نشر هذا المقال في جريدة “النهار” البيروتية بتاريخ الاربعاء 7 آب 2002. ونعيد نشره اليوم بالتزامن مع بيان المنظمات الحقوقية العربية الذي يطالب بإطلاق سراح الدكتور عارف دليلة. يدعو “الشفّاف” القرّاء والمثقفين والناشطين العرب للتضامن مع الدكتور عارف دليلة الذي باتت حياته معرّضة للخطر، مثله مثل الصناعي ونائب دمشق رياض سيف الذي يخضع الآن لفحوصات طبّية في السجن لتحديد مدى إنتشار مرض السرطان، بعد أن رفض النظام الأسدي السماح له بالسفر إلى الخارج للعلاج.
*
*
وداعاًً عارف دليلة أو الى اللقاء بعد صدور الحكم بـ -إعدامك-
د. عبد الرزّاق عيد
نعم يا أخي عارف الستيني، عندما تحكم بعشر سنوات، فهذا حكم باعدامك، لأن أعمار أمة محمد ثلاث وستون كما أخبرنا عليه السلام، فمن أين لك ولنا وأنت مريض ككل المثقفين السوريين أن نضمن أنك ستعيش حتى السبعين؟ ولذلك لا نملك إلا أن نقول لك وداعا أو الى اللقاء!
في حدود علمي وعمري لم أسمع بأن سياسياً حبس وهو في الستين من عمره في تاريخ سوريا السياسي منذ العهد العثماني مرورا بمرحلة الاستعمار الفرنسي، وصولاً الى اليوم. فاذا انطلقنا من لحظة الارهاب التأسيسية في سوريا وهي سنة ،1916 نجد أنه ليس بين كل شهداء أيار الذين شنقهم جمال باشا السفاح من بلغ عمره الستين، ولا نعرف في العهد الاستعماري الفرنسي مناضلا وطنيا حكم بالسجن بعد الستين، ولا نعرف حتى في زمن الفتنة الكبرى في ثمانينات سوريا من اعتقل وهو بعد الستين، وليس في كل تاريخ الراحل من اعتقل بعد الستين، بل كل الذين قضوا عشرات السنوات في السجون خرجوا او توفوا وهم في الستينات، بما فيهم شيخ المساجين رياض الترك فقد خرج وهو في الستينات من عمره، وإن كان سيعود من جديد وهو ما بعد السبعين، وتلك مأئرة أخرى يضيفها صناديد الاجهزة الامنية و(قبضاياتها) الجدد الى الحقبة الجديدة التي ارادتها الرئاسة الشابة ان تكون مرحلة اصلاح واعتراف بالآخر!
هذا على المستوى العام للعمر الطبيعي لكل البشر، فيكف اذا كان عمر خبير اقتصادي، استاذ جامعي، كاتب وباحث، وعميد لكلية الاقتصاد، فعندها لا يحسب العمر بالزمن الطبيعي، وانما يحسب الزمن بوصفه وقتا للانجاز والابداع والاضافة، فعندها يخشى المستبد من رجال العلم وكأنه تجاه أمة لأنهم (رجال العلم) هم صوتها، وصورتها، وعقلها، وروحها، فبئست أمة يكون علماؤها ومفكروها في السجون، ولصوصها، وسارقوها، ومنتهكو حرمتها الوطنية وكرامتها القومية هم الطلقاء، والسادة المتسيدون.
