من تجربتنا في “الشفاف” كنا دائماً نعتقد ان الكاتبات السعوديات أفضل ما في الثقافة السعودية المعاصرة، ولن نعطي أسماء لأن القائمة تطول! جميل أن تنضم هيفاء المنصور لقائمة السعوديات المبدعات، ويدعو للفخر أن يحظى فيلمها بتقدير عربي ودولي.
الحديث معها أجراه صلاح بخات في فريبورغ لموقع “سويس إنفو”
هي أول مخرجة سينمائية سعودية، وصاحبة أول فيلم روائي مطول يُصوّر داخل المملكة. لا ترتدي الحجاب وتلبس الجينز وأحذية كونفرس. هيفاء المنصور تثير الدهشة والفضول أينما حلّت.
swissinfo.ch التقت بها عشية تسلمها “جائزة الجمهور” عن فيلمها “وجدة” في الدورة 27 لمهرجان فريبورغ السينمائي الدولي.
يروي أول فيلم روائي سعودي (إنتاج سعودي ألماني مشترك) قصة طفلة اسمها “وجدة” تعيش بمفردها مع أمها منذ أن غادر أبوها البيت العائلي بحثا عن زوجة ثانية تنجب له ولدا. تحلم وجدة بامتلاك دراجة خضراء وكسب سباق ضد فتى من الحي على الرغم من استهجان مجتمعها لركوب الفتيات الدراجات. ولتحقيق حلمها، تقرر وجدة المشاركة في مسابقة لحفظ وتجويد القرآن تقدم جائزة نقدية سخية. لكن مغامرتها لا تخلو من المفاجآت.
“وجدة” طفلة لعوبة وذكية وسريعة البديهة، كما أنها تميل إلى تحدي قواعد المجتمع الإسلامي. تُفضل ارتداء أحذية “آل ستار” وسماع موسيقى البوب روك الأمريكية، وهي في ذلك تشبه إلى حد كبير شخصية مخرجة الفيلم، هيفاء المنصور، التي تؤكد على أنها تريد إسماع صوتها دون إحداث تصادم مع مجتمعها السعودي الذي تفتخر بالانتماء إليه.
swissinfo.ch: مظهرك يتناقض تماما مع صورة المرأة السعودية في أذهان الغربيين أو حتى العرب…
هيفاء المنصور: طبعا، لا يتوقع الناس هذا الأمر من فتاة سعودية، خاصة وأنني سعودية تماما! لقد تربّيت في محافظة الزلفي الصغيرة بالرياض التي ينحدر منها والدي رحمه الله. ولكن المرأة السعودية تغيرت كثيرا في الواقع، وبات الآن في المملكة العديد من كاتبات القصص والمقالات والنساء العاملات بالمجالين الإذاعي والتلفزيوني.
حتى مظهر المرأة في السعودية بدأ يتغير بحيث لم يعد يقتصر على ذلك الشكل الوحيد المتداول في نشرات الأخبار، والذي تبدو فيه النساء بالزي السعودي التقليدي والنقاب. فهنالك المرأة المحجبة والمرأة كاشفة الوجه. أصبح تنوع في المظهر وتنوع في الفكر. والسعودية أساسا ابتدأت تتغير من بلد محافظ جدا إلى بلد أكثر اعتدالا ويوجد فيه أكثر من صوت.
ومن أين جاء اهتمامك بالأفلام وولعك بالفن السابع عموما؟
هيفاء المنصور: أنا واحدة من 12 أخ وأخت. ومنذ صغري، كان والدي وأهلي يُـسَلـّونـنا بأفلام VHS. شاهدت الكثير من الأفلام؛ أفلام بروس لي، وأفلام هندية ومصرية وأمريكية. كانت السينما والتلفزيون بالنسبة لنا متنفسا للخروج من هذا المكان الصغير ورؤية ما يحدث في الدنيا. لذلك فإن حبّي للسينما والأفلام كبير جدا منذ طفولتي.
وعندما كبرت ودخلت سوق العمل، أدركت أن الأوضاع صعبة أحيانا بالنسبة للمرأة السعودية التي تشعر بأنها غير مسموعة. انتابني إحساس عميق بأن صوتي مفقود. وبحثت في أعماقي وفي حياتي عمّا يسعدني، وكانت السينما أكثر شيء أسعدني، فأنجزت فيلما قصير وترشّحت لمسابقة أفلام في أبو ظبي بالإمارات العربية. فتم استدعائي بمناسبة عرض الفيلم، وأول ما دخلت قالوا لي “أنت أول امرأة من السعودية تنجزين أفلاما! أنت أول سينمائية سعودية! أول مخرجة سعودية!”.
