كنت معجبا أشد الإعجاب فى فترة صباى بمقالات “الإستاذ” هيكل بعنوان بصراحة فى الأهرام كل يوم جمعة، وكنت أعتبرها نافذة هامة لنعلم منها مايجرى حولنا، حيث كان لا صوت يعلو على صوت القائد والزعيم الملهم (بفتح الهاء) و”إستاذه” الملهم (بكسر الهاء)، وكنت أعجب باللغة الصحفية الرشيقة للإستاذ، عبارات كنا نقع ضحية لفصاحتها اللغوية مثل : “إرادة القوة… وقوة الإرادة” وهو كلام بكش لا يعنى أى شئ بالنسبة إلىُ الآن، وكان يهز البدن وقتها ثم أصبح يسم البدن الآن، ثم جاءت الهزيمة المروعة فى 1967 وكانت الأقسى على جيلنا وعلى أجيال أجدادنا وأجداد أجدادنا بل وسيظل تأثيرها إلى أحفادنا، ومن عبقريات “الإستاذ” اللغوية هو إطلاق إسم الدلع “نكسة” على الهزيمة وهو إسم فى الحقيقة عبقرى(مش عارف جابه منين إبن اللذينة)، وقد جعل هذا الإسم المصريون يتقبلون الهزيمة بصدر رحب على أساس أنها ليست هزيمة ساحقة ماحقة تستحق أن ينتحر كل قادة هذا النظام (بداية من كبيرهم الذى علمهم السحر ونهاية بقائد الجيوش ومرورا ب”الإستاذ”) ولكن الموضوع مجرد نكسة (وهى أشبه ما يكون بنزلة البرد تزول فورا فى خلال إسبوعين) وخاصة طالما بقت أعمدة النظام المهترئ والمهزوم كابسا على إنفاسا بعد التراجع عن مسرحية التنحى المشهورة، و “الإستاذ” بالنسبة لى شخصيا إنتهى فى نهاية يوم 5 يونيو 1967 ولكن جيل كامل من الصحفيين فى مصر وخارجها يعتبرون أنه لا يزال”الإستاذ” الأوحد والنجم الأوحد، وأنا شخصيا أعتقد أنهم مازالوا يعبدونه بهذا الشكل لأنه (حاجة من ريحة المرحوم).
…
و”الإستاذ” ربنا يعطيه الصحة وطول العمر يجب أن يدلو بدلوه فى كل شئ، إبتداء من أن “الصرب” هم من قاموا بجريمة 11 سبتمبر 2001 ونهاية بأن أوباما خلال زيارته الأخيرة إلى القاهرة لم يأكل الفطير المشلتت والعسل ، وقد عقد “الإستاذ” لقاءا صحفيا فى مزرعتة (الإشتراكية) فى منطقة برقاش (خارج القاهرة) (وهى إحدى المزارع التعاونية الإشتراكية والتى كان يوزعها الزعيم الملهم على أعضاء تحالف الشعب العامل من العمال والفلاحين)!! وفى خلال هذا اللقاء إنتقد”الإستاذ” أوباما وخطابه إنتقادا حادا، وهذا بعض ماقاله، ويسمح لى الإستاذ أن أرد عليه، معلهش ياإستاذنا : البركة فى الإنترنت التى جعلت كل من هب ودب يكتب وينتقد، فين أيام زمان لما كنت أنت الكاتب الأوحد (الله لا يعيدها أيام يا شيخ):
وصف الإستاذ بأن أوباما “رجل جاء من لا مكان ووصل إلى قمة العالم” ، وبعبارة أخرى يقصد الإستاذ أن يسأل: “إبن مين فى مصر أوباما ده؟”، يا إستاذى أوباما مثال حى يرزق للعصامية الأمريكية ولم يهبط بالبراشوت على سطح البيت الأبيض (مثل الذين هبطوا بالدبابات فوقنا وكبسوا على أنفاسنا ولا يزالون)، أوباما كان سيناتور فى مجلس الشيوخ وما أدراك ما مجلس الشيوخ الأمريكى بأعضاءه المائة ويمثل كل ولاية عضوين وكان هو أحد العضوين الذين مثلا ولاية إلينوى، ثم بدأ معركة شرسة للفوز بترشيح الحزب الديموقراطى وكان الكل مؤمنا بأن هيلارى كلينتون سوف تفوز بسهولة على أوباما ولكنهما أدارا معركة رائعة وإستطاع أوباما بحملته الخرافية فى اوساط شباب الجامعات الأمريكية على الإنترنت أن يجمع من الأموال ضعف ما جمعت هيلارى لتمويل حملته، وبعد أن فاز بترشيح حزبه أدار معركة وإن كانت أقل شراسة ضد ماكين، وإنتخبه الشعب الأمريكى ليس لأنه من أصول إفريقية أو لأن إسم أبوه حسين أو لأنه شاب، ولكنه إنتخب لأنه الأكثر كفاءة والأكثر علما والأفضل ذكاءا، وكانت لرسالته (نعم نستطيع التغيير) أثر السحر وخاصة فى أوساط الشباب، لقد ذكرت لى إبنتى إنها إنتظرت ثلاث ساعات فى طابور الإنتخابات لكى تنتخبه، وعندما فاز كلمتنى تليفونيا وهى تصرخ من الفرح :”لقد فزنا”!! أوباما يمثل هذا الجيل من شباب أمريكا.
ووصف “الإستاذ” أوباما بأنه: “شخصية قادرة على أن تحكى”، وكأنه جاء إلينا لكى يحكى لنا حواديت الشاطر حسن، ثم تساءل الإستاذ بعد أن عدد مميزات أوباما: “… أما إذا كان هو القوة الحقيقية ؟ فتلك قضية أخرى” الإستاذ ما يزال يعيش فى عصر القوة المتفردة، القوة الحقيقة فى أمريكا هو شعبها ومؤسساستها الدستورية وشركاتها العملاقة وعلماؤها وجامعاتها، الإستاذ عنده حق إوباما ليس القوة الحقيقية فى أمريكا، ولكنه شئنا أم أبينا فهو يمثل الشعب الأمريكى الذى إئتمنه على قيادة أمريكا.
ثم يستطرد الإستاذ بأسلوب العالم ببواطن الأمور قائلا بأن :”بأن هناك مؤسسة قوية إختارته للتعبير عنها” ، ولم يفصح لنا الإستاذ عن إسم تلك المؤسسة السرية القوية، لأنها ليست بالقطع مؤسسة المطاحن والمخابز، ورغم هذا فإننى أوافقه على ذلك فتلك المؤسسة القوية إسمها الشعب الأمريكى، وإسمها الحزب الديموقراطى والذى دخل أوباما الإنتخابات وفاز بها نيابة عن حزبه.
ويتهم الإستاذ إوباما وسياسته بأنه ليس هناك تغيير فى تلك السياسه ولكن على حد قوله :”هناك تغيير فى الرسالة وتغيير فى التعبير ولكن لا تغيير فى السياسات”، وأنا لا أوافق على ذلك فإن أوباما فى فترة أربعة أشهر نفذ وعوده: أصر على حل الدولتين بين إسرائيل وفلسطين، أصر على وقف بناء المستوطنات، إصراره على إغلاق معتقل جوانتانامو، التعجيل بالإنسحاب من العراق، وغيره من السياسات الداخلية الأمريكية، فيوجد تغيير حقيقى فى السياسات وليس مجرد تغيير فى التعبير.
والإستاذ بالرغم من إنكاره لنظرية المؤامرة إلا أنه كما هو معروف من أكبر المروجين لها، فهو يقول أن الضجة التى أثارتها زيارة أوباما إنما جاءت للتغطية على شئ آخر، ولم يوضح لنا هذا بدقة ما هو هذا الشئ الخطير والسرى الآخرالذى تغطيه تلك الزيارة، الرجل من أول يوم فى رئاسته قال أنه سوف يتوجه إلى عاصمة إسلامية لكى يوجه رسالة من الشعب الأمريكى إلى العالم الإسلامى، بل أن الإستاذ إدعى إلى أن زيارة الرئيس نيكسون إلى مصر عام 1974 جاءت للتغطية على فضيحة ووتر جيت، وهذه نظرية جديدة تؤيدها نظرية أحمد فؤاد نجم عندما غنى له الشيخ إمام:
شرفت يا نيكسون بابا يابتاع الووتر جيت
عملوا لك قيمة وسيما سلاطين الفول بازيت
والإستاذ لم يفته أن يهاجم شيخ الأزهر بسبب تصريحه بأن:”خطاب أوباما مس وجدانى”، وتساءل الإستاذ:”هل نريد خطابا يمس الوجدان، أم خطابا يمكن أن نناقشه بالعقل”؟ وكأنه لا يمكن أن يكون هناك خطابا يمس الوجدان وفى نفس الوقت يمكن مناقشته بالعقل.
وقد إختتم الإستاذ حديثه الصحفى بأنه قد علم من “مصادره الموثقة” بأن أوباما لم يأكل الفطير المشلتت بالعسل، وأن هذا إنما محض خيال أكلة الفول المدمس والفطير المشلتت!!
samybehiri@aol.com
• كاتب مصري- الولايات المتحدة
إيلاف