إيران: السقوط الأخلاقي

2

استخدام العنف المفرط ضد المحتجين على نتائج الانتخابات الرئاسية الإيرانية تثبت بما لا يدع مجالا للشك أن أنصار ولاية الفقيه المطلقة، أو الولاية السلطانية الفردية الموصوفة بالمستبدة حسب بعض النخب السياسية والثقافية الإيرانية وحسب الكثير من المراقبين، والتي رفع المحتجون ضدها شعار “الموت للديكتاتور”، هؤلاء نفذوا آية “وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة” و”ترهبون به عدو الله” بحذافيرها، من أجل الذود عن الولاية ولو عن طريق الفتك بالمختلفين معهم من أبناء جلدتهم ومن أبناء نفس المذهب، وممارسة القمع بحقهم بصورة لا تقل بشاعة عن القمع الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وفي نهاية الأمر قتل البعض منهم بصورة إجرامية، فما بالك لو كان ذلك المختلف غير ديني، بل وغير شيعي؟ فتاريخ أنصار الولاية المطلقة، أو الولاية السلطانية الفردية، في التعامل مع المعارضة الدينية، وغير الدينية، يشير إلى ضروة إرهاب من يهدد موقع الولاية استنادا إلى نص الآيتين السابقتين.

وفي حين يشير أبرزرموز الولاية المطلقة إلى موقع الانتخابات في حشد التأييد الشعبي لدور الأمة وموقعها الاستراتيجي، إلا أن ذلك لم يكن سوى ادعاءات الهدف منها حشد الشرعية لنظرية الولاية المطلقة. فلعبة الانتخابات في إطار النظرية ليست سوى دغدغة لمشاعر المواطن وسعي لكسب عطفه وصوته في سبيل تثبيت موقع الولاية وسلطان الولي في المجتمع. فإذا جاءت نتائج الانتخابات لصالح هذا التثبيت ومن خلال إرادة الأمة، توصف النتيجة بالإلهية، في حين لو جاءت النتائج في غير صالح هذا التثبيت ومعبّرة عن إرادة أمة تسعى لإضعاف الاستبداد ومراقبته ومحاسبته وصولا إلى تغييره، يتم اللجوء إلى المبدأ الفقهي الشهير “الضرورات تبيح المحظورات”، ويتم التلاعب برأي الشعب وتزويره وسرقته بهدف تأكيد موقع الولاية المطلقة، حتى لو سار ذلك في الضد مما تريده غالبية الأمة. فميزان رأي الأمة في موضوعٍ ما (كانتخابات الرئاسة مثلا) يكون مشروعا في حال لم يخالف رؤية الولي الفقيه لمصلحة الحكومة الإسلامية، أما إذا رأى الولي الفقيه أن رأي الأمة غير صالح في هذه المرحلة فسيتم تجاهله وتغييره استنادا إلى الآية “أكثرهم لا يعقلون”. هذا هو معنى ولاية الفقيه “المطلقة”.

إن الذي يميّز “الحكومة” الإسلامية عن “الجمهورية” الإسلامية، في إيران، هو دور الشعب من خلال مشاركته في الانتخابات. ففي “الحكومة” لابد أن تكون الانتخابات “شكلية”، معبرة عن بيعة الشعب لنظام ولاية الفقيه، ثم الطاعة المطلقة للولي الفقيه. في حين لابد أن تعبّر “الجمهورية” عن رأي الجمهور، ومن ثم على جميع السلطات، بما فيها سلطة الولي الفقيه، أن تخضع لرأي الجمهور أو إرادة الأمة. وفي تجربة الانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة بدا أن مفهوم الجمهورية يتناقض مع مفهوم الولاية المطلقة، بالتالي كانت احتجاجات الإيرانيين على نتائج الانتخابات، ثم قمع المحتجين من قِبل أنصار الولاية المطلقة، انعكاس لموقع الولاية المطلقة في الحكومة الإسلامية لا في الجمهورية الإسلامية.
ويقول المراقب السياسي حسن فحص في تحليل بموقع “شفاف” أن تطورات الانتخابات الايرانية كشفت عن صراع واضح بين اتجاهين أساسيين في الحياة السياسية لهذا البلد، أي بين أنصار “الجمهورية” تلامذة الإمام الخميني من جهة، وأنصار “الحكومة” الإسلامية المتحلقين حول المرشد آية الله علي خامنئي من جهة أخرى. وهو صراع حاول الإصلاحيون من الكتلة المؤسسة للثورة والدولة تأخيره أو قطع الطريق عليه وحماية إيران من الإنزلاق نحو قبضة حديدية دينية ستضعها على مسار يشبه المسار الذي أنتجته حركة طالبان، لكن هذه المرة بنكهة شيعية مع الفارق في بعض الممارسات.

