كان الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح دعاني إلى زيارة الكويت، واتصلت به بعد الانتخابات وقلت له إن عنده مجلس أمة جديداً، وحكـومة مستقيلة وأخرى قادمة، وأضفت مهاذراً أن عنده معارضة خفيفة ظريفة يتمنى أي رئيس دولة أن يكون عنده مثلها. كلها أمور أهم مني لذلك وعدت الأمير بأن أعود عندما تهدأ الأحوال.
سألت الشيــخ ناصر المحمد الأحمد الصباح عن سر تشنج المعارضة وقال لي اكتب: كل دكتاتــور جبان، كل مغرور جاهل، والغرور قاتل.
اتصلت بالأخ جاسم الخرافي للسلام وسؤاله عن الانتخابات ونتائجها، وهو تمنى أن يكمل المجلس الجديد مدته إلا أنه توقع أن تستمر المعارضة الخاسرة في مواقفها السلبية.
بصراحــة لا أفهـــم أسباب تشنـــج المعارضـــة في بلد يمــلك كـــل مقومات النجاح مثل الكويت، ولا أفهم وجود أحمد السعدون وأحمـــد الخطيب في صفوف المعارضة، وتأييدهما المقاطعة، فكل منهما أرقى فكراً وأفضل تاريخاً وطنياً من زعماء المعارضة الحالية مجتمعين.
من قادة المعارضــــة مسلم البراك، وكنت أسميه مسيلمة البراك إلا أننــــي قررت في النهاية أنه لا يـكـــذب وإنما هو أهــــوج عنيد يسبق لسانــــه عقله، وقد تسبب في خسارة المطير أي تمثيل لأبنائها في مجلس الأمة للمرة الأولى منذ الاستقلال. (أرجو أن يكون مفهوماً أنني أتحدث عن رجل واحد وليس عن قبيلة، وأعرف طالبة دكتوراه مطيرية ينافس ذكاؤها جمالها مع أخلاق رفيعة، فيتمنى كل أب أن تكون له ابنة مثلها).
مسلم البراك جعل قضيته الفساد ولا يزال مع أن المحاكـــم الكويتية ردت اتهامات الإيداعات المليونية والتحويلات إلى الخارج. والمحاكم أصدق من نائب حالي أو سابق. وهو الآن يريد مرسوم ضرورة لقانون الذمة المالية وهيئة مكافحة الفساد. بل أنه وصف المجلس الجديد بأنه «مسخ»… يعني ألا توجد مرآة في بيته.
لا بد أن في الكويت فساداً كما في كل بلد في العالــــم، غير أن مركز الكويت في مؤشر الفساد العالمي جيد فهو المركز 54 من 182. أي أنها بين الربع الأول والثلث الأول من دول العالم. وكنت أتمنى لو أن المعارضة تركز على التنمية بدل محاربة طواحين الهواء، وألا تتهم الحكومة وهي تقدم استجواباً لرئيس الوزراء يوم دخوله البرلمان، وقبل أن يقول شيئاً أو يفعل، أو تقدم أربعة استجوابات في يوم واحد، وتعطل عمل الحكومة ثم تتهمها بعدم الإنجاز.
هناك الآن مجلسا أمة في الكويت واحد في قاعة عبدالله السالم الصباح والآخر في الشارع، والأول يواجه امتحاناً عسيراً وسيحكم عليه أو له على أساس أدائه، والثاني يتصرف بعقلية الشارع، فالمعارض الذي قال لرئيس الوزراء «برّه، إرحل» رحل هو، والمتظاهرون في «كرامة وطن 3» الذين هتفوا «الصوت الواحد باطل» و»الشعب ما يبي الصوت الواحد» لم يفعلوا سوى أن يعلنوا على رؤوس الأشهاد أنهم يجهلون تعريف الديموقراطية، ناهيك عن ممارستها، ولا يستحقون أن يمثلوا شعب الكويت.
أكرر اليوم ما قلت أمس فأنا أدين أساليب المعــارضة وغوغائية مواقفها، ولا أنكر أبداً أن الديموقراطية في الكويت يمكن تطويرها وتحسينها، وأن محاربة الفساد، كبر أو صغر، ضرورية وواجب، وأن المساواة بين أطياف المجتمع في أساس الديموقراطية التي تمنع تهميش أي مجموعة من المواطنين.
لعل مجلس الأمة الجديد يكمل مدته، كما يريد الأخ جاسم الخرافي، إلا أنني لا أتوقع هذا، ومع ذلك أتمنى أن يفاجئنا بمدته وإنجازاته. وقد وجدت فيه وجوهاً جديدة كثيرة، بينها نسبة عالية من حملة الماجستير والدكتوراه. وتوقفت عند العضو الجديد صفاء الهاشم وشجاعتها في إبداء رأيها فهي هاجمت الإخوان المسلمين المحليين، وقالت إنهم يحاولون إذكاء الفوضى وزعزعة الاستقرار من وراء الستار، وتحدثت عن تمويلهم ومصادره، وقالت: سأجفف منابعهم. وأنا أؤيد العضو الجديدة الشجاعة وأنتظر التنفيذ.
ختاماً، كانت انتخابات نزيهة في بلد يملك كل أسباب الاستقرار والتقدم، مع قيادة حكيمـــة جعلت الكويت مثلاً يُحتذى في كـــل بلـــد عـــربـــي، والعقــل مـــوجود، فلا يبقى سوى التعقل وشكر الله صباح مساء على ما أنعم به على الكويت.
الحياة