لعل علاقة محمد عابد الجابري بالعروبة التي خالطها شابا في دمشق الحاضن التاريخي لها عندما كان طالبا في جامعتها، ظلت هي الحب الأول الذي لم يتمكن من التحررمن شغفه العاطفي، سيما أنه كان قد زامن بعضا من الزمن الوحدوي بين سوريا ومصر 1958 -1961، ولذا فقد ظل البعث والناصرية ثابتين وجدانيين تترأرأ مخايل ظلالهما الإيديولوجية وراء كل مظاهر الصرامة النظرية (الابستمولوجية) التي أغنى فضاءات الفكر العربي بممارسته المبدعة والطليقة لها، إذ ما كان يمكن لشاب مهجوس بالهم العربي والقومي، الذي كان قد حمله هذا الهاجس لاحقا لكي يكون عضوا قياديا في حزب قومي يساري ناصري الهوى (الاتحاد الاشتراكي المغربي)، نقول: ما كان يمكن لمهجوس بهذه الهموم أن يمارس (البطر الفلسفي) بلا قضايا، عبر الطيران الحر فوق التناقضات والصراعات المجتمعية والوطنية والقومية تحت إعلان (الإبستمولجيا من أجل الإبستمولجيا)، وهو الذي عاش –أيضا- ذروة زمن النقاش الفكري حول الالتزام ونظرية (الفن للفن أم الفن للحياة) بالتناظر مع بروز تيار الواقعية والواقعية الاشتراكية في الأدب التي اكتسحت الحياة الثقافية والسياسية مع الاكتساح اليساري (القومي والماركسي) بل والوجودي في حينها أيضا الثقافة العربية في المشرق عندما كان الراحل في سوريا بين أواخرالخمسينات وبداية الستينات….
وعلى هذا فلم تتمكن الابستمولوجيا أن تفر بمعرفيتها الرفيعة نحو ذاتها منكبة على الحفر والتفكيك في الداخل البنيوي لأنظمة المفاهيم، بعيدا عن النثريات السردية لواقع حاشد مكتظ بالطموحات والأمنيات ملتهب بالأحلام والأشواق للوحدة والعدالة والتحرر الوطني والقومي، ولهذا فستأتي ابستمولوجيا الجابري لاحقا كحالة إنقاذ للتداعي الإيديولوجي من خلال عقلنة الخطاب القومي سياسيا، إذ قد بدأ ذلك بنقده الجذري لهذا الخطاب بتعدد تياراته نقدا ابستميا وذلك لإنقاذه وظيفيا وأدائيا، وذلك في كتابه (نقد الخطاب العربي المعاصر) الذي جعل من إشكالية الايديولوجيا الذاتية الرغائبية إشكالية أساسية لكتابه بوصفها إشكالية الخطاب العربي الذي لابد من عقلنته التي تبدأ من تحريره من انفعاليته المشاعرية وبطانته الوجدانية ونزعاته الذاتية بوصفه خطاب وجدان لا خطاب عقل ، لتحريره من مطلقاته الشعارية البيانية اللفظية الزائفة عن الوحدة والحرية والاشتراكية فيما آلت إليه بعثيا (صداميا –أسديا)، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى إعادة اعتبار لإنقاذ الناصرية –المرتبط بها وجدانيا- من لفظيتها وفخفختها الخطابية ،سيما حينما سيدافع الجابري بصراحة (هيكلية) سياسية –وليس ابستمولوجية- عن عقلانية الناصرية التي ورطتها البعثية السورية في حرب حزيران عبر مزاوداتها الشعارية القومية واتهاماتها لعبد الناصر بالتخاذل …
أما حالة الإنقاذ الثانية والأهم للخطاب القومي فهي الدعوة لمصالحته مع الديموقراطية بعد تقشيره من لحائه الشعبوي الرغائبي الغريزي الإستبدادي، لكن عبر التضحية بالعلمانية ابستميا لصالح ايديولوجيا الهم النضالي الشاغل الراهني، التي عبرت عن ذاتها في صيغة أن هزيمة المشروع القومي لم تكن سوى هزيمة مضمونه الديكتاتوري، فأصبحت الأولوية لصالح إشكالية أن البلية الأساسية لهزائمنا هي بلية (الاستبداد)، وهي الإشكالية ذاتها للكوكبي منذ بداية القرن التي هيمنت على خطابه رغم أن العلمانية كانت من مقومات فكر الكوكبي الديموقراطي …
إذن كان لابد من إعادة ترميم التداعيات الإيديولوجية لهزيمة حزيران 1967 ابستميا (عقلانيا لا علمانيا)، وذلك من خلال صقل الإيديولوجيا العروبية بالإبستمولوجيا (العقلانية) وتحويلها من الفكر الرغبوي الإرادوي الوجداني إلى علم معرفة المعرفة، أي بإعطائها تماسكا معرفيا نظريا عقلانيا بعد عجاج الغبار الشعاراتي والشعائري والارتطامات والالتواءت والتلويات التعبيرية والفخامة والأبهة اللفظية والفخفخات البيانية والبلاغية التي لحقت ببنيان الأمة السياسي والنفسي والثقافي، ولهذا فهو يرد على مثال حسن حنفي في حوراهما الشهير ((حوار المغرب والمشرق) الداعي إلى النهوض والإقلاع من خلال التشبيه العملية بالطائرة، حيث الناصرية هي الصدر والحركة الإسلامية هي جناحها الأيمن والحركة الشيوعية هو جناحها الأيسر، والليبرالية هو الرأس حسب حنفي ….يرد الجابري بتشبيه جسم الإقلاع بـ”القطار” ضد “الطائرة”،وذلك أن للقطار سكة، والناس فيه أكثر حرية في الحركة ولا يحتاجون إلى أحزمة …والقطار لا يتوقف على السائق كما تتوقف الطائرة على القائد …بغض النظر عن نظرة الراحل للطائرة التي تتخيل وكأنه تطير بالجو بلا سكة أي بلا خطة ومنهج مرسوم، بينما نحن بحاجة إلى إقامة الديموقراطية من أجل تشييد دولة المؤسسات دولة “القطار/ السكة) دون انتظار (زعيم بطل) أو مهدي منتظر الذي يأتي ولا يأتي ، لأن موعده “آخر” يوم في أيام الدنيا.
وعلى هذا أعاد الاعتبار لـ(البيان) خاصة عقل العرب ومميز خطابهم وذروة سنام مآثرهم مشخصا في لغتهم وبلاغة فصاحتهم وقوة بداهتهم وارتجالهم، في مواجهة التصنّع والتدّبر والتعمّل للآخر (الأعجمي) الذي ينحت لسانه من صخر مقابل الفصاحة والمبادهة والارتجال والمتح الأعرابي من بئر، والبيان العروبي هذا سيجد له تحالفا من عقل اليونان ومنطقهم (البرهاني)، في مواجهة (العرفان) الغنوصي حيث الرؤية السحرية الروحانية الغنوصية الأفلوطينية الشرقية التي اكتسحت العالم العربي والإسلامي مع الهرمسية، وتلك الخصائص العرفانية ستميز عقل الفرس الذي ستكون قاعدة اختراقهم البشرية والاجتماعية للبيان والبنيان العربي المتحالف مع البرهان، من خلال قاعدة التشيع والعرفان الشيعي الإمامي الميثولوجي إذ ينتظر الإمام المنتظر قبل قيام الساعة …
