هناك منطق جديد يحاول تفسير الصراع الحاصل في لبنان فيجعل منه صراعاً بين السني والشيعي؟ ويطالب المسيحيين بالبقاء على الحياد حيال ما يجري.
هل يجب على المسيحي ان يكون على الحياد في ما يجري في لبنان؟
وهل ضحى المسيحي بالعلمانية الغربية حقاً عند قبوله بالدولة اللبنانية المتنوعة والحاضنة لمختلف مكوناتها الطائفية والاتنية والدينية؟ وهل يوافق رجل الدين المسيحي حقاً على تطبيق العلمانية إذا ما وافق رجل الدين المسلم على تطبيقها وتخلى عن الدولة الدينية؟
وهل الدولة في العالم العربي دولة ثيوقراطية؟ ثم ماذا تعني العلمانية؟
أسئلة يطرحها من ينسب نفسه إلى الفئة التي تريد دولة علمانية – ليس بمعنى الابتعاد عن الدين أو الايمان- بل بمعنى الفصل الحقيقي بين الدين والدولة والعمل على إلغاء الطائفية بجميع تمثلاتها في السلطة عندما تستقر الدولة القوية والعادلة والتي تعامل الجميع بالمساواة التامة.
لذا يجعلنا ذلك نعود إلى السؤال الجوهري: هل كان الحكم الاسلامي التقليدي يعدّ ثيوقراطياً؟ أم أن ذلك طموح الإسلام السياسي المعاصر الذي وضع على أجندته جعل الحكم دينياً أو ثيوقراطياً ومن دون أي مشروع اجتماعي؟
هذا ما يشير إليه سمير أمين في بحثه حول المشروع الاسلامي الثيوقراطي المعاصر، وإلى أن الدين الإسلامي التوحيدي يختلف عن الطرح المستجد من ناحية وعن الدين اليهودي من ناحية أخرى ، في أن الأخير يتوجه إلى شعبه فقط، بينما يتوجه الإسلام، وبكل وعي، إلى الإنسانية جمعاء. ولقد برهنت الفتوحات التي تلت، هذه النزعة العالمية. والإسلام في مرحلته المدينية، لم يقتصر على كونه عقيدة دينية فقط، بل ساهم في تنظيم المجتمع؛ لكنه احتفظ بكل العلاقات الاجتماعية الخاصة بالمجتمع العربي لتلك الحقبة. فهو لم يغير في أشكال تنظيم العمل، أو الملكية، ولا قطع مع العلاقات القبلية، ولم يغير في شرعية القوى السائدة. وقام الرسول قبل وفاته بتذكير المؤمنين بوجوب طاعة السلطات السياسية. لذا لم يقم الإسلام بقطيعة جذرية، وظل منسجما مع تقليد السلطة البطريركية وخضوع النساء، في سياق منظومة الأديان نفسها التي سبقته، من يهودية، أو مسيحية، أو كونفوشيوسية لأنه ثورة دينية من دون ثورة اجتماعية. وهذه هي ميزة الإسلام، والتي جعلته قادراً على التكيف مع مختلف المجتمعات المنوعة التي بلغها. وهذا ما قامت به الديانة المسيحية أيضاً، وما جعلها مقبولة في تلك الأنظمة القائمة على قانون دفع الجزية.
يطلق سمير أمين على هذا الشكل من التنظيم الاجتماعي نعت “الجزيوي”، وهي صفة عامة في المجتمعات التقليدية. وهيمنة دين ذي نزعة عالمية، مشكلاً غطاء للسلطة السياسية، لا تعني أن النظام الناتج هو نظام ثيوقراطي؛ هذا الالتزام لا يعني الثيوقراطية، لأن السلطات التي تحكم في تلك المجتمعات، لا تقتصر على رجال الدين – كما هو الحال في إيران اليوم مثلا- ففي الأيديولوجيا الجزيوية، ثمة ضرورة في ألا يُترك الدين للاعتقاد الفردي، لكن يجب أن يؤكد نفسه عبر الكنائس المنظمة الموجودة دائماً حتى ولو ادعت الأديان عكس ذلك، كمثل حالة الإسلام. فرجال الدين لديهم دائما مهمة فرض الاحترام لـ”الدين الحقيقي”. من هنا كانت الطبقة الحاكمة تحتوي دائما على عنصر رجال الدين. لكن الثيوقراطية تعني أكثر من ذلك، تعني هيمنة رجال الدين على السلطة باسم الدين. وهو ما تدعو إليه حركات الإسلام السياسي المعاصرة وما تمارسه إيران بحيث تحول نظامها الى الاستبداد الديني .
