كشفت إحدى وثائق «ويكيليكس»، التى تنشرها «المصري اليوم» حصريًا، عن مساعٍ لجماعة الإخوان المسلمين، لتعزيز نفوذها الثقافي والسياسي، ليس فقط داخل مصر وإنما خارجها أيضاً، حيث تظهر الوثائق استخدام الجماعة مؤسسات التعليم ودور العبادة فى بسط نفوذها داخل دول الخليج التي سافروا إليها واستقروا فيها هرباً من اضطهاد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر.
وجاءت مراسلة تحمل الرقم 05KUWAIT3266_a بتاريخ 25 يوليو 2005، من السفارة الأمريكية بالكويت لجهة مجهولة، لم يرد اسمها فى الوثيقة، تحت عنوان «القراءة والكتابة وتلاوة القرآن: تأثير الإسلاميين على نظام التعليم الكويتي»، واستهلت نصها بالتساؤل حول ما إذا كان لجماعة الإخوان المسلمين دور فى استشراء العنف بدولة الكويت؟
وتستعرض الوثيقة عدداً من التصريحات فى هذا الشأن، حيث ذكرت أن عدداً من الأكاديميين باتوا يصفون وزارة التعليم الكويتية بأنها «معقل الأيديولوجية السنية المتحفظة»، وتحديداً أيديولوجية الإخوان المسلمين، المسؤولة عن البرنامج الديني والنصوص المقررة، حتى بات البعض يعتقد أن الجماعة كان لها دور فى التطور التاريخي لمنظومة التعليم بالكويت.
ودللت الوثيقة على ذلك بما جاء على لسان الدكتور على الطراح، عميد كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت، الذي أدلى بتصريحاته لأحد مسؤولي الشؤون السياسية – لم تذكر الوثيقة اسمه- من أن جماعة الإخوان المسلمين تهيمن على وزارة التعليم ونقابة المعلمين بالكويت، واصفاً الوزارة بـ«وزارة الإخوان».
وتقول الوثيقة إنه «رغم ما هو معروف عن (الطراح) بانحيازه ضد الإخوان، وميله للتهويل والمبالغة على هذا الصعيد، فإن العديد من زملائه من الأكاديميين وأساتذة الجامعة، أكدوا صحة ما أشار إليه فى هذه النقطة تحديداً».
وتستعرض الوثيقة فى متنها أصل انتشار الإخوان بدول الخليج، حيث تشير إلى أنه خلال فترة الخمسينيات والستينيات، أطلق الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حملة ضد أفراد الجماعة، عقب محاولتها اغتياله عام 1954، وهي الحملة التي دفعت العديد من أفراد الجماعة للجوء إلى بلدان أخرى، وكانت المملكة العربية السعودية فى مقدمتها، بسبب الخلاف السعودي – المصري إبان تلك الفترة.
وترجع الوثيقة اضطراب العلاقات المصرية السعودية والخلاف والشقاق فى تلك الفترة، إلى إعلاء عبدالناصر جملة من المبادئ الثورية، والرؤى السياسية التي شملت القومية العربية، وعلمانية الدولة، فضلاً عن توطيد علاقته بالاتحاد السوفيتى، وتقول الوثيقة إن الإخوان استغلوا حالة العداء تلك، ولجأوا إلى المملكة العربية السعودية، التى احتوتهم واحتوت أفكارهم، وكذلك بعض دول الخليج التى استقبلتهم بحفاوة وترحاب، وعلى رأسها الكويت.
وفى هذا السياق، ورد فى الوثيقة تصريح على لسان أحمد الحطاب، العضو السابق بجماعة الإخوان المسلمين، يفيد بأن أفراد الجماعة لقوا معاملة طيبة فى بلدان الخليج بسبب اعتراضهم على سياسات عبدالناصر، وأنهم سرعان ما ترقوا فى مناصب التعليم الدينى، موضحاً أن التعليم الدينى فى الكويت يقوم بشكل رئيسي على الفكر الإخواني، بما فى ذلك أفكار حسن البنا، وسيد قطب، احيث قالت الوثيقة إن الكثيرين يعتبرونه «الأب الروحى للتطرف الإسلامى الحديث».
واستشهدت الوثيقة فى هذا الشأن بتصريح الشيخ «حجاج العجمي» أحد رجال الدعوة بالكويت، بأن انتشار التيارات الإسلامية المتشددة والمحافظة داخل المنظومة التعليمية ليس إلا جانباً وحيداً من صورة أكبر تضم مجموعة من المعضلات المجتمعية، وتضيف الوثيقة على لسانه: «إن الكويت، كحال المملكة العربية السعودية، حاولت عقب حادثة اقتحام المسجد الحرام عام 1979، أن تتغلب على التطرف بتبني سياسات أكثر تطرفاً، بإفساحها المجال للجماعات الإسلامية المحافظة والمتشددة لتفرض فكرها وأيديولوجيتها، وهي السياسات التى لم تُبلغ المملكة هدفها المنشود، بل أعجزتها عن التحكم فى التطرف ومناورته».
ثم انتقلت الوثيقة مرة أخرى إلى الحديث عن نجاح الجماعة فى التغلغل داخل المؤسسة التعليمية من أجل ترسيخ أيديولوجيتها ومنهجها الفكرى، حيث ذكرت الوثيقة تصريح «أحمد الربعي» أستاذ الفلسفة الإسلامية الذي قال إنه إبان توليه منصب وزير التعليم خلال منتصف التسعينيات، كانت الغالبية العظمى من المسؤولين فى الوزارة من المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين، وأكدت الوثيقة صحة تصريح «الربعي» بتصريح آخر على لسان «الحطاب» أفاد فيه بوجود مجلس داخل وزارة التعليم، يتألف فى معظمه من الإخوان، هو الذى يحدد المقرر الدراسى الدينى.
وفى مراسلة أخرى تحمل الرقم 06KUWAIT1637_a من السفارة الأمريكية بالكويت إلى وزارة الخارجية الأمريكية بتاريخ 9 من مايو 2006، تستعرض السفارة سلسلة من الحوارات التي أجريت مع قادة الحركة الإسلامية، والمحللين السياسيين، حول نشأة الحركة الدستورية الإسلامية، وشعبيتها ونفوذها السياسى، وسياساتها وكذلك علاقتها بجماعة الإخوان المسلمين.
تصف الوثيقة الحركة الدستورية الإسلامية بأنها الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين فى الكويت، وأنها الحركة الأكبر والأقوى نفوذاً سياسياً، وأنها نجحت فى بسط نفوذها السياسى والشعبى، خاصة فى ظل اتجاه الحكومة الكويتية إلى إجراء عدد من الإصلاحات، وفق ما أشارت إليه الوثيقة على لسان الدكتور «إسماعيل الشطي» أحد قادة الحركة الذي دلل على تنامي نفوذ الحركة بتعيين أحد قادتها وزيراً للاتصالات فى التغيير الوزاري الذى أجرى فى تلك الفترة.
ومن منطلق المصلحة الأمريكية، أشارت الوثيقة إلى أنه على الرغم من أن الحركة باتت واحدة من أقوى الحركات المنادية بالإصلاح داخل الكويت، فإن «ما يعنينا هو مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وما نهتم به هو دعم الحركة لسياسات اجتماعية متحفظة، مثل تطبيق الشريعة الإسلامية، أو توجيهها النقد لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وارتباطها بفكر جماعة الإخوان المسلمين».
وعن نشأة الحركة الدستورية الإسلامية بالكويت، أوضحت الوثيقة أنها تأسست فى مارس 1990 كحركة سياسية مستقلة، خرجت من رحم جمعية الإصلاح الاجتماعي، وهي إحدى المؤسسات الخيرية التابعة لجماعة الإخوان المسلمين فى الكويت، وتقول «إن الحركة والجماعة بالكويت أصابتهما خيبة الأمل عقب دعم التنظيم الدولى للإخوان غزو العراق للكويت فى أغسطس 1990».
وتوضح الوثيقة أن جمعية الإصلاح الاجتماعي تأسست عام 1961 كبديل لجمعية الإرشاد الإسلامية، التى بدأت فى عقد الخمسينيات وتمثل جذور الجماعة بالكويت، ولكنها أغلقت عام 1959 عقب الاشتباه فى تورطها بالتحريض على اغتيال عبدالناصر عام 1956.