وصحيح أنك تُعتبرين رائدة في بلد لا توجد به أصلا دور سينما…
هيفاء المنصور: نعم طبعا، أنا أحمل لقب أول مخرجة سعودية بكثير من الفخر، وأتمنى أن تُلهم صناعة الأفلام الشباب لإنجاز أشرطة أخرى، وأن تلهم النساء لتؤمنّ بأنفسهن وقدراتهن، ولتحاولن دائما إيجاد صوتهن. لا يمكنني القول أن السينما بدأت في السعودية، ولكن هنالك ثقافة سينمائية بدأت تتأصل في المجتمع، بحيث صار الناس يعرفون ما معنى فيلم قصير، وما معنى فيلم وثائقي، وأصبح لدينا عدد من المخرجين المعروفين بأفلامهم الوثائقية مثل عبد الله العياف، وغيره ممن يصنعون أفلاما ويضعونها على الإنترنت لتصبح متاحة لعامة الجمهور، لاسيّما في أوساط الشباب الذي أصبح يهتم أكثر بالسينما ويتعاطى أكثر مع الأفلام القصيرة والوثائقية بصفتها وسيلة للتعبير.
لكن السينما كصناعة لم تجد بعد طريقها في السعودية، وأتمنى أن يفتح فيلم “وجدة”، وهو إنتاج سعودي ألماني مشترك”، الباب لإنتاج أفلام أخرى من السعودية لأن غياب دور العرض يؤثر على الصناعة، بحيث يصعب على شركات الإنتاج الاستثمار في فيلم في بلد يفتقر إلى سوق السينما، فمن المهم بالتالي أن ننفتح على السوق الدولية، وأن ننجز أفلاما تعبر عنّا. كما أن الإنتاج المشترك مهم جدا نظرا لعلاقته بالجودة واكتساب الخبرات.
كيف وجدت “وجدة” الفكرة و”وجدة” الطفلة المذهلة بتلقائيتها؟
هيفاء المنصور: في البداية، حاولت أن أصنع فيلما عن مدينتي، وعن أهلي ومدرستي، فكانت الانطلاقة من فكرة هذه الطفلة التي حاولت أن أمنحها روحا، وهي تشبه كثيرا ابنة أخي الصغيرة التي تتمتع بنفس روح المرح وحب الحياة والتلقائية، وكان صعبا العثور على طفلة لديها نفس الروح الموصوفة في السيناريو. بحثنا كثيرا، وكانت المهمة شاقة خصوصا أنه لا توجد في السعودية إمكانية الإعلان عن “كاستينغ” في المجلات والجرائد. لذلك اعتمدنا على شركات الإنتاج الصغيرة في السعودية التي دائما تعثر على أطفال يغنون ويرقصون في الأعياد، وفي مهرجان الجنادرية [الثقافي والتراثي في السعودية] وفي احتفالات من هذا القبيل.
وكانت وعد محمد من البنات اللاتي يشاركن في نشاطات مسرح محلي بسيط. والتحقت بنا في وقت متأخر لأننا لم نكن قبل أسبوع من التصوير قد عثرنا على الطفلة التي ستؤدي الدور الرئيسي، وعندما جاءت كانت تلبس جينز وأحذية “آل ستار”، وعلى رأسها سماعات تنبعث منها أغاني الأمريكي جاستين بيبر. ومع أنها لا تتكلم الإنجليزية، فإنها تنتمي إلى ثقافة الشباب العالمية التي تكونت مع انتشار الإنترنت والفيسبوك، والتقنيات الحديثة التي غيرت حياتنا.
وماذا عن “وجدة” التي تقترن أساسا في الأذهان العربية بمدينة مغربية؟
هيفاء المنصور: وجدة تأتي من الوجد، بمعنى الحب والولع، وهي كلمة غير شائعة في اللغة العربية بحيث نستخدم أكثر كلمتي الحب والعشق. ورغبت في استخدام هذا الوصف غير الشائع لأن “وجدة” فتاة لا تشبه أحدا، بل تشبه نفسها. فهو اسم يحمل قدرا كبيرا من الحب، ولكن كان غريبا على السعوديين، وكان صعب النطق على الألمان وعلى السويسريين، وبالتالي أصبح يشبه الفيلم، أي أصبح له وقعه الخاص (تضحك).
فريق التمثيل سعودي بالكامل، لكن الممثلات يؤدين أدوارهن بدون حجاب، كيف يمكن تفسير هذا التناقض؟
هيفاء المنصور: في الحياة العادية، تُلزم النساء بارتداء الحجاب والعباية، ولكن في التلفزيون السعودي يحق لهن أداء أدوارهن داخل الاستوديوهات بدونهما. المجتمع السعودي مليء بالتناقضات، ولكن بشكل جميل. أكيد أن السعودية بلد محافظ، ولكن السعوديين تحت كل هذا الغطاء أناس عندهم إحساس، ويحبون الفكاهة والمرح والحياة. تحت هذا الغطاء الذي يظهر السعودية فقط في السياسة، هنالك بشر مختلفون.