من هنا كانت الحداثة هي عبارة عن رفض ديكتاتورية الدين، الأمر الذي كان يطلق عليه في النظام القديم الأوروبي “الظلامية”. وهكذا تمكنت أوروبا من القيام بقطيعتها مع كل أشكال السلطة “الجزيوية”، والتي ميزت السلطات في العالم القديم، من أوروبا إلى العالم الإسلامي إلى الصين والهند. ولهذه القطيعة تاريخ محدد تميز بمحطات أساسية: النهضة، الأنوار، والثورة الفرنسية. وهذه القطيعة تعبر عن نفسها بتأكيد وجود الكائن الإنساني فرديا وجماعياً، وأن يصنع تاريخه بنفسه. وهذا الأمر يبلور مفهوم الديموقراطية. ويتطلب تعريف الديموقراطية تأكيد هذا الفصل بالطبع بين الدين والسلطة، أو الدولة، ما يعني العلمانية.
وما تمكنت أوروبا من القيام به كان نوعا من ولادة جديدة وليس “استنهاضا” لما كان سابقا، وتم إرجاعه الى الحقبة اليونانية الرومانية التي أرجعت جذور الحداثة إليها. عصر النهضة الأوروبي كان نتاج دينامية اجتماعية داخلية، والحل الذي قدّم للتناقضات الخاصة بأوروبا عبر استنباط الرأسمالية. وهذا ما لم يتوصل إليه العالم الإسلامي؛ القيام بقطيعته مع الماضي واعتبارها تاريخاً لحقبة بعيدة قابلة للدرس والاتعاظ.
والآن من الخطورة بمكان أن نجعل الصراع في لبنان الذي هو بين اتجاهين سياسيين، واحد يدعو إلى الخضوع لمنطق الدولة ومؤسساتها وجعلها محتكرة وحيدة للعنف ومشروع له طابع فئوي ويسعى إلى الهيمنة على مراكز القرار لم يعترف بنتيجة الانتخابات الشرعية اللبنانية ويقوم بقراءاته الخاصة للقوانين والدستور. من هنا التعليق على ضرورة توحيد المفاهيم ومعاني الكلمات بين اللبنانيين.
من الخطورة جعل هذا الصراع صراعاً بين شيعة وسنة والطلب من المسيحيين اتخاذ موقف الحياد، أي تحولهم إلى كتلة محايدة عن الصراع السياسي الدائر وجعله صراعاً مذهبياً. إن المشكلة الراهنة في لبنان هي في تكتل الطوائف وفي توحدها الصلب.
من هنا التعليقات التي نسمعها من قبل الجمهور حول الطوائف وعلاقتها بجمهورها وببعضها البعض، بينما يغيب المواطن الفرد، فنجد أن الخطاب السائد يتخذ من تماسك الطائفة الشيعية ووحدتها المثال الذي ينبغي على سائر الطوائف الاحتذاء به؛ ويتم “تعيير” الطائفة المسيحية بانقساماتها، في إشارة ضمنية الى اتجاه الطائفة السنية حديثا نحو التوحد، واحتكار تمثيلها السياسي من قبل “تيار المستقبل” وزعيمه الشاب سعد الحريري. ونستشف من ذلك شعورا بالتهديد من طغيان المشاركة السنية في النظام، واحتكارها للاقتصاد، والقلق من الديموغرافيا والتعصب الشيعيين، ينتج عنهما تخوف من تكرار استخدام العنف من قبل ممثليها السياسيين الذين يختزلونها لحسابهم الخاص. والآن هناك المطالبة بحياد المسيحيين وكأن مصير لبنان ونوع الحكم فيه لا يعنيهم.
