أحياناً يكون “الريبورتاج الميداني” أفضل من التحليل . مشاهدات مراسل “لوموند” في احتفالات الطهرانيين باتفاق فيينا تسلّط الضوء على “لاعب ثالث” يخشاه خامنئي وسليماني ربما أكثر مما يخشون أوباما: شعب طهران “الإصلاحي” الذي لم ينسَ سجناءه السياسيين، وفي طليعتهم مير حسين موسوي والشيخ مهدي كروبي، شعب طهران الذي ينوي الإستفادة من الإتفاق “لتحرير” السياسة في إيران نفسها! شعب طهران هتف لروحاني وظريف، ولكنه “نُسيَ” أن يهتف لخامنئي!
الشفاف
*
“هذا الإتفاق يفتح لنا أبواب العالم”
ينقل مراسل “لوموند” في طهران “غزال غولشيري” عن أبرز المحلّل الإقتصادي الإيراني “سعيد ليلاز” أن اتفاق فيينا هو بالدرجة الأولى انتصار للمرشد علي خامنئي: “فقد أشرف على المفاوضات دقيقة بدقيقة. وقد أنقذ البلاد من هاوية خطرة كان هو نفسه مسؤولاً عنها. لكن المهم هو أنه جرت إدارة الأزمة”!
ويعتقد “سعيد ليلاز” ((الذي زجّه خامنئي في السجن بعد الثورة الخضراء في ٢٠٠٩) أن “المحافظين” في إيران، الذين أضعَفهم الإنتصار الذي حقّقه روحاني في فيينا يمكن أن يسعوا للإنتقام منه في ميادين أخرى “الأمر الذي سيزيد التوتّرات السياسية ” في البلاد. وهو يتوقّع أن “يسعى المحافظون لإعادة الوضع السابق. من جهة أخرى، فما أن تصل الأموال الإيرانية التي كانت مجمّدة إلى صناديق الدولة الإيرانية، فستضغط الأحزاب السياسية على حسن روحاني آملاً بالفوز بأكبر حصة من الكعكة”.
مع ذلك، يعتقد “سعيد ليلاز” أن حسن روحاني اكتسب ثقة بالنفس بفضل نجاحه في فيينا: “لن يكون روحاني مثلما كان حتى الآن، وسنجد روحاني أكثر عدوانية وأكثر استعداداً للمواجهة“!
ماذا عن الشارع الإيراني؟ ينقل مراسل “لوموند” مشاهداته في ساحة “فاناك، وفي ساحة “ولي العصر”، على النحو التالي:
“بدأ كل شيء بزمّور سيارة.. في ساحة “فاناك” بشمال طهران، في الساعة التاسعة من مساء يوم ١٤ يوليو. وبدا الأمر وكأن كل الناس كانوا ينتظرون تلك الإشارة ليبدأوا بالإحتفال الذي طالما تشوٌقوا إليه.
“وخلال ثوانٍ كانت الساحة تهدر بضجيج يصمّ الآذان لألاف أبواق السيارات التي ملأت الساحة. وتجمّع شبان وفتيات في الطرف الشمالي للساحة وبدأوا يهتفون “روحاني، نحن ممتنّون لك!” وتعالت الصرخات، وبدأ التلويح بالأعلام في حر ليلة الصيف. وكان لمحمد جواد ظريف نصيبه في الإحتفالات “السفير الإيراني للسلام، شكراً”. وتناقلت الجموع صورة وزير الخارجية الإيراني مبتسماً.
“وقالت لنا “ناهد”: كنت أتابع المفاوضات دائماً وكنت أنتظر رفع العقوبات بفارغ الصبر. لقد تحمّل اقتصادنا آلاماً كثيرة”. وكانت “ناهد”، وهي مهندسة ميكانيك عمرها ٤٩ سنة، قداقترعت لحسن روحاني في العام ٢٠١٣ لكي “تحافظ على شعلة الأمل”، على حد قولها. وتضيف: “الأكثر أهمية اليوم هو أن الإتفاق يُخرَج بلدنا من العزلة، وأنه يفتح لنا أبواب العالم وأنه يرفع معنويات شبابنا“. وهي تعتقد أن الإنتقادات الموجّهة للإتفاق سواء من داخل إيران أو من خارجها ليست في محلّها: “الجميع سيكسبون من الإتفاق. ويمكن للغرب أن يحلّ عدداً من مشاكله بمساعدة إيران وخصوصاً مشكلة صعود الدولة الإسلامية”.
“روحاني، لا تنسى موسوي”!
ومع انضمام أفواج أخرى من المتظاهرين إلى الجموع المحتشدة في ساحة “فاناك”، بدأت الهتاف بشعارات معارضة تطرّقت إلى موضوع “مُحَرَّم” في إيران: وهو مصير المرشّح للرئاسة في العام ٢٠٠٩، “مير حسين موسوي”، ورفيقه المرشّح الآخر “مهدي كرّوبي”، وكلاهما قيد الإقامة الجبرية منذ العام ٢٠١١ لأنهما انتقدا “تزوير الإنتخابات” لصالح المرشّح المحافظ “محمود أحمدي نجاد”.
وهتفت الجموع: “روحاني: لا تنسى، موسوي يجب أن يكون هنا”! وكذلك “رسالتنا واضحة: ينبغي وضع حد للإقامة الجبرية”!
في ساحة أخرى، هي ساحة “ولي العصر” في طهران، يوزّع “مهدي” ، وهو مهندس بترول، الحلوى ويقول: “لقد تابعت المفاوضات دقيقة بدقيقة لأن كل شيء كان متوقّفاً عليها. لقد تعرض الإصلاحيون لإخفاقات عدة، وكانوا بحاجة لهذا الإتفاق لكي يحرّكوا الوضع داخل إيران. اليوم، بات هنالك أمل على الأقل”.
بجانبه يقف “شاهين” وهو مهندس معماري الذي يقول: “سأكون سعيداً فعلاً حينما يشاركنا الإحتفال أولئك الذين غادروا إيران لأسباب سياسية أو إقتصادية، وأولئك الموجودون الآن في السجون“!
ويلخًص “أمير”، وهو طالب إقتصاد، الرأي العام حينما يقول أن “الأبطال الحقيقيين هم “الشعب” الذي قاوم خلال ١٣ سنة الأخيرة، وليس المسؤولين السياسيين. الآن، ربما يمكن لنا أن نعاود النشاط السياسي”!