وترجع الوثيقة مهارة أعضاء الحركة الدستورية فى الحشد الشعبي والوصول للشرائح الاجتماعية الأعرض، بانتمائهم فى الأصل إلى جماعة الإخوان المسلمين الكويتية، وتشرح ذلك بالقول: «إن أفراد الحركة الدستورية دوماً ما يستهدفون طلاب الجامعات، وينظمون لهم المعسكرات الصيفية، والأنشطة، والمحاضرات التى تتناول شؤون دعوية إسلامية، الأمر الذى أثار مزاعم تتعلق بوجود علاقات تربط بين جماعة الإخوان المسلمين فى الكويت ووزارة المالية، التى يضم مجلسها الاستشارى عناصر سابقة بجمعية الإصلاح الاجتماعى».
ويعود تاريخ جماعة الإخوان المسلمين فى الخليج إلى ثلاثينيات القرن الماضى، حيث أراد «البنا» أن يفتتح مكتباً للدعوة داخل المملكة العربية السعودية، فقام أثناء موسم الحج بعرض أفكاره ومبادئ دعوته على العاهل السعودي، لكن الملك رفض هذه الأفكار قائلاً: «كلنا مسلمون وكلنا إخوان فليس فى دعواك جديد علينا»، ونتيجة السياسة الناصرية ضد الإخوان فى مصر والتي اضطرتهم للهرب إلى دول الخليج لاسيما السعودية، انتشر الفكر الإخوانى في المملكة وظهرت ثلاثة أقسام رئيسية هي إخوان الرياض والحجاز والزبير، ويعد إخوان الحجاز أقوى تنظيمات الإخوان في السعودية، فهم الأكثر تنظيماً وتأثيراً ونشاطاً.
وفي الكويت، بدأت تتشكل نواة جماعة الإخوان المسلمين منذ منتصف الأربعينيات من القرن الماضي، على يد «عبدالعزيز العلي المطوع»، الذي تعرف على الفكر الإخوانى أثناء دراسته فى مصر، وقام بتقنين وضعها عن طريق تشكيل جمعية الإرشاد الإسلامية عام 1952، وأكدت الجمعية فى قانونها أنها جمعية دينية لا تتدخل فى السياسة، وفي نهاية الخمسينيات فرضت السلطات الكويتية إجراءات متشددة تجاه الأندية والجمعيات الثقافية، إثر حملة الانتقادات التي تعرضت لها السلطات الحاكمة، وأصدرت قراراً بغلق جميع الأندية والجمعيات الكويتية، بما فيها جمعية الإرشاد الإسلامية، واستمر هذا الوضع حتى عام 1961. وفى عام 1963، اتفق ثلاثون شخصاً من المنتمين إلى تنظيم الإخوان خلال اجتماعهم، على تأسيس جمعية جديدة تحمل اسم جمعية الإصلاح الاجتماعى، حيث كانت امتداداً طبيعياً لجمعية الإرشاد.
الإمارات
وفى الإمارات، تعد جمعية الإصلاح والتوجيه الاجتماعي واجهة الإخوان المسلمين، إذ ترجع فكرة الجمعية إلى تأثرهم بتجارب الإخوان المسلمين فى مصر والكويت، فعقب عودة بعض الطلبة الإماراتيين فى أواخر الستينيات من دراستهم فى مصر والكويت، سعوا إلى إنشاء جماعة تتبنى أفكار الإخوان فى مصر، وتلقت هذه الجماعة تأييداً ودعماً من إخوان الكويت، حيث ساهمت جمعية الإصلاح الكويتية بتأسيس مقرها، ومع بداية عقد الثمانينيات سيطرت الجماعة على قطاع التعليم العام، وإدارة المناهج والتأليف فى وزارة التعليم، وفى عام 1988 أصبحت الجماعة هى الصوت الأقوى فى مؤسسات الدولة التعليمية وفي جامعة الإمارات، كما شاركت الجماعة فى العمل السياسي، حيث تولى أحد أعضائها وهو سعيد عبدالله سليمان منصب وزير الإسكان فى أول تشكيل حكومي، عام 1971، وتولى محمد عبدالرحمن البكر منصب وزير العدل عام 1977.