وعلى هذا فإن العمارة الإبستمية للإيديولوجيا العروبية ستجعل من التشيع عقديا معادلا للعرفان إبستميا، ومعادلا لإيران جغرافيا… وفي مقابله وفي التضاد معه التسنن (السنة) عقديا معادلا للبيان ابستميا، ومعادلا للعالم العربي جغرافيا، وهنا سيحضر المغرب العربي كتمثيل للبرهان (الحزمي –الرشدي) الذي يشكل امتدادا لبرهانية الإعتزال الذي كان قد تعطل مشرقيا ، لكنه المتصالح مع المشرق بيانيا …وسياق ومرجعية الخطاب سياسيا وراهنيا هي الحرب التي كانت دائرة بين ايران العرفان الولايتي الخميني الفارسي ، والبيان البعثي العراقي العروبي الذي كان على عروبة الجابري أن تفصل له ثوبا برهانيا ابستميا يرتقي به من مستوى جعجعة ايديولوجيا البيان إلى تأنق معرفية البرهان …وباعتبار أن أن الصراع يدور دمويا على الأرض فلا مجال لذوق المكاشفة والحدس الصوفي الذي يترفع عن العنف والدم والحسية الغرائزية إن كانت بيانية أم برهانية كما تردى له المشروع القومي في سوريا (الأسد) وعراق (صدام) ، ولهذا كان لا بد من استبعاد التصوف، سيما وأنه قد تسلل إلى الأدلوجة القومية من خلال بعض نماذجها الهامة كميشيل عفلق وقسطنطين زريق، حيث توشح الخطاب القومي في نصوصهما الإيديولوجية بظلال من الميتافيزيك الحدسي والتذوق الكشفي التصوفي عن الرسالة الخالدة التي تطوف فوق صفحات الزمن والتاريخ وفق نقد رئيف خوري للخطاب القومي لزريق ، وذلك في كتابه “معالم الوعي القومي ” من منظور ماركسي كاشف عن هذه الحدسية الميتافيزيكية الوجدانية الرومانتيكية التي صبغت خطاب زريق في كتابه “الوعي القومي” في المنتصف الأول للأربعينات …
هذه الثلاثية عن (البيان والعرفان والبرهان) ستناظرها ثلاثيات تشكل نظم متواليات جدلية بين الأطروحة والأطروحة المضادة ومن ثم التركيب المنظومي لها، حيث الثلاثية الأولى المشار لها ستشكل منظومة العقل العربي، أما العقل السياسي فستتشكل منظومته الثلاثية من (قبيلة –غنيمة –عقيدة)، أما المنظومة الأخلاقية فستتشكل من ثلاثية (أخلاق عربية إسلامية- أخلاق فارسية- أخلاق يونانية)، أما الأخلاق العربية –الإسلامية فستنقسم إلى ثلاث شعب : (أخلاق إسلامية خالصة –أخلاق عربية خالصة – أخلاق صوفية) جاعلا من الصوفية منظومة غير متعيّنة عربيا واسلاميا ،إنها (أخلاق الفناء)، فبسبب كونيتها هذه فقد نالها الإقصاء بسبب عدم تعينها القومي العربي كما ستتغلب القراءة الإيديولوجية على القراءة الإبستمية في لحظات فكرية كثيرة عند مفكرنا الراحل ، وكان لا بد من طردها إلى ساحة الآخر :العرفاني الشيعي ومن ثم الفارسي رغم نكهتها الإنسية الكونية الخالصة من أوشاب الإيديولوجيا والأهواء والمصالح، ومن ثم تطابق وحدة نظام رؤيتها مع وحدة نظام الوجود، وربما بسبب هذا التسامي والعلو والإرتفاع لم ينل مواطنه المغربي محي الدين بن عربي أي تعاطف من قبل عقلانية فقيدنا الكبير التي لم تتمكن الإبستمولوجيا من ترميم ايديولوجيا إقصاء (التصوف) فقهيا، ليؤسس عليه رفضا قوميا ونضاليا، حيث التصوف سيتحالف مع الأشعرية لتكريس أخلاق (الطاعة) الفارسية (الأردشيرية)، التي هي حالة غريبة على الأخلاق العربية الموصوفة بـ(المروءة)، باعتبار أخلاق التصوف هي ( أخلاق الفناء وفناء الأخلاق) …وعندما سيتطرق إلى ابن عربي فإنه يستحضره كفقيه وليس كمتصوف عظيم يرجع له الفضل في مبدأ توحيد الديانات حول ذات إلهية واحدة هي مبدأ الوجود وهويته وغائيته ومقاصده، وذلك في صدد اعتماده تفسير ابن عربي للآية الكريمة : ” وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم”، بأن أولي الأمر هم: “الأمراء والعلماء” حسب ابن عربي، حيث سؤال العلماء واجب متعيّن وامتثال فتواهم واجب على الخلق وجوابهم لازم” وعليه يؤسس الجابري القول بأن السلطة التشريعية –في السياق المغاربي- كانت منوطة بالعلماء”وأن العلماء حكام على الملوك والأمراء حكام على الناس” …طبعا والمقارنة المضمرة هنا قائمة مع بقايا الأنظمة القومية التي انحلت إلى فاشية طائفية صريحة، سيما لدى النموذج (السوري في صيغته الأسدية)، حيث تشرب الراحل للفكر القومي في خمسينات جامع دمشق…
فالراحل الجابري يخلص إلى أن أخلاق العرب هي أخلاق المروءة، وأخلاق الفرس هي أخلاق الطاعة، وأخلاق اليونان يصفها بأنها أخلاق المواطنة، وأخلاق التصوف بأنها أخلاق الفناء، وأخلاق التنظير الإسلامي الخالص بأنها أخلاق المصلحة، وهي هنا الأخلاق (العالمة) التي أنتجتها الإسلامية وهي تبني كيان الدولة، وكذلك الأخلاق الصوفية واليونانية فهي تنطبق عليها صفة الأخلاق (العالمة) المنتجة فكريا ونظريا أي (خُلُق ثقافي)، بينما سمات وخصائص الأخلاق الفارسية والعربية ما قبل الإسلامية هي أخلاق (انثربولوجية /خَلق فطري) معاشة وفق هذا السياق، ولا تنطبق عليها الصفة (العالمة) المقروءة التي لم يعرفها العرب قبل كتابة الماوردي والراغب الأصفهاني وابن عبد السلام ….
العقلنة (تحالف البيان مع البرهان) ابستميا، سيكون له وظيفته الإيديولوجية التي ستنقذ الخطاب القومي الشعبوي من سذاجته ولفظيته ورغبويته وعقائديته الإيديولوجية، لكنها لن تتمكن من تجنيبه أخطر رذيلة من رذائل الفكر القومي حسب صياغة أنطول فرانس إذ يتحدث عن الرذائل القومية الفرنسية، وهي رذيلة تأسيس الهوية على عداء الآخر المجاور (تعريف الأنا بكراهية الجيران)، عبرإستظهار نقاء فطرة (الأنا) بالضد من تشوهات (الآخر)، وهي هنا (الآخر الفارسي ) الذي يحمل أخلاق الطاعة بمواجهة أخلاق المروءة العربية حسب تقسيمات الجابري للعقل الأخلاقي …. فالعقلانية ابستميا كانت تواجه بأكبر تحدي ايديولوجي من خلال الانبعاث الطائفي القوماني الولايتي الإيراني الفارسي، فما كان على الابستمولوجيا سوى افساح الطريق أمام الايديولوجيا، سيما عندما يعود العرفان للتحدي والمواجهة، وليحل محل تحدي (برهان الحداثة الغربية) التي كانت إسرائيل تمثله كعدو مهماز محفز على تخطي البيان باتجاه البرهان وليس العكس من خلال محاولة العرفان (الشيعي الميثي الفارسي) أن يخترق البيان ( السني الفقهي العربي) …