فتاريخ سوريا منذ أبي العلاء المعري الذي يرتد امام مهابته الفكرية جيش ابن مرداس والى حلب الذي كان قد جرد حملة تأديب للمعرة، مرواً بالعهد العثماني، ومن ثم الفرنسي وصولاً للحظة الراهنة، لم يعتقل فيها رجل علم او فكر، وفي العصر الحديث منذ الكواكبي الذي هابت السلطة الانكشارية مقامه فلم تتجرأ على اعتقاله، فأوعزت الى أوباشها من المثقفين المتمجدين بمجد السلطة على حد تعبير الكواكبي، وعلى رأس هؤلاء المتمجدين المرتزقة (ابو الهدى الصيادي) للضغط على المفكر الماجد الكواكبي لاكراهه على الهجرة الى مصر، مروراً بالعهد الاستعماري الذي كان ذروة اضطهاده المفكرين، ما بلغنا من ضغوطات على زكي الارسوزي، عندما طالبه الفرنسيون ان لا يطنب في الحديث لطلابه عن مبادئ الثورة الفرنسية، لأنهم يهمهم مصالح فرنسا وليس مبادئ ثورتها.
في زمن الراحل، لم يقم جنرالات أمن المرحلة السابقة، الذائعو الصيت المرعب، باعتقال رجل علم او معرفة او ثقافة واحد، بل دعوا نزار قباني الذي تخصص في القسم الثاني من حياته بهجاء الحاكم العربي السيّاف، واقاموا له أمسية شعرية في مكتبة الاسد، فلم يراع الشاعر الكبير – ولأنه كبير – حتى اصول لياقات الضيافة، فألقى قصائد مليئة بالايحاءات المزعجة والمؤلمة، فكان اقصى تدبير قام به جنرالات السلف انهم لم يبثوا قصائد السهرة على التلفزيون السوري الذي كان مكلفاً بتسجيلها كاملة تحت عنوان “سهرة مع نزار قباني”. لكن مع ذلك وصل شريط التسجيل الى كل الناس!
الراحل سعد الله ونوس في مسرحيته “يوم من زماننا” يصل حدا من التشهير بتسلط الجنرالات درجة ان يعلن انه يفضل “الموت ولا التعريص مع دولة هذه الايام” على حد تعبير مسرحيته، ومع ذلك اكرم الرجل واهتمت الرئاسة بمرضه وعلاجه، بل والتباهي الاعلامي بترشيحه الى جائزة نوبل.
الشاعر محمد الماغوط سلّط سهام غضبه ونقده العنيف الى كل حيزات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الى درجة اعلانه خيانة وطن كهذا الوطن، في كتاب له تحت عنوان “سأخون وطني” ومع ذلك ارسلته الرئاسة الى فرنسا بسبب مشكلات قلبية كان يعاني منها.
فهل وصلنا الى اللحظة التي نترحم فيها على جنرالات السلف، وصولاً الى ابن مرداس، حيث الحاكم مهما كانت قوته وبطشه كان يطأطئ امام مهن العلم والمعرفة، امام رجالها الماجدين النزيهين الشرفاء… وليس المتمجدين المطبلبين المزمّرين السفهاء!
لم يحترموا سنك – يا أخي عارف – كما لم يحترموا علمك، لقد غدوت ككل كتاب ومفكري واقتصاديي هذه الامة زائداً عن الحاجة، بل أصبح وجودك ذاته فاضحا لوجودهم فلا بد إذن من سجنك!
يصور “قبضايات” الأمن الاغرار عن جهل أو عن تجاهل للرئاسة الشابة، أن عارف دليلة وزملاءه في حركة المثقفين الديموقراطيين في لجان إحياء المجتمع المدني، يتطاولون على العهد الجديد ويستضعفونه، جاهلين او متجاهلين ان هؤلاء المثقفين ما التقوا في بيان الـ”99″ او في الهيئة التأسيسية للجان احياء المجتمع المدني، لو لم يجمعهم صوت نقدي منذ زمن طويل، وعلى هذا فالمثقفون تفاءلوا بالخطاب الجديد، ولم يتطاولوا على العهد الجديد! وإلا ما معنى ان يكون عارف دليلة مطرودا من عمله الجامعي، وذلك في زمن الجنرالات الذائعي الصيت الذين لم يجدوا في مواجهة صوت المثقف، صوت الضمير (الوطني)، سوى ابعاده عن عمله ومجال تأثيره المباشر، لكن لم يخطر على بالهم – قط – ان يحبسوا مثقفاً، رغم قدراتهم الهائلة على حبس المجتمع بكامله، وهذا ما فعلوه!