لقد سكت أنصار الولاية المطلقة في إيران، وفي خارجها أيضا، عن الممارسات القمعية الوحشية التي جرت بعد نتائج الانتخابات الرئاسية من قبل حرّاس الولاية، أو حرّاس الفقيه، ضد المواطنين الإيرانيين الآمنين الباحثين عن الحقيقة والحرية. لقد اعتبر هذا السكوت عارا، وقد غلف شعار هؤلاء الذين ما لبثوا أن أرادوا إسماعنا إياه بصوت عال. كذلك كان معبّرا عن الازدواجية في الدفاع عن المسلم المظلوم، كاشفا زيف الفهم الديني – السياسي المبني بزعمهم على الدفاع عن المستضعفين، في حين أن اختبار تثبيت السلطة الفردية والدفاع عن السلطان المنصوب من قبل الله الآمر باسمه والمنزّه عن أي نقد وسؤال كانا سببين وجيهين لقمع المستضعفين. فالبعض يعتقد أن عملية القمع جرت بشكل رئيسي ردّا على الاحتجاجات ضد نتيجة الانتخابات الرئاسية، وهذا يمكن أن يكون إلى حد كبير صحيحا، لكن السبب الرئيسي في قمع الإيرانين واستخدام سياسة “التأديب” ولغة “التنكيل” ضدهم هو تحديهم لأوامر وسلطات الولي الفقيه الذي سارع إلى تأكيد نتيجة الانتخابات والوقوف إلى جانب المرشح المتشدد الرئيس محمود احمدي نجاد واعتبار نجاحه يوم عيد إلهي.
ثم هل يعقل أن الذين أمروا بالقمع والتنكيل ومارسوه، ورضوا به وسكتوا عنه، بل واعتبروه “واجبا شرعيا” للدفاع عن الحكومة الإسلامية وعن موقع الولاية المطلقة وسلطان الفقيه، هم ممن احترقت جبهتهم من الصلاة، وقضي وقتهم بالدعاء، وتنافسوا على أداء مناسك الحج وزيارة ضريح الرسول الأكرم ومقامات الأئمة؟ فهم في إطار هذه التجربة المريرة تجاهلوا تجربة إمامهم مولى المتقين مع مخالفيه. إنه امتحان السلطة الذي أفقدهم صوابهم وإيمانهم، بل هو الإيمان بالسلطة وبمكانة الفقيه والولاية المطلقة، لا الإيمان الروحي المجرد من أي “شرك” سلطوي.

لقد أثبت الشعب الإيراني من خلال الاحتجاجات التي تلت الانتخابات الرئاسية أنه يرفض “وصاية” رجل الدين الفقيه على أمور حياته السياسية، والاقتصادية والاجتماعية، وحتى الشخصية. لقد أرسل الشعب رسالة واضحة مفادها أن موقع رجل الدين الفقيه في المجتمع محدود في الأطر العبادية، وأن أي دور يتجاوز ذلك، وبالذات في المجال السياسي، سيساهم في فساد المجتمع. لقد أثبتت تجربة الحكومة الإسلامية في إيران أن هناك تناقضا كبيرا ما بين الديموقراطية واحترام رأي الشعب وبين رأي الفقيه المطلق أو الحكم الفردي، إذ لا يمكن الجمع بين إرادة الأمة والولاية الفردية المطلقة، لأن نتائج كل نهج تختلف عن الأخرى. فنتائج الانتخابات الديموقراطية لابد أن تفضي إلى حكومة تعكس إرادة الأمة، في حين أن نتائج الانتخابات المستندة إلى حاكمية الولي الفقيه تفضي إلى حكومة فردية يكون الرأي الأول والأخير فيها هو للفقيه السلطان. والانتخابات الشعبية التي تمارس في إيران إنما تنتهي في النهاية إلى ما يريده الولي الفقيه، وبالتالي لا قيمة لهذه الانتخابات ولا قيمة للديموقراطية في إطار سلطة الولي الفقيه. لقد أثبتت تلك الانتخابات أنه لا يمكن للمواطن الإيراني أن يثق برجل الدين، هو وأنصاره، الذين يخالفون أسس الديموقراطية والعملية الانتخابية. فرجال الدين وأنصارهم لا يشعرون بأي حرج إذا ما أرادوا انتهاك القوانين التي تتحكم بمفاصل الحياة الدستورية إذا كان ذلك ينتهي إلى مصلحة دينية يتبناها الولي الفقيه، بل هم يحثون الآخرين على ذلك خدمة لفهمهم الديني التاريخي المصلحي، كما لا يمانعون من استخدام الوسائل غير الأخلاقية، كالكذب والخيانة والوصاية وممارسة العنف ضد الآخر، حتى يدعموا مشروعهم الديني في المجتمع ويحافظوا عليه. فبدلا من إخضاع القلوب لمشروعهم، يسعون إلى أسر أفراد المجتمع في سجنهم الديني الفقهي للسيطرة عليهم والتحكم بمفاصيل حياتهم. فهم يرفعون شعار القيم الأخلاقية، ولكن أثناء اختبار الانتخابات يدوسون، هم وأنصارهم وكتّابهم، على أبسط تلك القواعد التي تحث عليها الأديان.

ssultann@hotmail.com

* كاتب كويتي

2 تعليقات
Newest
Oldest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
عقيل صالح بن اسحاق  فنان تشكيلي - موسكو.
عقيل صالح بن اسحاق فنان تشكيلي - موسكو.
14 سنوات

إيران: السقوط الأخلاقي
(تهديد حزب الله للولايات المتحدة أكبر من القاعدة)

http://www.middleeasttransparent
.com/spip.php?article7286&lang=ar&id_forum=7739#forum7739

عقيل صالح بن اسحاق  فنان تشكيلي - موسكو.
عقيل صالح بن اسحاق فنان تشكيلي - موسكو.
14 سنوات

إيران: السقوط الأخلاقي لعبة العدالة الغربية ” Fair Play”(2) . الواقعية الوهمية السوفيتية عند المسلمين ! إن الصور والمشاهد التي تأتي من طهران كل يوم ومنها المرفقة للنص “فاخر سلطان” يعطي لنا انطباع بان مثل هده الإحداث لا تجري إلى في المجتمعات اللبرالية , أوروبا المسيحية, الكافرة , ولكن أمر مرفوض في البلدان العربية أو الإسلامية, لأنها أنظمة تترجم على واقعنا المتخلف تعليمات الله , مباشرة من السماء السابعة, لهدا مصونة من الأخطاء ,الظلم, والتزوير في الانتخابات . وفي الحقيقة الأمر باسم الله والدين ترتكب اكبر الجرائم, أمس, اليوم, غدا أيضا وهدا أمر خالي من الشك إطلاقا. إن باسم الله… قراءة المزيد ..

Share.

اكتشاف المزيد من Middle East Transparent

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading