اذا كانت الاسلحة المنقولة في الشاحنة الطيبة الذكر مخصصة للمقاومة (التي تقول انها تستمد مشروعيتها من بيان وزاري لحكومة ينكرون عليها شرعيتها بل وجودها) فلمن الشعير اذاً ولماذا النخالة، بل لماذا “التمويه”؟
الديمقراطية – كما يُعرّف عنها – هي الحكم الصادق، أي الذي لا يحتاج الى “تمويه” بين أفرقائه ولو تعارضوا في توقهم الى التناوب في الحكم… فهل هي هكذا، ديمقراطيتنا اللبنانية المسكينة التي تتدحرج، من “تمويه” الى آخر، على طريق الشام، وصولاً الى الجنوب، مروراً بالضاحية حيناً وبمخيمات الوسط “التجاري”(!!) أحياناً أخرى؟.
• • •
تحيتنا الى وزير الدفاع الشاب الشجاع الذي رفض ان يدخل في لعبة “التمويه” هذه، يدفن فيها البقية الباقية من “الدستورية المتفركشة” بفضل الرئيس الفاقد شرعيته، فيمضي يعوّض ذلك بسربلة حتى المظاهر المتبقية من الشرعيات الاخرى. وهذا ما تصدى له وزير الدفاع – المِن “أهل البيت” حتى الأمس القريب – عندما أخرج الجيش من “الوعكة الصحية” التي كانت قد أصابت قائده صدفة، ستة أشهر بالضبط قبل حلول موعد انتخابات رئاسة الجمهورية… فيا لها من صدفة كان يستحيل على وزير نجا من الجحيم ان يصدّق انها بريئة!!! والناس في الشوارع وعلى ساحات المنازلة السياسية تنتظر من الجيش ان يحميها مداورة بعضها من البعض الآخر.
• • •
ويستعيد الجيش دوره الحق عندما يتصدى للجيش الاسرائيلي على خط “ازرق” يريد العدو تذويب لونه حتى تذوب معه حدود سيادتنا وشرعيتنا الدولية.
المعذرة من كل من يجرحه “سوء ظنٍ من حسن الفطن”… حسبنا عذراً اننا، في لبنان وعالمه العربي لا نزال اسرى هاجسين من ماضينا القريب: ان نصاب بهزيمة، فيدّعي قائد ان الحكم المدني هو الذي انهزم أمام العدو وليس الجيش، لأن الحكم لم يهيئ للجيش وسائل الحرب… فينقلب الجيش على الحكم (صارخا: “الجيش هو الحل” كما في كتابٍ لعونٍ ما!!!) ويتسلم السلطة وينفق الأموال على أسلحة يتبيّن في ما بعد انها لا تجدي نفعاً، بل هي على العكس تحرم الدولة الانفاق على الانماء والترقية والتثقيف… ومن غير انتظار هزيمة أخرى، ينقضّ قائد احمق على القائد “الثوري” السابق له… كما في سوريا والعراق الى حين وصول صدّام الخ…. وهكذا دواليك حتى تسقط كل قواعد الاستقرار… ويكتشف الاميركان (دائماً هم!) في ڤيتنام وما اليها ان الحكم العسكري، في الدول النامية، هو قاعدة “الاستقرار” الدائم كما في عراق صدام حسين وسواه ممن هم مثله استبداداً…
ملاحظة: طالع كتب “شستر بولز” مساعد ناظر الخارجية الاميركية في الخمسينات… وراجع اعترافات صدّام اياه (الاعترافات – الاتهامات) عن علاقاته السابقة بالاميركيين في ايام عزه.
• • •
أما الهاجس الثاني – بل “الكابوس” الحيّ – فأن يقال، كما في أواخر الستينات وأوائل التسعينات من القرن السابق ان الجيش تنازل عن محاربة العدو والاحرى ان تتولى “مقاومة” هذا العدو فصائل ثورة ما، فلسطينية أو لبنانية “تستنقل” حرب اسرائيل الى داخل الحدود، حرباً بديلة وتقتطع لهذه الحرب “فتح – لاند” بموجب اتفاق يوقعه قائد جيش كثير الطموح انما ليس الى القتال… وينتهي الأمر بأن يُمنع الجيش حتى من… مجرد “الانوجاد” في الجنوب بكامله، ثم تشرذمه حرب أهلية مجهولة اسباب انطلاقتها وظروف اشتعالها (ببوسطة ولو غير “مموّهة” كما عام 1975 حين لا تكون ثمة شاحنة ولا حاجة الى شعير)… ويصير الجنوب الفالت في عهدة سوانا مسرحاً لاجتياح أول فثانٍ وثالث… ويصوّر العدو لضابط متهوس انه يمكن ان يكون مؤسس لبنانٍ مصغّرٍ هو “لبنان الحر”!!! الى أن نضطر الى اللجوء الى الأمم المتحدة وقوة متعددة الجنسيات لنسقط الشرعية “الحرة” الزائفة!
• • •
ماذا الآن؟
هواجسنا لا تزال هي اياها ومتزايدة، ولو طمأننا امين عامٍ للجامعة العربية طيّب النية الى ان لا خطر علينا من انتقال الحرب الاهلية الفلسطينية الى أرضنا بفعل استمرار شقيقة عربية عزيزة، انما قليلة التحسّب لا تدرك ان الأخطار التي تهددنا ولو كانت هي التي تطلقها من عقالها (كأن تصرّح انها “لا تزال تؤيد المقاومة” في عزّ التفاهم الفلسطيني على حكومة اتحاد ووقف العنف…) ستنقلب عليها وتهدد سلامتها هي تبعاً لسلامتنا… وربما قبلها!
هذا أولاً… وثانياً: ان الجيش الذي يتشجّع على التلكؤ عن تسلّم أرض الوطن وحدوده، ثم عن حماية سلامة المواطنين وأمنهم وحقوقهم، “يحيّد” نفسه فتتآكله اذذاك الهرولة وراء سراب الحكم “العسكريتاري” بحجة انه اذا لم يكن هو الحاكم، فلا قدرة ولا التزام للدفاع عن الشرعية والدستور والوطن.
واذذاك، كما في بلاد اخرى كثيرة سوانا، ينهار الحكم.
والمفاجأة الكبرى ان الجيش بالذات، وقياداته كلها، تذهب ضحية هذا الانهيار ولا من يحميها أو يبقي عليها.
… وتتحول الهواجس التي لم نأبه لها ولم نتنبّه الى “الكابوس” المدمّر القتّال، يستقر في كل بقعة وكل جسم، بل كل حزب.
وعلى الدنيا السلام!
* نقلا عن صحيفة “النهار” اللبنانية