ان اقصى عقوبة لقيناها في العهد السابق، ليس باستدعائنا لكل مقال نكتبه، والتحقيق حول هذا المقال او ذاك، بل ابعدونا عن التدريس في الجامعة لانها مركز تأثير حسب رأيهم، واوقفنا لليلة هنا وليلة هناك، لكنا لم نضرب ولا “بوكس” واحد، ولم يخطر على بالنا بأن كاتبا او باحثاً او مفكرا يمكن ان يحبس في سوريا مهما كانت الظروف حتى ولو لايام، لأنا عرفنا خطوطهم وعرفوا خطوطنا، منطلقين من حصانة تاريخية ان المثقف في سوريا لا يحبس، ولم يحبس في كل الازمنة، وكنا في مقال لنا سابق نصحنا احد الصناديد الذي راح يتهددنا ويتوعدنا، ان عليه ان يتعلم فلسفة الطغيان قبل ان يتحول الى حارس عتيد في اجهزة النظام الشمولي، وكنا نصحناه قول زياد “إني لو علمت ان احدكم قتله السل من بغضي لم اكشف له قناعا ولم اهتك له سرا حتى يبدي لي صفحته…”.
وقلنا لهم ان الدين الاسلامي ذاته لا يطلب من المسلم سوى الاظهار والاعلان وليس الايمان، وذلك مطلب مدني، سياسي يهدف للحفاظ على كيان الامة، اما الدين والايمان فأمره موكول الى الديّان، لأن معرفة القلوب أمر من شأن علام الغيوب.
مع ذلك، فان قلة خبرتهم وعدم استفادتهم من خبرة معلميهم المخضرمين، حرمتهم من فهم تلك القاعدة القائمة على “من يتجنبنا نتجنبه” ما دام لم يبد لنا صفحته على حد تعبير زياد، اما ان نضع اشرطة التسجيل لنعرف ماذا يقول الناس في خلواتهم، وماذا يكنون في دواخلهم، وماذا يحبون وماذا يكرهون، فتلك هي الحرب القذرة بعينها، وهؤلاء الصناديد آذا كانوا يطمحون فعلا لسبر اغوار المجتمع لمعرفة من يحبهم ومن يكرههم، فانهم مضطرون – أمام افعالهم هذه لاعتقال 99.99 في المئة والتحقيق معهم!
رغم ان طريقة تسجيل الاشرطة اصبحت قديمة، وواصبحت التقنيات التكنولوجية قادرة على التلاعب ليس بالاصوات فحسب، بل والاشكال، وان تسجيل الاشرطة لم يعد معتمدا قانونيا حتى في المحاكم الجنائية، فان هؤلاء الزبانية يريدون ايصال رسالة للجميع انه لا حصانة ولا مقام ولا مكانة لاحد امام “فتوتهم” وعضلاتهم المفتولة، سيما وان الجميع يعرفون ان عارف دليلة كان قد التقى الرئيس، وأعلن عن ذلك رسمياً واعلامياً، فكان ذلك مبعث تفاؤل واستبشار المجتمع الذي نظر الى هذا اللقاء بوصفه مؤشراً على مصداقية الاصلاح، ما دام عارف دليلة يستشار في الامر، فحيث يستشار عارف فثمة الصدق والصدقية والحق والنزاهة. لكن الزبانية كانوا بالمرصاد، زبانية السمسرة والسرقة والنهب والسطو، خُدام الطغم اللصقراطية، واثرياء ليلة القدر، وواصلوا الرحم الذين يتحول التراب في ايديهم الى ذهب بفضل دعوات امهاتهم، فعندما يحضر هؤلاء لا مكان لعارف دليلة سوى السجن، والحكم (القضائي – الامني) ينبغي ان يطمئن نفوسهم الجوف، فكان لا بد من حكم العشر سنوات لكي يكون معبراً من السجن الى القبر لرجل تجاوز الستين!
