ان المهتمين بالشأن السعودي الداخلي اليوم ما زلوا يترقبون بشغف الصحف السعودية التي تصدر كل يوم ثلاثاء من كل اسبوع، لأنه عادة تلك المطبوعات تحمل في طياتها آخر القرارات والتوصيات التي صدرت بعد انعقاد اجتماع مجلس الوزراء السعودي، والذي يجري كل يوم اثنين من كل اسبوع برئاسة الملك عبد الله بن عبد العزيز.
في الشهرين المنصرمين تلقت الجماهير السعودية توصيات وقرارات هامة جدا، اذا ما طُبقت بحذافيرها بالتأكيد ستغير المناخ الاجتماعي العام في المملكة، والحركة الحقوقية السعودية بشكل خاص. ستحسن تلك القرارات من اوضاع الناس من جميع الشرائح، وسترفع كثير من القهر عن كاهل النساء والاطفال على وجه الخصوص.
وافتنا صحيفة الشرق الأوسط في عددها الصادر في يوم 4 ديسمبر بخبر مبشر، وكأنها زفت لنا نبأ بعهد جديد لترسيخ حقوق الاطفال وحمايتهم من الانتهاكات الجسدية والنفسية، عنوان الخبر كان ” السعودية: قانون جديد لحماية الأطفال من العنف والتعامل غير الإنساني.”
تناول الخبر مقابلة مع الدكتور زهير الحارثي المتحدث بإسم هيئة حقوق الانسان (الحكومية) حيث بيّن اهمية ذاك القانون الذي سيكون ساري المفعول قريباً على حد قوله.
قال د. الحارثي ان جهات مختلفة شاركت في صياغة القانون الذي سيشكل درعاً قانونياً حامياً للأطفال، فكما نص الخبر انه مشروع قانون “لحماية الأطفال من العنف والتعامل غير الإنساني، اللذين قد تمارسهما بعض الأسر ضد الأطفال، مثل الرهن أو تزويج القصّر، واللذين يظهران بين فترة وأخرى في المجتمع. وقال الحارثي إن مشروع القانون في مراحله الأخيرة، أنه طرح للمصادقة عليه في مجلس الشورى السعودي ليأخذ الصفة الرسمية.”
اكثر ما يلفت النظر انه اذا تم اعتماد ذاك القانون الجديد، فإن تزويج صغار السن سيُعد سلوكاً مرفوضاً اجتماعياً وقانونياً ايضا، وان من يرتكب تلك الفعلة في حق الاطفال يعرّض نفسه للمساءلة القانونية، لأنه يُعد انتهاكاُ لحق الطفل وتدميرا للطفولة البريئة، وهذا ما كان ينتظره الحقوقيون في المملكة منذ زمن طويل.
يكاد ذاك الخبر ان يكون استجابة لحركة مهمة حدثت مسبقاً لحماية الصغار وامهاتهم من العنف، حيث نشرت صحيفة الوطن قبل أسبوعين في عددها الصادر في 25 نوفمبر خبرا بعنوان ” عادلة بنت عبدالله: خط ساخن لاستقبال بلاغات العنف الأسري.”
الاميرة عادلة بنت الملك عبد الله تبنت منذ بداية 2008 برنامجاً يـُدعى “الأمان الأسري الوطني” والذي من اولويات اجندته انه سيتولى إنشاء جمعيات للحماية الأسرية في مختلف مناطق المملكة، وبالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية ستوضع خطة مبدئية لإقامة خط ساخن للافراد الذين يتعرضون للعنف الاسري.
على صعيد آخر ثمة “مبادرة الطلاق السعودي” التي صارت تشق طريقها بقوة وتأخذ منحى جاد، حيث تبنتها جهات حكومية مختلفة، وآخر تجمع للمهتمات بالحملة نـُشر عنه في جريدة الوطن بتاريخ 27 نوفمبر ” ملتقى مبادرة الطلاق يوصي بإنشاء نظام للأحوال الشخصية لحماية الأسرة” كان تحت رعاية الاميرة جواهر بنت نايف كريمة امير المنطقة الشرقية الامير محمد بن فهد.
صدر عن ذلك الملتقى 73 اقتراحا من اجل تحسين اوضاع المطلقات وتعديل احوالهن، وقد تعد تلك التوصيات اساسيات مدونة الاسرة السعودية الجديدة، والتي كانت قد طُرحت ضمن عريضة وجّهت للملك منذ عدة سنوات من قبل سعوديات مثقفات مهتمات بتحسين احوال المرأة في المحاكم الشرعية وفي المجتمع.
الآن حان الوقت “لمبادرة الزواج السعودي” والتي يجب أن تكون عبارة عن حملات اعلامية توعوية توجه للنساء خاصة، لتعرفهن بحقهن في كتابة عقد الزواج. ومن المفترض ان تحظى بنفس الاهتمام الذي حظيت به “مبادرة الطلاق السعودي.”