هذا الإحساس نلمسه في طريقة معالجتك لمواضيع شتى في “وجدة”، من زواج قاصرات، وهجرة سرية، حرية الحركة المحدودة للنساء…تطرقت لملفات ساخنة ولكن بليونة. كيف توصلت لهذا التوازن؟
هيفاء المنصور: هذا صحيح. أنا حاولت إنجاز فيلم يحفظ صوتي كمخرجة وكاتبة، دون أن يتصادم مع الحضارة السعودية وثقافتها المحافظة التي تهاب الفيلم وتخشاه. بالنسبة لي، كان من المهم جدا أن أصنع فيلما عندما يشاهده السعوديون يشعرون أنه يتحدث عنهم ولا يتصادم معهم ويُنفرهم من السينما. وهذا صعب لأنني جلست طويلا أفكر في كيف ستكون ردة فعل الناس على هذه الكلمة أو ذاك المشهد أو تلك الجملة، حاولت دائما أن يكون هنالك احترام للثقافة، ومن المهم جدا أن ينبع العمل السينمائي من داخل بيئته.
خلال كتابتك للفيلم وتصورك له عموما، مارست نوعا من الرقابة الذاتية، هل كان بودّك معالجة مواضيع وما استطعت ذلك؟
هيفاء المنصور: بالنسبة لي، لا تعني الرقابة الذاتية عدم تمكني من معالجة مواضيع كنت أود التطرق إليها ولم أتمكن، بل تتمثل في كيفية إيصال صوتي واحترام المكان الذي انحدر منه. الرقابة الذاتية تعني لي إمكانية صنع فيلم عن المرأة، وعن الحرية، وعن تمكين المرأة في المجتمع وما إلى ذلك، ولكن بطريقة يقبلها ذلك المجتمع.
هل لديك أصداء عن ردود الفعل في السعودية على الفيلم؟
هيفاء المنصور: لا أعرف بعد ما هي ردة فعل السعوديين في المملكة، ولكن في مهرجان دبي السينمائي حيث فزنا بأفضل فيلم وأفضل ممثلة [2012]، كان جميلا جدا رؤية العدد الكبير من السعوديين الذين قدموا خصيصا لمشاهدة الفيلم. وعندما ذهبنا إلى مهرجان البندقية السينمائي الدولي [حيث فاز فيلم وجدة بـ 3 جوائز عالمية خلال الدورة 69 عام 2012] كانت تغطية إعلامية جيدة في الصحافة السعودية وهم في رأيي شعروا بالانتماء للفيلم وطابعه الحميم. فالدراما تكون أحيانا عبارة عن ماكياج وألوان صارخة، ولكن هذا الفيلم كان بسيطا وحميما وهم ربما تفاجؤوا بشفافيته فحظي بقبولهم.
ولمَ اخترت الدراجة؟
هيفاء المنصور: بالدّراجة حاولت أن أبيّن التوتر بين الحداثة والتقاليد في السعودية. بالنسبة لي تحمل الدراجة معنى التسارع والحرية والانطلاق، ولكنها تظل لعبة ناعمة في آخر المطاف، وليست بشيء صادم، وهذا بالنسبة لي أمر مهم ويصب في طريقتي في الكتابة. فأنا لا أحاول أن أكون صارخة ولكن أحاول إسماع صوتي بهدوء، أحاول خلق الحوار أكثر من إثارة التصادم. من المهم جدا إقامة حوار مع الآخرين ومع المحافظين في السعودية. ليس الهدف التصادم بل الاحترام والتبادل بين بعضنا البعض.
أسرتك تبدو على قدر كبير من الانفتاح بما أنك متزوجة من دبلوماسي أمريكي. هل واجهت الكثير من الصعوبات؟
هيفاء المنصور: كانت هنالك صعوبات، ولكن أختي الكبيرة متزوجة من أجنبي وهي من واجهت صعوبات أكثر لإقناع العائلة. والعائلة في السعودية لا تنحصر في نطاق الأسرة الصغيرة، بل هي أيضا الأهل والعشيرة، وجميعهم كانوا متحفظين بعض الشيء.
نحن نعيش الآن في البحرين حيث يعمل زوجي كملحق ثقافي [في السفارة الأمريكية]، واخترنا هذا البلد كي نكون قريبين من الأهل ولأنني أرغب في أن يتعرف طفليَّ على ثقافــتي السّعودية. ونحن نتمنى العودة إلى بلدي للعيش فيها وسط أهلي مع أنني أعلم أن السعودية صعبة بالنسبة للمرأة وأن حرية الحركة محدودة فيها، ولكنها تظل بلدي، وأزورها مرارا للقاء أمي وأيضا لاستلهام الأفكار لأن المجتمع السعودي كله مواضيع، فهو متشعب ومعقد ومركب، ويزخر بأشياء كثيرة تعتبر تربة خصبة للقصص.
بأي سعودية تحلمين؟
هيفاء المنصور: بلد يكون فيه تسامح، وأخوة، وقبول، وتعايش بين الجميع، ويكون فيه مكان أكبر للمرأة في الحياة العامة.
إصلاح بخات – فريبورغ- swissinfo.ch
*
هيفاء المنصور.. صوت سعودي فريد
هي من مواليد 10 أغسطس 1974 بالمملكة العربية السعودية. ابنة الشاعر والمفكر السعودي عبد الرحمن محمد منصور. تابعت تعليمها في المدارس الحكومية السعودية إلى مرحلة الثانوية، ثم انتقلت إلى الجامعة الأمريكية بالقاهرة حيث حصلت على باكالوريوس في الأدب الإنجليزي المقارن.
عادت إلى السعودية حيث عملت لمدة ثمان سنوات، وأنجزت ثلاثة أفلام قصيرة “من؟”، “الرحيل المر”، و”أنا والآخر”. ثم التقت بزوجها الدبلوماسي الأمريكي الذي تعرفت عليه خلال عرض فيلمها الوثائقي الأول “نساء بلا ظل” الذي حصل على جائزة الخنجر الذهبي بسلطنة عمان وعلى إشادة دولية.
المخرجة السعودية والدبلوماسي الأمريكي أحبا بعضهما وتزوجا ثم أقاما في المملكة فترة بسيطة قبل أن ينتقلا إلى أستراليا حيث عين الزوج. وفي جامعة سيدني، حصلت هيفاء المنصور على ماجستير في الإخراج السينمائي والنقد، ثم ذهبا إلى واشنطن دي سي وبعدها إلى البحرين حيث يقيمان مع ابنهما وابنتهما.
أعمالها تقابل بالإشادة والذم في السعودية لتشجيعها للحوار حول مواضيع حساسة مثل التسامح وأخطار التقيد الصارم بالتعاليم، وحاجة السعوديين إلى إلقاء نظرة نقدية على ثقافتهم.
وتشتهر هيفاء المنصور في أعمالها السينمائية والتلفزيونية وفي الإعلام المكتوب باختراق جدار الصمت المحيط بحياة النساء السعوديات ومنحهن منصة لإسماع صوتهن.
*
“وجدة” وصعوبات التصوير في السعودية
لم يخل تصوير أول فيلم روائي في السعودية من المتاعب، بحيث قالت هيفاء المنصور في حديثها إلى swissinfo.ch: “إن التصوير كان صعبا لكن مُلهما بالنسبة لي”. وما كان معقدا بشكل خاص هو تصوير المشاهد في الشارع، بحيث اضطرت المخرجة إلى إدارة الممثلين من داخل شاحنة باستخدام شاشة والأجهزة اللاسلكية “تولكي وولكي”.
ونظرا لغياب صناعة السينما في السعودية التي توجد بها بالأحرى إنتاجات درامية تلفزيونية، عين فريق “وجدة” منتجا تلفزيونيا ساعده في الحصول على تصريح لتصوير الفيلم الروائي. وتقول هيفاء المنصور: “يجب التذكير بأن الثقافة نفسها في المملكة هي محافظة وترفض الفيلم، علما أن المجتمع السعودي غير مختلط، وكان صعبا أن أنزل في الشارع للتصوير وابتعدت عن ذلك قدر المستطاع، ولكن صعوبة التصوير هاته جعلتني أعمل أكثر على تطوير نفسي وأدواتي، والتفكير دائما في كيفية تلخيص المشهد لكي يفهم الممثلون قلبه وروحه، فإذا ما ابتعدت عنهم يكونوا قد استوعبوا ما المطلوب منهم بالضبط”.
هيفاء المنصور: بالدّراجة أبيّن التوتر بين الحداثة والتقاليد في السعودية
بحكم انه مجتمع ذكوري فان كلمة الشفاف اعلاه غير محايدة ونذكر الشفاف بانه لولا فئة من الرجال السعوديين المجهلوين مؤمنه ومقتنعة بما تقوم به النساء في السعودية من نشاط في كل المجالات لما قامت لهن قيامة والمرأة في السعودية اول من تعرف ذلك ولا تصطادوا في الماء العكر.