الحق يعرف بالرجال، ولا يعرف حق الرجال إلا رجال الحق الذين يفنون ذاتهم في شؤون الخلق، هل هي صوفية؟ نعم انها الصوفية الانسانية التي تبحث عن معانقة المطلق في معانقة المعنى، ليس بالمعنى الميتافيزيقي، بل بالمعنى البشري، الانساني الوطني، ذلكم هم ضنائن الله الابدال، الذين لاجل كرامتهم يحفظ الله توازن الكون، ويحدد البسطامي والحلاج وابن عربي والجنيد عدد هؤلاء الابدال بالمئة، الذين لولاهم لجعل الله بلدان الفساد ملعونة مطرودة من رحمته ولدكّها دكا، وليعلم اباطرة المال والثروة ونهب الاوطان انهم يعيشون ببركة ضنائن الله واحبائه الذين منحوا حياتهم لشعوبهم ومجتمعاتهم.
عارف من اولئك، عرفته منذ سنة 1970 استاذا جامعياً في كلية الاقتصاد بحلب، كان من مجانين الهم الوطني، حيثما يسير تجده مع طلابه يناقش ويحاور ويرسم صورة لوطن طوبى الاشتراكية، طوبى الوحدة العربية، طوبى الوحدة الوطنية والاندماج الوطني، واخيراً طوبى الديموقراطية والمجتمع المدني وحقوق الانسان، وكأن الرجل ولد وترعرع وكبر في حضن الشأن العام للمجتمع وهموم الامة، فلا يتصوّره خيال المرء الا محاورا، مناقشاً، ورفاقه، واصدقائه، حتى فوجئنا – ذلك مرة – وفي محطة من محطات صداقتنا، ان الرجل يجيد المزاح والضحك، والسخرية، والبداهة السريعة في التعليق، فكانت صورة جديدة لنا تضاف لصورة القديس الذي لا يتلفظ هجرا، ولا يتفوه لسانه النظيف ببذاءة قط حتى نحو الاعداء، فمن اين للملاكمين الاشرار ان يسجلوا على لسان عارف ما يمكن ان يسيئ حتى للاعداء؟
ارادوا لعارف ان ينمطوه، ويهيكلوه على مقاييسهم الحزبوية، فتمرد على حزبه الحاكم، عندما وجده يتحول الى حزب سلطة ويتخلى عن دوره التاريخي في ان يكون حزب مجتمع، ارادوه ان يكون جزءاً من جهازهم الفاسد عبر شرائه بمنصب “عميد كلية الاقتصاد” في دمشق، فقبل ان يكون عميداً دون ان يكون عميلاً، ارادوه اقليميا فئويا صغيراً، فكان منتشرا كالضوء قوميا ووطنيا.
كنت احسده حبا، عندما يدعى الى محاضرة في مدينة حلب، التي غدت مدينته الثانية بعد اللاذقية المولود فيها، فأجد الحشود التي تحتضنه، أكثر مما اجدها انا ابن حلب، عندها عرفت السر، ان الناس لا وقت لديهم لتذوق الآداب والفن والثقافة الرفيعة، عندما تكون انسانيتهم مداسة، فكان عارف لا يقف عند التخوم، بل يقتحم ويوغل في الجرح لإلتقاط الميكروب، فيكون نقاشه دائماً حول لقمة الناس ومعاشهم، همومهم اليومية، امتهان كرامتهم، سحق انسانيتهم، لهذا السبب ضاقت به صدور لصوص البلاد، فكان السجن خاتمة المطاف.
