شكل مؤتمر فتح السادس المنعقد منذ ايام في بيت لحم ضرورة كبرى للتعامل مع الوضع الفلسطيني، فقد خرجت قيادات سابقة وجاءت انتخابا قيادات جديدة وهذا يجعل البدء بامكانية التعامل مع ما تواجهه فتح من تحديات ممكنا الان. وبنفس الوقت وقعت حالة فوضى وارتجال وسوء ادارة في المؤتمر يمكن استشفاف بعض منها في التصريحات التي خرجت وحالة اعادة فرز بعض الاصوات. بين الاثنين: التجديد من جهة والارتجال من جهة اخرى يقع مؤتمر فتح وتقع نتائجه المائلة للايجابية. ان الحرص على مستقبل المهام الوطنية التي تضطلع بها حركة فتح: تحرير الارض من الاحتلال واقامة دولة واحقاق عدالة في الصراع مع اسرائيل، وفوق كل شيء بناء دولة حرة وانسانية وعادلة، يتطلب ان تستفيد فتح الى ابعد حدود ممكنة من مؤتمرها ومن قيامها بانتخاب قيادة جديدة.
لقد برزت بعض مخاطر الانشقاق قبل مؤتمر مؤتمر فتح. إن مخاطر الانشقاق ليست ممكنة الان وبعد المؤتمر بالتحديد، وذلك بسبب طبيعة القادة الذين وصلوا للجنة المركزية لفتح وبسبب طبيعة الشخصيات التي لم تفز بالانتخابات. فعلى الاغلب لن لا تشكل اطروحات شق فتح خطرا حقيقيا على تلك الحركة التي تجاوزت بكل تأكيد مخاطر اكبر في السابق وانشقاقات تميزت بالخطورة مثل انشقاق ١٩٨٣ بقيادة ابوصالح (وهو عضو لجنة مركزية) في لبنان.
لكن السبب الثاني الذي يجعل نظرية الانشقاق صعبة يعود الى مقدرة فتح ضم جميع التيارات الفاعلة فيها والعاملة الى كل من لجنتها المركزية ومجلسها الثوري. بل ان وصول مروان البرغوتي وما يمثل من قاعدة هامة ورمزية وطنية، ووصول شخصيات معروفة بتراثها الكفاحي ومؤثرة مثل محافظ نابلس السابق محمود العالول يصب لمصلحة اجواء من التطوير والوحدة وتفعيل روح المقاومة الشعبية. كما ان وصول دحلان رغم الكثير من الاخطاء التي ارتكبها في السابق، بما يمثل من ثقل، يعكس اجواء بأمكانها ان تتوحد ضمن فتح فتقدم وتطور. وينطبق الامر ذاته على عدد من الشخصيات المؤثرة في الساحة الفلسطينية ممن وصلوا للجنة المركزية. و من الواضح ان الازمة مع فاروق القدومي لن تحل بسهولة، فقد تجاوزت الازمة السياسة واصبحت شخصانية. و تحت كل الظروف لا يهدد الخلاف مع القدومي بانشقاق، وذلك بسبب ضعف قاعدة القدومي في فتح.
ويساعد فتح في الحفاظ على وحدتها انها لم تعد تلك الحركة الشتاتية المتواجدة في دمشق وعمان وبيروت وبغداد والتي يمكن شقها من خلال قيام احد اعضاء اللجنة المركزية بالاتفاق مع هذه العاصمة العربية او تلك. فثقل فتح الان اصبح في الضفة الغربية، اي انها تمتلك قاعدة اساسية على الارض التاريخية والوطن التاريخي المحتل وهذا يجعل الامور مختلفة نسبة لما كان عليه الحال قبل عام ١٩٩٤. ان حسم الامور في فتح يتم الان في فلسطين حيث نشأت سلطة فلسطينية هي الاولى منذ سقوط الدولة العثمانية.
و فتح الان بحاجة لاعادة نظر بسياساتها السابقة التي ادت الى خسائرها في الانتخابات امام حماس في ٢٠٠٦، والى خسارتها لغزة بالكامل، والى ترهلها وتراجعها عن مهامها. بمعنى اخر على فتح اعادة النظر باساليبها العملية والسياسية والتنظيمية وادخال حيز مهم من العلمية والادارة والمهنية الى اجهزتها. يجب التعلم من التجارب الحزبية للدول الاخرى وبامكان فتح في سعيها للانتقال نحو تجربة حركية وتنظيمية افضل ان تصلح الكثير من الضعف الذي اعتراها مما يساعدها على انجاز مهام التحرر الوطني وقيادة مقاومة ومفاوضات فعالة.
هناك ضرورة لفتح في الساحة الفلسطينية، فهي الحركة الوحيدة اضافة الى حماس التي تستطيع التأثير بالاغلبية وبامكانها ان تفرز زعماء وطنيين وبأمكانها ان تقود وتؤثر. والساحة الفلسطينية لا تستطيع ان تكون الا ساحة متعددة ومتنوعة كما كانت باستمرار في كافة مراحلها.
ان ضرورة فتح تفرض اعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية وتفرض بناء تصورات وادارة جديدة تسمح بالتعامل مع معطيات السلام والمواجهة والمقاومة. كل الاحتمالات قائمة، ولكن يجب ان يكون كل ذلك مرتبط باعادة بناء الحركة وبتقدير دقيق للموقف لا يساهم في توريطها في معارك مسلحة لم تتهيأ لها وليست مفيدة لقضية الشعب الفلسطيني.
وعلى فتح ان تنظر الى الوضع الفلسطيني باعمدته الاربعة الاساسية بلا اهمال لاي من هذه المكونات. الفلسطينيين في الارض المحتلة ١٩٦٧ بما فيها القدس. وهنا تقع المهمة التاريخية الرئيسية في احقاق قيام دولة مدنية عادلة. المكون الثاني وهو الفلسطينيون في اسرائيل حيث المهمة الاساسية احقاق العدالة والمساواة لهذه الفئه من الشعب الفلسطيني. اما المكون الثالث فهو فلسطينيوا الشتات حيث ضرورة التعامل بصورة واضحة وفعالة مع حقوق الفلسطينيين الانسانية اينما وجدوا. اذ لا يعقل ان يكون هناك اضطهاد لحقوق الانسان على الاخص لحاملي الوثائق من الفلسطينيين. وبينما من الطبيعي ان تعلن فتح معارضتها للتوطين لكن هذه المعارضة يجب ان لا تعني قيام الدول المضيفة باستغلال هذا الامر لمنع الفلسطينيين من السفر وشهادات الميلاد، والاقامة الشريفة والعمل والتعليم وحق الحياة الكريمة. اما المكون الاخير فهو مقدرة القضية الفلسطينية على كسب الاصدقاء في العالم العربي والاسلامي وكسب اصحاب الضمائر الحية في كل مكان على الصعيد العالمي وبين قوى السلام في اسرائيل.
وعلى فتح ان تحرص كل الحرص في سعيها للتجديد ان لا تقوض السلطة الفلسطينية التي حققت نتائج ايجابية في ظل حكومة فياض المائلة للمهنية. هل سيقع تناقض بين مهنية السلطة و فتح؟ ان وعي فتح وتحولها الى تيار لبناء الدولة من جهة والى تيار لمقاومة الاحتلال( بكل الوسائل الممكنة بما فيها السلمية والجماهيريه) ودون تقويضها للمهنية والنظام وسلطة القانون ودولة المؤسسات سوف يحدث فارقا كبيرا في المسيرة نحو مستقبل حر.
استاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت