.. لكني لست منهم.. انا لا امتلك تلك القدرة على الشعور بالخيبة أو التراجع عن اهدافي واحلامي في الحياة. انا جٌبلت على الأمل لأني أتنفسه في الهواء، استطعمه في الماء، أحسه في نور الشمس وألمسه في ظلام الليل..
…..
كنا خمسة نساء حالمات، فوزية العيوني، ديما الهاجري، ابتهال مبارك وهيفاء أسرة وانا. بدأنا حملة المطالبة بقيادة السيارة في نهاية عام 2007 ، وشرعنا في تحضير عريضة موجهة للملك عبد الله حفظه الله. جمعنا ما يفوق الألف اسم وأرسلنا عريضتنا للديوان الملكي ولم نسمع ردا منهم، تلتها عريضة أخرى حيث جمعنا للتوقيع قرابة 3 آلاف اسم، غالبيتهم من النساء وبعثنا بها إلى الملك وولي عهده ووزير الداخلية، وأيضا لم نحصل سوى على الصمت والتجاهل من قبل أصحاب القرار. بعدها أعددنا قائمة بأسماء النساء اللواتي يحملن رخص لقيادة السيارة ورفعنا أسماءهن للسماح لهن بالحصول على رخص قيادة سعودية، ولا حياة لمن ننادي. ذهبنا إلى مراكز شرطة المرور لنطلب استمارات للتقديم على رخص.. تفاجأنا انه لا يُسمح للنساء بدخول تلك المراكز.
ثم تواصلنا مع الإعلام المحلي كي تصل أصواتنا لأكبر عدد من السعوديين لكسب اصواتهم وبالفعل لقينا دعما لا بأس به، الحملة اشتهرت فحظيت بتغطية من قبل الإعلام الخارجي وما كان نصيبها سوى التجاهل من الدولة. بعدها ومن أجل دعم الحملة قدتُ سيارة ووضعت فيلم قصير على اليوتيوب وأطلقته في اليوم العالمي للمرأة 2008، وكأن لا أحد يسمعنا. صرفنا مجهودا كبيرا في تلك الحملة ولأكثر من عام من العمل الدؤوب لم نجن منه سوى صمت المسؤولين وتجاهلهم لقضيتنا.
مرت أربع سنوات على تلك الحملة تلتها حملة منال الشريف “سأقود سيارتي بنفسي” في صيف 2011 فأخذت زخماً ذا بُعد آخر وحظيت بتغطية اعلامية قوية خاصة بعد ان اُعتقلت منال، ثم هدأت الموجة وحتى الآن ليس ثمة مؤشرات على أن هذا القرار سيصدر عما قريب.
بالطبع قبل تلك الحملتين المشهورتين كانت هناك المحاولة الشجاعة التي قامت بها 47 امرأة سعودية في شوارع الرياض حين قدن سياارتهن في عام 1990 وتعرضن لأشرس حملة تعنيف وتشهير.
حين كنت متحمسة في تلك الحملة والسعادة تغمرني متأملة أن الفرج سيأتي قريباً وسنكون مثل سائر نساء العالم، أوقفني رجل يعمل في البنك الذي اتعامل معه وقال لي: “أنت امرأة حالمة، هذا القرار يحتاج لعشر سنوات من الآن قبل أن يتخذ فيه أي إجراء يدل على أنه سيعتمد في يوم ما. أثناءها ضحكت باستغراب من تشاؤمه وقلت له بكل ثقة “نحن في عهد الملك عبد الله يا سيدي..اصح !” لكن في الوقت نفسه تعجبت من ثقته الكبيرة ومن إصراره على موقفه وتحديه لي حيث قال لي بابتسامة خبيثة: “أنا اتحداك إن حصل شيء من وراء هذه الحملة ..بل سأهديك سيارة جديدة إن تم هذا القرار قبل عام 2017 ورأينا النساء يقدن سيارتهن بأنفسهن في مدن المملكة.” قلت له أيضا ونفس الابتسامة ترسم تقاسيم وجهي “أوكي..جهز فلوسك يا رجل..لأننا سنجلس في مقعد القيادة خلال السنتين القادمتين!” ضحكنا نحن الاثنان بسخرية من بعضنا البعض، ومن ثم كل ذهب في طريقه وكنت حينها أكاد أجزم أن توقعاتي هي الأقرب إلى الحقيقة.
ها نحن الآن في عام 2012 وخيبة الأمل مازالت تعشش في نفوس كثير من النساء والرجال أيضاً بسبب هذا الحظر غير المبرر.. لكني لست منهم.. انا لا امتلك تلك القدرة على الشعور بالخيبة أو التراجع عن اهدافي واحلامي في الحياة. انا جٌبلت على الأمل لأني أتنفسه في الهواء، استطعمه في الماء، أحسه في نور الشمس وألمسه في ظلام الليل..
ها هو العيد قادم الينا غدا وربما يحمل لنا هدية معه..ربما يفعلها الملك عبد الله حفظه الله ويخط بقلمه القرار ويصبح العيد عيدين لنا.. على بصيص ذاك النور الذي أراه واضحا في نهاية نفقنا المظلم أقتات وأعيش كل يوم بل كل ساعة..
لذلك قررت أن أشتري سيارة هذا العيد.. ستكون سيارتي الأولى التي اقتنيها بنفسي..أريدها حمراء متوهجة.. ذات طابع الجيب صنع ياباني..”فور ويل درايف” لكي تحثني على المغامرة واختراق رمال الصحراء.. سأملأها بالزهور الحمراء.. وألف كل مدننا الحبيبة لأهدي زهرة لكل امرأة حلمت وسعت إلى تحقيق حلمها.. سأقود سيارتي بنفسي لأذهب إلى مدينتي الأحساء لأزور قبر والديي وأزف لهما الخبر.. الحلم تحقق يا أمي.. الحلم تحقق يا أبي ..يا ليتكما كنتما معي لتشاركاني الفرح.. ثم سأعود لأصطحب منال وفوزية وديما وهيفاء وابتهال ونذهب معا إلى نزهة في البحر ونحلم من جديد بعالم أكثر سلاما وعدالة وحميمية ..
أقبل العيد وحان الوقت الذي تتحملن فيه النساء السعوديات مسؤولية قيادة السيارة.. وكل عيد” واحنا قدها.”..
salameyad@hotmail.com
كاتبة من السعودية