الشريعة الاسلامية تُعطي المرأة المقبلة على الزواج الحق في ان تـُملي شروطها في عقد الزواج، وعلى الرجل اما القبول او الرفض. لو أن كل فتاة اشترطت في عقد زواجها ما تراه مناسبا لتلبية حقوقها كإنسانة، لما صارت اوضاع المطلقات على الحال الذي نراه عليه اليوم.
ربما من اهم الشروط التي يجب تـُدرجها الفتاة في عقد زواجها هي: ان لا يتزوج بإمرأة اخرى في حياتها، وأن لا يحرمها من حقها في ممتلكاتها وفي العمل والدراسة، وانه في حالة حدوث الطلاق تحتضن هي صغارها في مسكنهم الذي تربوا فيه، وتحصل على اوراقهم الثبوتية، ويكون الاب ملزماً بدفع حصته من النفقة على ابناءه.
“مبادرة الزواج السعودي” مفتوحة لجميع المعنيات والمعنيين بحقوق الانسان ليتبنوها، من اجل ترسيخ اسر سعودية اكثر توازناً واستقراراً. وبما أن المؤسسات الحقوقية الحكومية ستبدأ قريبا حملة تعريف الناس بحقوقهم من خلال نشر لافتات في الشوارع، سيكون من الصواب ان تُدرج “مبادرة الزواج السعودي” من ضمنها.
الآن عودة للقضيتين التي نشرتا في الخبرين السابقين، مكافحة العنف الاسري ومبادرة الطلاق السعودي، يستحق كل خبر منهما الاهتمام به من جهة اخرى، حيث بدا ان دور نساء الاسرة الحاكمة السعودية سيأخذ منحى آخر، وانهن سيبتعدن نوعا ما عن دورهن التقليدي الذي رُسم لهن لعقود طويلة، والذي يحوم في مجمله حول فتح مراكز تدريبية، ومعارض فنية، وجمعيات خيرية خاصة بالنساء.
تلك الحركتين من ابنتي اقوى رجلين في الاسرة السعودية الحاكمة، ابنة الملك وابنة وزير الداخلية، تـُبين انه ثمة توجهاً نسويا ًنوعياً جدير بالمتابعة. ربما ذاك التوجه تتمخض عنه ولادة جديدة لخلق ادوار فعالة للنساء المتنفذات وغيرهن في المجتمع، خاصة ذوات القدرات القيمة المجمدة.
فالبنظر لتاريخ الامم المتقدمة خاصة دول اوروبا التي لا زال الكثير منها ملكيات لكنها دستورية، نجد ان نساء الاسر الحاكمة ونساء الطبقة الغنية تاريخياً كان لهن دور مهم في تطوير مجتمعاتهن. بالطبع لا بد ان يكنّ واعيات ومدركات لأهمية ادوارهن في جعل حركة التطور شاملة للنساء كما هي للرجال.
اليوم نرى التاريخ يجسد نفسه في دول الخليج المجاورة. في السنوات الاخيرة، وتحديدا بعد احداث 11 سبتمبر، ومن بعدها حرب العراق في 2003 تغيرت سياسات بعض دول الخليج مع شعوبها بصورة متسارعة. كأن رجال السلطة في تلك الدول استيقظوا من سبات عميق، وادركوا انه ثمة امور كثيرة لا بد من تغييرها او تطويرها.
انعكس ذاك الحراك التطوري بشكل ملحوظ حتى على الشيخات الخليجيات، وغيرهن من المهتمات بشؤون المرأة والمجتمع. صارت لهن ادوار اكثر فاعلية، وصرن يساهمن اليوم بدور قوي في تحريك سواد مجتمعاتهن، وتعزيز قيمة النساء ودعمهن في منازلهن وفي مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة. ايضا صار لهن حضور بين صانعي القرار الداخلي والخارجي.
بالطبع لولا اقتناع رجال الاسر الحاكمة الخليجية بأهمية تحسين اوضاع المجتمع، لما تحركن نسائهن بهذه الطريقة المهمة والمؤثرة. هذا الدور لم تحظ به نساء الاسرة الحاكمة السعودية ولا غيرهن بعد، حيث ان حركات التغيير والاصلاح كانت ومازالت تسير بخطى بطيئة جدا، بسبب تسلط المؤسسة الدينية وبسط قبضتها الحديدية على جميع مناحي الحياة في السعودية.
هل يا ترى مع هذه التحركات السريعة في النهضة الحقوقية ستفتح ابواب ومجالات جديدة لبعض نساء المجتمع السعودي المؤهلات ليتبوأن مناصب اكثر فعالية وأهمية..؟؟؟ ربما!
وللحديث بقية..
salamhatim2002@yahoo.com
* كاتبة من السعودية
(هل هو حملُ كاذب آخر أم ان السعوديين موعودون بعهد حقوقي جديد؟(1