هذا اذا كان الحاكم معصوما! فكيف اذا لم يكن الحاكم معصوما فإن حق المعارضة والاختلاف يكون ثابتاً بطريق أولى! لأن موقعه كحاكم سياسي لا يمنحه حق الطاعة الالهية خصوصا في عالم السياسة والادارة حيث لا يختلف اختصاص الفقهاء فيها عن اختصاص غيرهم من السياسيين حتى ينحصر الرجوع اليهم فيها كما هو الحال في الاحكام الشرعية التي يكون استنباطها من اختصاص الفقهاء وحدهم فينحصر التعرف عليها بمرجعيتهم الدينية ولذلك لم يعتبر الامام علي انحصار الحاكمية السياسية بالامام او الفقيه كما جاء في رده على الخوارج قائلا: (وإنه لا بد للناس من أمير بر او فاجر يعمل في إمرته المؤمن ويستمتع فيها الكافر ويبلغ الله فيها الأجل ويجمع به الفيء ويقاتل به العدو وتأمن به السبل ويؤخذ به للضعيف من القوي حتى يستريح برّ ويستراح من فاجر)، فهو لم يذكر الموقع الديني للحاكم السياسي وإنما ذكر الوظيفة المنوطة به في ادارة شؤون البلاد والدفاع عنها والمحافظة على حقوق الناس وأمنهم.
وقد ذكر في مجال آخر جملة من الاوصاف التي يجب أن تتوافر في الوالي الحاكم ليس لها علاقة بالرتبة الدينية التي يحملها حيث قال: (وقد علمتم أنه لا ينبغي ان يكون الوالي على الفروج والدماء والمغانم والاحكام وإمامة المسلمين البخيل فتكون في اموالهم نهمته ولا الجاهل فيضلهم بجهله ولا الجافي فيقطعهم بجفائه ولا الحائف للدول فيتخذ قوماً دون قوم ولا المرتشي في الحكم فيذهب بالحقوق ويقف بها دون المقاطع ولا المعطل للسنة فيهلك الأمة).
والمراد من السنة هي طريقة الحكم التي كشفت التجارب صلاحها وانتفاع الناس بها كما جاء في قوله الآخر لمالك الأشتر عندما ولاه على مصر: (ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه
الامة واجتمعت بها الالفة وصلحت عليها الرعية…).
ومن خلال الاشكاليات الواردة والمناقشات المتقدمة يظهر منشأ القول في عدم انتقال ولاية الانبياء والاوصياء الى الفقهاء ويظهر ايضاً عدم انحصار الولاية السياسية بهم فضلاً عن الفقهاء الذين يعتبر شأنهم في عالم السياسة شأن كل الناس الذين يتصدون للقيام بهذه المهمة مع وجود تلك الاوصاف العامة حفظاً للبلاد وصوناً لحقوق العباد وفي طليعتها حرية الاعتقاد والآراء والافكار كما ظهر ذلك من الآيات والروايات والكلمات التي نقلناها عن بعض العلماء.
ولا تعني ولاية الفقهاء على تقدير التوسع فيها لتشمل عالم السياسة انحصار الولاية السياسية فيهم كما يريد اصحاب هذا الرأي وحملة هذا الشعار فإن ذلك قول بلا مستند ورأي بلا دليل. وإن كان من شيء يسمى دليلاً فليس سوى الرغبة في تحويل هذه المسألة الفقهية الى دعوة سياسية للشخص والنظام.
والشاهد على ذلك أن هذه الولاية حتى عند القائلين بها لم تثبت لاشخاص محدّدين وإنما هي جاءت بعنوان عام شامل لكل الفقهاء والمجتهدين فيكون تخصيص فقيه واحد بالولاية دون غيره من الفقهاء ترجيحاً بلا مرجع لأن العنوان العام الوارد في الروايات والاحاديث التي استندوا اليها يستدعي ايجاد آلية تجمع كل الفقهاء من مختلف البلدان وإشراكهم في السلطة السياسية دون النظر الى جنسياتهم وانتماءاتهم وهذا ما يرفضه اصحاب هذه النظرية لاعتبارات عديدة لا تقوم على الاسس الفقهية التي قامت عليها النظرية نفسها.
– ثم وماذا عن الفقهاء القائلين بعدم ثبوت ولاية الفقيه؟ فهل تعطيهم هذه النظرية ولاية لا يؤمنون بها لأنفسهم؟! وإن سلبت عنهم هذه الولاية فهل تبقى لهم من فقاهة بعدها؟! وقد رأينا ما أصاب بعض الفقهاء المنكرين لولاية الفقيه من تشهير وإبعاد ومقاطعة وإقعاد!!
واذا كان رأي القائلين بها حجة ودليلاً فلماذا لا يكون رأي المنكرين لها حجة ودليلاً ايضاً؟! ولا يزال شعار (الموت لاعداء ولاية الفقيه) يرفع في وجه العلماء ومراجع الدين المعارضين لنظرية ولاية الفقيه حتى اثناء القائهم للدروس والمحاضرات الدينية وهذا يؤكد على أن مسألة ولاية الفقيه خرجت من إطارها الفقهي الاكاديمي واصبحت مسألة سياسية بامتياز تستهدف التأييد والانتصار للفقيه الحاكم على غيره ممن يختلف معه في الآراء والافكار.
وفي كل الاحوال فإن ولاية الفقيه السياسية لا تخرج عن كونها صيغة خاصة بالمجتمعات غير المختلطة بالاديان والمذاهب وهي مجتمعات نادرة الوجود مع أن النظرية نفسها هي محل للجدل الواسع في الاوساط العلمية ولرفض المشهور لها مع أنهم في طليعة أهل الاختصاص المؤسسين وفيهم ارباب علم الفقه والاصول واركان الطائفة ورؤساء المذهب.
وهذا ان دل على شيء فإنما يدل على أن الروايات والاحاديث لم تكن ناظرة الى الولاية السياسية ولا الى فكرة انحصارها بالفقهاء وإنما كانت بصدد بيان موقع العلماء في تبليغ الاحكام الشرعية والتوجيه والارشاد كما قال الشيخ الانصاري رحمه الله بعد استعراضه للروايات التي استولوا بها على ثبوت الولاية العامة للفقهاء كقوله عليه السلام (هم حجتي عليكم وأنا حجة الله) وقوله (مجاري الامور بيد العلماء بالله والامناء على حلاله وحرامه) وقوله (أولى الناس بالانبياء أعلمهم بما جاؤوا به) وغير ذلك من الروايات القريبة من هذا المعنى وقد قال بعد ذلك: (والانصاف بعد ملاحظة سياقها أو صدرها وذيلها يقتضي الجزم بأنها في مقام بيان وظيفتهم من حيث الاحكام الشرعية لا كونهم كالنبي والائمة صلوات الله عليهم في كونهم اولى بالناس في اموالهم) انتهى كلامه رفع مقامه.
وفي كل الاحوال وعلى جميع التقديرات فإن ولاية الفقيه ليست ولاية عابرة للحدود والشعوب والمجتمعات التي لا علاقة للفقيه الحاكم بها لأنه لو جاز لهذا الفقيه ان يتدخل في قوانين وانظمة المجتمعات الاخرى لجاز لفقيه آخر من تلك المجتمعات وصل الى السلطة فيها ان يتدخل في سلطة هذا الفقيه وحينئذ يقع الهرج والمرج ويحصل الخلل في نظام العلاقات وهو أمر مرفوض من الناحية الشرعية والعقلائية ولعله لذلك يقال إن حدود ولايته كحاكم سياسي ترتبط بالمواقع والامكنة التي يكون فيها الفقيه مبسوط اليد كما يحصل ذلك عند اختياره حاكماً في مجتمع من المجتمعات حيث يكون حينئذ قادراً على إعمال ولايته بتطبيق الاحكام الشرعية وتنفيذها وليس له من ولاية على تشريع ما يتنافى معها أو ما يؤدي الى تعطيلها والغائها وليس له حينئذ من خصوصية توجب طاعته وامتيازه عن سائر الحكام السياسيين سوى طاعة النظام العام واحكامه التي يتساوى فيها هو مع غيره من الحكام والمحكومين الذين اختاروه حاكماً.
ويجب الاّ يبقى الفقيه هو الخيار السياسي الوحيد للأمة لعدم اشتراط الفقاهة في القيادة السياسية كما تقدم بيان ذلك من خلال سيرة الانبياء والاوصياء ومن خلال الروايات التي تحدثت عن مواصفات الحاكم السياسي. وما أشرنا اليه هو مؤدّى القاعدة التي استند اليها الفقهاء في نفس الولاية وأن الاصل عدم ولاية أحد على أحد وهذا ما ينتج عنه ولاية الأمة على نفسها كما جاء ذلك في كلمات المحقق النائيني رحمه الله عند وقوع الصراع على السلطة في ايران في بدايات القرن الماضي وانقسام العلماء الى مؤيدين لنهج المشروطة والحكومة الدستورية ومؤدين لاستمرار النهج الملكي الاستبدادي دون ادخال بعض الاصلاحات اللازمة عليه.
الحلقة الثانية الاخيرة من دراسة السيد علي الامين حول مسألة ولاية الفقيه
السيد علي الامين
(مفتي صور وجبل عامل)
نقلاً عن “النهار”
الحلقة الأولى:
[ولاية الفقيه:
الأصل عدم ولاية أحد على أحد 1]
ولاية الفقيه: الأصل عدم ولاية أحد على أحد [2]النظام الإيراني ما بين المبادىء والتطبيق إن بلاد فارس ،هي بلاد مغرقه في التاريخ ،متجذرة في القدم ولقد تبؤت مقعدا مرموقا بين الأمم ، كأمه لها حضارتها العريقه وكان لدوله فارس دورا رائدا وحضورا قويا فاعلا كما كانت لها حروبها ومع عظيم الدول في الشرق والغرب . وكان آخرهذة الحروب مع الأمبراطوريه الرومانيه والتي تزامنت مع فجر الإسلام . حيث بدأت بلاد فارس تاريخا جديدا وواقعا جديدا حيث أرتفعت رايات الإسلام خفاقه في كل بلاد الشرق إلى أن فتحت بلاد فارس وصارت واحده من ديار المسلمين وجزءا من دوله الإسلام . والإسلام… قراءة المزيد ..