فيما وصلت طلائع المراقبين العرب إلى سوريا، على ايقاع مسلسل القتل المستمر، لم تظهر اي مؤشرات تدلّ على ان المشهد في سوريا سيبدو مختلفا لناحية توقف ماكينة القتل. فالنظام السوري لم يتلقف مبادرة جامعة الدول العربية، بعد مماطلة وأخذ ورد، باي اجراء يوحي بأنه يريد الانتقال من السلوك الامني الى المسار السياسي، فيما اظهرت قوى المعارضة، لاسيما المجلس الوطني السوري، قلقا من التردد العربي اتجاه حسم علاقته مع النظام السوري. لا بل برزت مطالبة الاخير مجلس الامن التدخل لوقف القتل ولجم النظام السوري. فهل يعكس القبول لدى النظام السوري بدخول المراقبين تبدلا في الموقف العربي؟
المعارضة فهمت ما يجري، وعلى ايقاع “جمعة بروتوكول الموت”، الذي دعت اليه اليوم، تبدو المعارضة السورية مستمرة في مطلب اسقاط النظام، وتزخيم التظاهرات المدنية ضد النظام، فيما الموقف العربي والدولي يدرك ان الفرصة العربية المعطاة للنظام لن توقف شلال الدم. لكن النظام اتخذ خطوة تعكس تقاطع مصالح اقليمية ودولية، محوره التردد الغربي في التعامل الحاسم مع النظام وغياب الرؤية الواضحة لما بعد سقوطه. تردد يعززه قلق اسرائيلي من مرحلة ما بعده من جهة، وتحسب اردني من تداعيات المشهد السوري، وتمهل تركي يردفه انسحاب اميركي من العراق تستثمره ايران، الى موقف خليجي بات شديد الحذر حيال انتقال عدوى الربيع العربي.
لا تعني هذه المعادلة ان النظام السوري قابل للعيش والاستمرار طويلا. فالازمة المستفحلة وعجز النظام عن الاصلاح السياسي، او تمنّعه، يتيحان له تطويل أمد الازمة ولكن من دون مستقبل له، لا سيما مع تصاعد نبرة الصراع السني – الشيعي في محيطه، والمرشحة للتزايد على وتر الازمة العراقية المتصاعدة على هذا الايقاع، خصوصا بعد عجز العراقيين عن بلورة هوية وطنية جامعة، واستخدام دول محيط بلاد ما بين النهرين هذا العجز لتحصين مواقعها داخله وخارجه. فإيران التي تحظى بنفوذ متقدم على غيرها في العراق بدأت بملأ الفراغ الذي احدثه الانسحاب الاميركي. وتعبر مواقف رئيس الحكومة العراقية نور المالكي الاخيرة عن قرار استراتيجي عنوانه الامساك بزمام السلطة ومفاصلها من قبل التحالف الشيعي، وهو قرار ينطوي على تخوف من انقلاب يستهدفه داخل السلطة من جهة، وعلى حسم خيار التحالف مع ايران من جهة ثانية.
على ان هذه الخطوة التي تساهم في تهميش السنة العرب داخل السلطة لا تبدو في المقابل محلّ قلق جدي لدى دول الخليج، التي بدأت بخطوة التوحيد بين ممالكها واماراتها، مضيفة اليها الاردن والمغرب.
ويرفد التطور العراقي الاخير ترويج المخاوف، التي اعلنت عنها هذه الدول في قمتها الاخيرة، من الخطر الايراني. فليس خافيا ان استخدام العنوان المذهبي واشعاله يساهمان في ارجاء التحديات التي يطرحها الربيع العربي على هذه الدول. فالاولوية تكمن حيث الخطر الايراني والشيعي. ومع وجهة التوحد تنكفىء وتتراجع مطالب الثوار في البحرين وغيرهم في المنطقة الشرقية من السعودية، علما ان ما يطرحه الربيع العربي على هذه الانظمة والدول هو تحديث الانظمة السياسية نحو الديمقراطية والحريات والتعددية، وهي مطالب الاكثريات داخل هذه الدول.
بهذا المعنى تحكم ايران بيسر على العمق العراقي ومفاصله، بتسليم خليجي ضمني. وكان وزير المخابرات الايراني التقى منتصف الشهر الجاري ولي العهد السعودي الامير نايف، في أول اتصال من نوعه منذ اتهمت الولايات المتحدة الجمهورية الاسلامية بدعم مؤامرة لاغتيال السفير السعودي في واشنطن. ترافق هذا مع الانسحاب الاميركي من العراق، من دون ان يرشح عن اللقاء اي معلومات معلنة، لكن مصادر متابعة تؤكد ان ثمة تسليما سعوديا ضمنيا بدور ايران في العراق، وهو تسليم لا يخلو من مواجهة يستفيد منها الطرفان، عنوانها التجاذب السني – الشيعي، بين الخليج وتركيا من جهة، ومحور إيراني – عراقي – سوري – لبناني بخلفية شيعية من جهة أخرى… والطرفان يتقاطعان عند الالتفاف على الربيع العربي.
alyalamine@gmail.com
* كاتب لبناني
البلد