هذا المنطق الذي يطلق في سياق الدفاع عن الديموقراطية وعن منطق الدولة، يغفل مسألة أساسية، وهي أن الديموقراطية تستدعي التنوع والابتعاد عن الاصطفافات والتوحد الحديدي، سواء أكان حول فكرة أم قائد أم حزب. فالذي يهدد الصيغة اللبنانية في هذه الحالة ليس “الانقسام المسيحي”، بل الاتجاه نحو أحادية التمثيل في الطوائف الإسلامية، الأمر الذي يطمح المسيحيون الى تحقيقه، بدل الالتفاف حول المكونات المدنية والمستقلة، والتي وقفت مع سيادة لبنان وبناء دولته المستقلة، وهي تنتمي الى مختلف الطوائف الإسلامية والمسيحية من أجل مواجهة احتكار التمثيل السياسي، مهما كان نوعه أو لونه. فالخطر في لبنان ليس في تنوع طوائفه، أو التعدد داخلها، أو ما يسمى الانقسام، بل في اصطفافها وتوحدها الصلب كطوائف متراصة في مواجهة بعضها البعض. وهذا ما يقف سداً أمام تعاونها ويحمل خطر الصراع والعنف.
سؤال أخير لمن يرغب بالوقوف على الحياد: لو استبدلنا الهيمنة الايرانية على “حزب الله” بهيمنة كوبية او فنزويلية، كما كانت الحال أيام الاتحاد السوفياتي وعلاقته بالأحزاب الشيوعية، هل كانت الاوضاع ستكون مختلفة؟ وهل الهيمنة التي مارسها الاتحاد السوفياتي في اوروبا الشرقية من طبيعة مختلفة عما تمارسه طهران مع “حزب الله” أو مختلف امتدادتها الأخرى؟
أفترض أن جوهر الصراع ما كان ليكون مختلفاً ومن غير المفيد أو البنّاء التركيز على جعل الصراع في لبنان بين المدافعين عن منطق الدولة والرافضين له كصراع مذهبي بين السنة والشيعة؛ بالرغم من أن هناك في لبنان والمنطقة مثل هذا الانقسام؛ لكن الحساسيات التاريخية والعصبيات والطابع العشائري والبطريركي للعلاقات السائدة في عالمنا بالإضافة إلى طابع الاستبداد اللاديموقراطي الذي يطبع الأنظمة العربية التي تواجه النظام الإيراني هي التي تخلط الأوراق وتجعل منه صراعاً مذهبياً؛ لكن في لبنان حيث يدخل العامل المسيحي والمدني العلماني ينبغي أن يعاد الصراع إلى موضعه الصحيح: إنه صراع بين الاستبداد وهيمنة الحزب الواحد والفئة الحديدية الواحدة المتراصة مقابل الديموقراطية وسيادة الدولة والتنوع وحفظ حقوق المواطنين المتساوين أمام القوانين وأمام المؤسسات سواء الحكومية منها او المدنية او العسكرية.
ومن الظلم بمكان اعتبار الهيمنة الأحادية والحزبية الحديدية هي من يمثل العقيدة الشيعية، انه خلاف سياسي بقشرة مذهبية ودائما كان وسيظل خلافا على السلطة. فكيف يمكن أن نقتنع أن من مصلحة المسيحيين البقاء خارج هذا الصراع وفي موقف المتفرج؟
المطلوب دعم دولة القانون وإخضاع الجميع لمنطقها والعمل على المساواة التامة بين المواطنين/ نات وإخضاع السلاح في المطلق للدولة الديموقراطية نفسها.
(استاذة جامعية)
نقلاً عن “النهار”
هل ينبغي على المسيحيين الوقوف على الحياد؟
stern — stern_43@yahoo.de
الاسلام لم يعطي اي حق للاخر لقد سلب الحقوق والفتوحات الاسلامية هي احتلال اسلامي . فصل الدين عن الدولة هو الحل للخروج من المشاكل .
هل ينبغي على المسيحيين الوقوف على الحياد؟
من اروع الاغاني
ماجدة الرومي التي تحب وطنها اكثر من السياسيين اذناب الميليشيات والبلطجيين
http://www.youtube.com/watch?v=L95diTdFvqg
ماجدة الرومي : يا نبع المحبة
http://www.youtube.com/watch?v=5o__aqtJfuY