حسن خضر
بين إسرائيل والولايات المتحدة تباين في المواقف. وبشكل أدق التباين بين حكومة نتنياهو وإدارة أوباما. جوهر التباين هو الموقف من حل الدولتين. حكومة نتنياهو ترى أن الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي غير قابل للحل. وهي تبرر هذا الرأي استنادا إلى فشل الحكومات الإسرائيلية السابقة في التوصل إلى تسوية مع الفلسطينيين. وإدارة أوباما ترى أن حل الدولتين ممكن، وهي تبرر هذا الرأي استنادا إلى فشل سياسة بوش، والمحافظين الجدد، في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم.
التباين في المواقف لم يتصاعد بعد، لكنه قد يتحوّل إلى صراع إرادات. حدث تباين مشابه بين حكومة شامير وإدارة بوش الأب عشية مؤتمر مدريد. في النهاية رضخ شامير لإرادة بوش الأب المسّلّح بانتصاره في حرب إخراج العراقيين من الكويت، لكن الأخير خسر فرصة الولاية الثانية في البيت الأبيض. ويبدو أن بوش الابن حاول الاستفادة من تجربة الأب، فعمل كل ما من شأنه إرضاء الإسرائيليين حتى على حساب المصالح الأميركية في بعض الأحيان.
على أية حال، الليلة لا تشبه البارحة. الرئيس أوباما مدعوم بأصوات فريق مهم من جماعات الضغط في الولايات المتحدة، وبأعداد متزايدة من الأميركيين الذين خابت آمالهم في سياسة بوش الابن، ومشاريع المحافظين الجدد. وهو مدعوم إضافة إلى هؤلاء وأولئك بموقف فريق من الإسرائيليين، إلى جانب المرونة التي يبديها العرب. وكل ما تقدّم يمثل أوراقا مهمة في يده.
أما أوراق نتنياهو فتتمثل في حقيقة أن التحالف الذي مكنه من تشكيل الحكومة لم يعد على يمين التيار الرئيس في المجتمع الإسرائيلي، بل أصبح جزءا منه. كما أن أدوات وتكتيكات الضغط التي يملكها ويجيدها الإسرائيليون وحلفاؤهم في الولايات المتحدة لم تُستنفد بعد.
ويُضاف إلى ذلك أن الأزمة الاقتصادية العالمية، وأزمة الأسلحة النووية الكورية، ومشاكل باكستان، وأفغانستان، والعراق، وإيران، تمثل عبئا ثقيلا على كاهل ساكن البيت الأبيض، سواء من حيث الوقت المطلوب للمعالجة، والجهد المبذول، وما تستدعي من طاقات وموارد ينبغي توظيفها.
ومع ذلك فإن الورقة الأهم في يد نتنياهو تتمثل في حقيقة أن بين الفلسطينيين والعرب من يرفض حل الدولتين، وأن هذا البعض يملك من التكتيكات والوسائل والموارد ما يكفي لإحباط أوباما، وربما لإقناعه بأن الإسرائيليين، وخاصة اليمين، يعرفون عن هذا الجزء من العالم أكثر مما يعرف، وبالتالي فهم أكثر قدرة على تشخيص المرض والعلاج.
ولعل عودة سريعة إلى مسيرة المفاوضات الفلسطينية ـ الإسرائيلية منذ أواسط التسعينيات تعيد إلى الذهن حقيقة أن ذلك البعض أسهم فعلا في عرقلة وإحباط جهود التسوية.
يُقال هذه الأيام إن إسرائيل لم تقدّم شيئا للفلسطينيين والعرب على مدار عقد ونصف العقد من المفاوضات. ولكن ما لا يُقال إن بعض العرب والفلسطينيين بذلوا أقصى ما لديهم من جهود وطاقات لإحباط كل محاولة للتقدّم، وبهذا قدموا خدمات جليلة للإسرائيليين الذين قالوا للعالم والرياء يقطر من عيونهم: أنظروا، أردنا الحل لكنهم ردوا علينا بالعمليات الانتحارية، وبالدعوة لتحرير حيفا ويافا بدلا من التفاوض على دولة في الضفة وغزة.
بالقياس على ما تقدّم فإن رفض الممانعين الفلسطينيين والعرب لحل الدولتين يمثل الورقة الأهم في يد نتنياهو، وكل ما يحتاجه يتمثل في الثبات على الموقف، وانتظار أن يخرجه الممانعون الفلسطينيون والعرب من ورطة صدام محتمل مع الإدارة الأميركية الجديدة.
الممانعون هم حلفاء نتنياهو، بالمعنى الموضوعي للكلمة، فهو لا يريد دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهم لا يريدون دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة. وفي هذا السياق يتذاكى فيطلب تعديلات وتوضيحات ويبدي تحفظات بشأن المبادرة العربية، أو خارطة الطريق، ويتهم السلطة الفلسطينية بالتراخي في تطبيق الالتزامات..الخ وكلها ذرائع يُراد منها المراوغة وكسب الوقت.
وفي الأثناء يتذاكى الممانعون فيطالبون بعودة اللاجئين، وتفكيك المستوطنات، وإنشاء دولة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي المقابل يتكرّمون على إسرائيل بهدنة لمدة عقد أو عقدين من الزمن، أي يقولون لها وللعالم: نحن لسنا في عجلة من أمرنا، السلام بعيد، ولكن ربما نقبل بمبدأ الهدنة، ثم يفعل الله ما لا تعلمون، إذا كنتم أولادا طيبين نصالح، وإذا أزعجتمونا نكسّر رؤوسكم.
وهذه في الواقع شروط المنتصر في الحرب، الذي تطوّق دباباته تل أبيب، ويسمح بنقل المؤن والأدوية والمياه لسكانها لأسباب إنسانية، ويعرض عليهم الاستسلام إذا أرادوا النجاة بجلودهم.
فلنضع هذا جانبا. السؤال: هل يفتح التباين في المواقف بين إسرائيل والولايات المتحدة أفقا جديدا للحل؟
من الصعب إبداء أدنى قدر من التفاؤل في الوقت الحاضر. فالوضع الفلسطيني في الحضيض، ولا يمكن حتى لو اجتمع الإنس والجان لمساعدة جماعة من الناس أن ينجحوا في ذلك ما لم تكن الجماعة المعنية معنية بمساعدة نفسها. وهذا غير متوّفر لدى الفلسطينيين، والفريق الذي يدرك بالفعل أين تكمن مصلحة الشعب عاجز عن تحويل هذا الإدراك إلى سياسة تحظى بالإجماع.
وبالرغم من عدم ضرورة أو أهمية التشكيك في صدق نوايا الرئيس الأميركي إلا أن قدرته على إيصال البضاعة لم تتضح بعد. كما أن الأطراف المُعارضة لليمين، في أوساط النخبة المدنية والعسكرية في إسرائيل، تملك تصوّرات للحل لا تنسجم بالضرورة مع فكرة الفلسطينيين عن الدولة المنتظرة في الضفة وغزة.
الأفق الجديد مجرد احتمال غائم. وما سيحدث الآن أن الضفة الغربية ستتحول إلى ساحة حرب يراهن عليها نتنياهو والممانعون لأسباب تختلف في المصدر وتلتقي في النتائج، لإقناع الرئيس أوباما بأن الكولونيالية الإسرائيلية كان دائما على حق، وبأن الميليشيات لن تفشل كعادتها في تضييع هذه الفرصة، فما همها أن يخسر الناس طالما ضمنت الفوز في الفضائيات.
Khaderhas1@hotmail.com
* كاتب فلسطيني- برلين