين حينها قام على الخليفة رغم هذه الانجازات، قام عليه لأنه قاتل ومفسد في الارض. وهل هناك فساد اشد واقسى من الظلم؟
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد