مروان طاهر – الشفاف – بيروت خاص
أرخت عملية إعادة التموضع التي ارادها رئيس اللقاء الديمقراطي النيابي اللبناني وليد جنبلاط بظلالها السلبية على قواعده الشعبية الموزعة بين طائفة الموحدين الدروز والحزب التقدمي الاشتراكي، بحيث تشهد هذه القواعد دينامية جديدة لم تشهدها الزعامة الجنبلاطية لا في زمن الوالد ولا في الفترة التي تولى فيها جنبلاط الابن الإرث حتى إعادة التموضع.
وكان جنبلاط قد اطلق ورشة تنظيمية في صفوف الحزب الاشتراكي ترافقت مع إعلانه إعادة تموضعه أراد من خلالها مواءمة القواعد والقيادات الحزبية مع توجهات “إعادة التموضع” بعد ان اوغل عميقا في اعلان المواقف الجريئة والمتقدمة والمتطرفة في حق النظام الامني اللبناني السوري والنظام السوري، إيغالا لم يتوقف عند حدود التناول الشخصي لرأس النظام السوري، ردا على ما أعلنه الرئيس السوري يوما من جامعة دمشق من ان رئيس حكومة لبنان هو عبد مأمور لعبد مأمور فضلا عن اتهامات بالعمالة لاسرائيل التي شملت قيادات ثورة الارز جملة وتفصيلا. وكانت الحملة السورية قد ترافقت مع إعلانات على شكل (فيديو كليب) تناولت من ضمن تناولتهم النائب جنبلاط، فضلا ايضا عن إلباسه صوره قبعة الحاخام في جنوب لبنان والى ما هنالك من الشتائم الشخصية والعامة التي تولتها وسائل الاعلام السورية والتي طاولت قيادات قوى 14 آذار مجتمعة وجمهورها.
الورشة التنظيمية الاشتراكية والتي يرتقب ان تستمر حتى شهر شباط المقبل لم تحقق النتائج التي يريدها جنبلاط حتى الآن. وبعكس ما توقع جنبلاط، كانت نتائجها على غير ما هو معهود في الحزب الاشتراكي حيث ارتفعت الاصوات الحزبية، درزية وغير درزية، مطالبة بالعودة الى صفوف قوى 14 آذار ومحملة اياه مسؤولية كشف البلاد مجددا امام التدخل السوري بأشكاله، وخسارة صدقيته، وتعريضهم لاصناف المهانة كافة من قبل من كانوا حلفاء ومن قبل الذين لم يصبحوا حلفاء بعد على حد سواء.
غالبية الاشتراكيين رفضوا المشاركة في الحلقات التنظيمية التي يتولاها المقدم شريف فياض، أمين السر العام في الحزب الاشتراكي، والدكتور يحي خميس، بحيث تشير المعلومات الى ان نسبة الحضور لم تتجاوز في افضل الاحوال 10 بالمئة من الحزبيين المسجلين في الفروع والوكالات، في حين ان من حضروا ناقشوا فياض وخميس، واحيانا بحدة، طالبين نقل مواقفهم الى رئيس الحزب وآخذها في الاعتبار خصوصا ان ثنائي التنظيم لم يستطع إقناع المشاركين بالاسباب التي أملت على جنبلاط مسألة إعادة التموضع. ومن الاشتراكيين من كتب مطالعة خطية وسلمها الى فياض وخميس، ومنهم من نقل اليهما رسالة المعترضين من انهم لم ولن يغادروا الحزب الاشتراكي ولكنهم لن يكونوا في صفوف الحزب في ظل إعادة التموضع هذه. ومن بينهم من ابلغ جنبلاط بان في امكانه ان يتموضع حيث يشاء فهم، اي الاشتراكيين المعترضين، باقون في قوى الرابع عشر من آذار الى حين ان يقرر جنبلاط ان يعود الى موضعه الاصلي في صفوف هذه القوى.
هذه المواقف انعكست سلبا على منظمة الشباب التقدمي ايضا، وهي الذراع الطلابي في الحزب الاشتراكي، حيث رفض طلاب المنظمة إعادة التموضع وقرروا ان لا يكونوا مستقلين بمعنى محايدين في الصراع الدائر على الساحة اللبنانية والذي يختصر بين قوى 8 و 14 آذار وشاركوا بكثافة ترشيحا واقتراعا الى جانب قوى الرابع عشر من آذار في الانتخابات الطالبية في الجامعة الاميركية واليسوعية والجامعة الاميركية اللبنانية فرع جبيل. كذلك عمل النقابيون الاشتراكيون، فكانت قوى ثورة الارز تحقق الانتصار تلو الانتصار وصولا الى انتخابات الجامعة اللبنانية الاميركية في بعبدا حيث انقسم طلاب المنظمة، وعلى خلاف رفاقهم في الجامعة عينها فرع جبيل. فمن بينهم من صوت لصالح قوى الرابع عشر من آذار ومن بينهم من صوت لصالح إعادة التموضع لمرشحي التيار العوني وقوى الثامن من آذار، ومن بينهم من اعترض بصمت على الحال التي وصلوا اليها ورفض التصويت ما ادى الى خسارة قوى الرابع عشر من آذار للمعركة الطلابية. ولكن هذه الخسارة تزامنت مع تصاعد حدة الخلاف بين انصار اعادة التموضع في منظمة الشباب التقدمي وتيار المستقبل ما ادى الى شجار تطور الى رفع سلاح واستخدام لغة التهديد من قبل “رامي سلمان” مسؤول المنظمة في الجامعة ما تسبب بتوقيفه من قبل القوى الامنية على خلفية هذه التهديدات.