عندما ترشح للانتخابات (البرلمانية) رغبة منه في ان “يبرلم البرلمان” لكي يكون برلمان مواطنين لا “برلمان رعايا”، فتطوع الآلاف من الشبان لكي يوزعوا قصاصة الورق الصغيرة التي لا تتسع الا لاسمه المرشح، لقد ترشح رغم أنه كان يعرف ان اصوات دمشق كلها لو انصبت في صندوقه فلن يجد الا الاصوات المقررة سلفاً، لكن مع ذلك أراد ان يستفيد من الهامش المتاح (المزعوم) للحملة الانتخابية لكي يتواصل مع الناس الذين أحبهم وأحبوه. لكن الحب في النظام الشمولي مقنن، ومحدد، وموجه، وملتزم شعارات الحزب، والاجهزة والحكومة، وخصوصاً وزارة الاعلام التي هي من يقرر من المحبوب، ووزارة الداخلية هي التي تقرر من المغضوب، فلم تجد لعارف مكاناً سوى السجن، وحكماً سوى الزمن الكافي للانتقال من السجن الى القبر.
بعد لقاء عارف بالرئيس، حدثنا عن هذا اللقاء متفائلاً مستبشراً بأن ثمة مناصاً لشم عطر المستحيل، بعد أن تكونت اقتناعات لدى الكثيرين منا بأن الحياة السياسية في سوريا دون مستوى النقاش – لأنه لا حياة سياسية في سوريا ببساطة – فكيف يمكن لها ان تكون في مستوى المشاركة، فأعطى تفاؤله هذا جرعة لرفع المعنويات، عندما كنا نناقش فكرة اقامة لجان إحياء المجتمع المدني، وإعداد وثيقتها الاولى، حيث توافقنا على أن مشاركتنا هذه ستكون من خارج النظام خوفاً من التلوث، وان تكون خطواتنا محايثة لتجربة الاصلاح، فاذا ما تأكدنا ان هناك خطوات جدية فسندعم بدون تردد، لكنهم انقضوا علينا بدون تردد، فكانت تجربتنا الديموقراطية في لجان إحياء المجتمع المدني هي التجربة الاقصر عمراً في دفع الضريبة الباهظة، فعارف دليلة عشر سنوات، والشاب الطهراني الآخر الدكتور وليد البني خمس سنوات.
لكن مع ذلك، أنبيك أخي عارف وأخي وليد، بأن الضريبة بمقدار ما كانت سريعة بالقياس الى عمر التجربة، فإن مردود فعلنا عبر الاطروحات الفكرية والنظرية كان سريعاً جداً، فخلال السنتين تحولت موضوعات وثيقتنا الاساسية، وثيقة الألف، الى عناصر ركنية في البنية التكوينية للعقل الثقافي السياسي في سوريا، لا يمكن التراجع عنها، (الديموقراطية – دولة القانون – استقلال القضاء والسلطة التشريعية – حقوق الانسان – الغاء الاحكام العرفية وقوانين الطوارئ – الإقرار بالتعددية والحوار، ونزع العنف عن العلاقات السياسية، واعادة السياسة الى المجتمع) كل هذه العناصر أصبحت بمثابة ادوات مفهومية متكاملة ومتشارطة في اطار منظومة لا بديل عنها لاية قراءة سياسية او اجتماعية او ثقافية للواقع السياسي في سوريا، ولم يبقَ هناك سوى السلطة التي لا تملك اية اطروحة نظرية وسياسية مضادة لأطروحاتنا التي غدت اطروحات المجتمع، فالسلطة هي الوحيدة التي لا تزال تؤمن بالعنف والسجن كأطروحة مضادة وحيدة.
بيد أن ثمة أملاً وتفاؤلاً بأن الرئاسة الشابة التي استطاعت ان تخوض معركة المستقبل للانسجام مع روح العصر، باغلاق سجن تدمر وسجن مزة والافراج عن مئات المعتقلين، قادرة على القيام بخطوات جديدة رغم أنف كل اولئك الحمقى (الملاكمين القبضايات)، فمعارض عاقل، خير من ألف مؤيد أحمق جاهل لا يزال يعتقد ان بناء الدول هو بالشوكة والغلبة والمصاولة والمجاولة والملاكمة، فكانت نتائج بنائهم متمثلة بنموذج بناء سد “زيزون” كرمز لكل ما بنوا في الاقتصاد والاجتماع والسياسة، لقد أثبتوا أن عضلاتهم لم يتم تمرينها الا ضد الرأي الآخر السياسي والثقافي، لكنها عضلات رخوة واهنة امام الفساد والاعداء!
فهل ثمة جرعات جديدة تعطى للاصلاح الذي يترنح اليوم وتترنح معه الدولة والمجتمع والسياسة ونحن على ابواب استحقاقات عالمية ودولية اميركية – اسرائيلية لا تقبل منا نحن العرب سوى الإذعان الكامل والاستسلام المطلق؟
سبق وحذرنا في مقال لنا في جريدة “النهار” من تفشي مزاج سياسي ثأري شبيه بمزاج المعارضة العراقية التي لم تجد وسيلة لمعارضة مخابراتها الا باللجوء الى المخابرات الاميركية، لكن الجديد المفاجئ والمؤلم اليوم، ان هذه الظاهرة تتفشى وباتساع واضح في اوساط الشباب السوري الذين راحوا يعبرون عن تأييدهم للعدوان الاميركي على العراق تحت ضغط شعور بالاحباط واليأس ان انظمة العالم العربي هي الوحيدة في العالم المستعصية على التاريخ وقوانينه فهي لا تتحول ولا تتطور ولا تتغير وفق صيرورات داخلية، فلا بد من قبول التدخل الخارجي وتأييده والا سنعيش أبد الدهر بين الحفر!
في اليوم الثاني من حكم عارف دليلة لعشر سنوات تلقيت اتصالاً هاتفياً من مجهول قدرت أنه ربما كان صحافياً، يسألني: هل سمعت بالحكم الصادر على صديقيك عارف دليلة ووليد البني؟ وعندما قلت: نعم.
قال ساخراً شامتاً: ألا زلت متحمساً ومصرّاً على افكارك الرافضة لأي تدخل خارجي في شأنك الداخلي العربي؟!
لم يعد ثمة مناص عن الوحدة الوطنية والمصالحة الوطنية، والضرب على أيدي اولئك الذين يريدون الايقاع بين الرئاسة الشابة ومجتمعها وذلك لتعميق الاخدود بين المجتمع والدولة الطامحة لأن تكون حديثة وقانونية وشرعية ودستورية، دولة مجتمع وشعب، لا دولة سلطة بطاشة ولصقراطية (هبّاشة)، والمدخل الوحيد لذلك هو قرار رئاسي بالافراج عن جميع المعتقلين السياسيين، لأن قرار اعتقالهم سياسي، فلا بد من ان يكون قرار الافراج عنهم سياسياً، فليس هناك أحد في سوريا والعالم يصدق أحكام هذا التهريج (القانوني – الأمني)!
mr_glory@hotmail.com
كاتب سوري- حلب
وداعاًً عارف دليلة أو الى اللقاء بعد صدور الحكم بـ -إعدامك- إستحالة مطلقة تغيير النظام الأسدي دون تدخل خارجي , أما ما هي تكاليف هذا التدخل ؟ فهذا أمر آخر , أما البكاء على الأطلال والمعتقلين فلن يجدي نفعا , فالمعارضة السورية خجولة وطهرانية , وتريد أن تصنع ثورة بالشوكة والسكين , مقابل آلة عسكرية أسدية جهزت لمواجهة إسرائيل , وإستخدمت فعليا ـ وستستخدم ـ ضد الشعب السوري وبمساعدة إسرائيل . عارف دليلة ورفاقه لن يخرجهم بشار أسد من سجونهم أحياء , أيها المعارضون السوريون كفاكم إنتاجا وتوزيعا للأوهام التغييرية والاصلاحية , فبشار أسد أكثر وضوحا منكم , فهو يفكر… قراءة المزيد ..