وفي المقابل، بدأت معالم اعتراض من نوع آخر داخل صفوف الاشتراكيين في حركة يقودها الوزير السابق عباس خلف والقيادي السابق في الحزب فؤاد شاهين وسواهم لجهة تشكيل لجنة رديفة للحزب الاشتراكي تخرج عن نطاق إنفعالات جنبلاط وحساباته الطائفية تحت اسم “لجنة اصدقاء كمال جنبلاط”.
وللعلم فهؤلاء يشكلون ضمير الحزب الاشتراكي الذي أسسه الشهيد كمال جنبلاط، ومعظمهم من غير الدروز حين كان الحزب الاشتراكي عابرا للطوائف والمناطق اللبنانية كافة، وكان الدروز يشكلون فيه اقلية حزبية، وحين كان الشهيد كمال جنبلاط موقعا وطنيا جامعا ورافعة لحركة التحرر اللبنانية والعربية وعضوا فاعلا في الاشتراكية الدولية والحائز على وسام لينين على رسالته “في ما يطور ويستكمل الماركسية”. فهؤلاء المعترضون تم تهميشهم من قبل جنبلاط مرارا وتكرار وهو كان يبلغهم سابقا بأن المرحلة للعسكر وليست للسياسة وان والده على رفوف المكتبات الى حين ان يقض الله امرا كان مفعولا. وكان هؤلاء موافقين على سلم الاولويات إضافة طبعا الى عامل الضغط الذي كان يمارس على جنبلاط في زمن الوصاية ومنعه من التمدد الى خارج حدود منطقته الجغرافية.
اما اليوم وبعد إنقضاء زمن الوصاية وإنفتاح المناطق اللبنانية على بعضها البعض، فقد تنفس هؤلاء الاشتراكيون الصعداء للمرة الاولى منذ العام 1975 حيث كانت المناطق اللبنانية رهينة قوى الامر الواقع وحيث كان هؤلاء ملاحقون من قبل الميلشيات من غير توفر اي قدرة عملانية للحزب الاشتراكي ولجنبلاط لحمايتهم. وبعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وقبله مع مصالحة الجبل التاريخية وما اعقب هذين الحدثين التاريخين وجد الاشتراكيون انفسهم في بحر لا يلفظهم سواء في المناطق السنية ام المسيحية وكانوا على تحالف مع اخصام الامس خصوصا القوات اللبنانية من اجل إستعادة سيادة لبنان وحريته واستقلاله مستظلين مواقف النائب وليد جنبلاط ومكرسين عملا وطنيا مشتركا لم يخرج عن ادبيات الحزب الاشتراكي التي ارساها كمال جنبلاط. بل عل العكس من ذلك جاءت تحالفات الاشتراكيين منسجمة طبيعيا مع ما ذكره الشهيد جنبلاط في كتابه الاخير “هذه وصيتي” والذي شكل اول مراجعة نقدية لتجربة الحرب اللبنانية لم يقيض لها ان تستكمل بسبب اغتيال جنبلاط.
وأخيرا يواجه جنبلاط بأسئلة من نوع لماذا علينا ان نتصرف من زاوية المهزوم ونحن ربحنا المعارك وربحنا الانتخابات وربحنا قيادات المجتمع المدني، وإذا كان هناك من أخطاء خلال هذه المسيرة فيجب العمل على تصحيحها وليس تقويض ما قاتلنا من اجله منذ العام 2005 على الاقل ودفعنا الدماء والشهداء من الزيادين الى الشيخ صالح العريضي مروروا بالشهيد الحي مروان حماده وشهداء الشويفات والباروك وسواهم. فهل نقدم هؤلاء مجانا على مذبح الشروط السورية وتلك الصادرة عن حزب الله وهي اقل ما يقال فيها انها شروط إذلال وإذعان لخاسر وليس لرابح؟!
” لجنة اصدقاء كمال جنبلاط” قد تبصر النور وقد لا تبصره. ولكن إزاء ما سبق وسواه من الوقائع التي تنم عن حال تململ اشتراكية من واقع الحال الذي نتج عن اعادة التموضع يلتزم النائب جنبلاط الصمت ويتابع شؤون الورشة التنظيمية وسط حال من الارباك لدى القيادات الاشتراكية التي عليها ان تسوق لإعادة التموضع وعينها على موقعها الذي تراه طبيعيا في صفوف قوى الرابع عشر من آذار.