هذا الانزلاق من الإبستمي إلى الإيديولوجي لترميم الثاني وعقلنته، سيقوده إلى استبعاد العلمانية من مصفوفته النظرية عن (الثورة القومية الديموقرطية)، وكان قد انتقد مستبعديها في كتابه (نقد الخطاب العربي المعاصر)، انطلاقا من قياس برهاني يقول: إذا كانت العلمانية (غربية/ غريبة) عن الفضاء الثقافي العربي ، فأليست الديموقراطية هي كذلك غربية غريبة ؟ لكنه لا يلبث أن يسقط العلمانية كشرط للديموقرطية –كما أسلفنا- محلا محلها (العقلانية)، حيث لا بد لنا من تفسير هذا الإنزياح على أنه ليس انزياحا ابستميا، بل هو انزياح الإيديولوجي في زمن المواجهة بين إيران والعراق، الذي كان بالنسبة للقومي الديموقراطي الحداثي الجابري معركة ما قبل حضارية أكثر ضراوة من الحرب الحضارية مع اسرائيل ، لأن الحرب مع اسرائيل تستدعي تحديا حضاريا ابستميا انطلاقا من تحدي حداثة العقل الذي تمثله (اسرائيل /الغرب)، بينما هو مع ايران تحدي إيديولوجي -ثيولوجي من داخل النسق الحضاري ذاته الذي لا تستثير فيه إيران إلا أنساق اللاشعور المعرفي عن ( الملل والنحل) الذي أرغم الجابري أن يؤجل التحدي الابستمي (العلماني ) المثمر صراعيا مع الحداثة الإسرائيلية ، لصالح التحدي الإيديولوجي الذي تمثله إيران الشيعية ( الثيولوجية –العرفانية –الغنوصية ) ليساجلها من موقع الإسلام السني الأغلبي (العربي)، ليؤصل الصراع الإيديولوجي تأصيلا ابستميا ، من خلال إعطاء العرب تفوقا عقليا (العقلانية في موجهة العرفان الفارسي)، بوصف منظومتهم السنية تمثل عقلا بيانيا – برهانيا بلا سحر ولا معجزات ولا معصوميات ميثولوجية ثيولوجية … وأخيرا ثيوقراطية قروسطية!
فكان من نتائج جائحة ما سمي بالثورة الإيرانية، العودة بالمواجهة الصراعية الحضارية مع إسرائيل (تقدم /تأخر)، إلى إنغماد هذا الصراع وانكفائه من مستوى معركة (التقدم في مواجهة التأخر) إلى معركة (التأخر مع التأخر)، التأخر الإيراني في مواجهة التأخر العربي، حيث سيميز الإيرانيون أنفسهم (تقدمهم) بدعم آل البيت لهم، رغم أنهم خذلوهم شر خذلان بعد هزيمتهم أمام (قادسية ) صدام….!!!
ولعل العنصر الإيديولوجي الحاسم الذي طغى على ابستمية الجابري فدفع إلى سكوته عن العلمانية وإحلال العقلانية محلها، هو صورة الانحطاط الأخلاقي والضميري والقيمي للنظام (القومي) الوريث للعلمانية عربيا في صورة النموذج(الأسدي)–سيما وأن دمشق هي حاضنة تشكل وعيه القومي- هذا النموذج الذي انحط بالعلمانية إلى مستوى استخدامها كدريئة طائفية عائلية يخفي خلفها فئويته وأقلويته ونهبه المافيوي، ويغلف بادعائه للقومية العلمانية-أمام الغرب- حربه الثأرية الطائفية الدموية التي أزهقت عشرات آلاف الأرواح بما يشبه حروب الاستئصال العنصرية وجرائم الحرب ضد البشرية ، تحت ذريعة أنه يخوض حربه ضد الإرهاب الأصولي …في حين أن حربه الأقلوية الإستئصالية الدموية ضد الآخر الوطني الأكثري السني طائفيا والقومية الثانية عرقيا (الأكراد)، كان يوازيها حرب اقصائية ضد الجميع، سيما ضد الطائفة المسيحية والسريانية-التي يحاول كاذبا الإيحاء عالميا بأنه راعيها- وذلك بسبب عقده الريفية ذات الخاصية الرعاعية الدونية نحو البعد المدني الحداثي لهذه الطوائف التي لعبت دورا نهضويا تنويريا في يقظة بلاد الشام، مما يزكي عوامل الحقد الرعاعي (الطائفي-الأسدي) ضد الجميع الذين يراد لهم جميعا أن ينظروا إلى سوريا وتاريخها على أنه تاريخ آل الأسد …مما كان يفسر لنا –ربما-عزوف أو ربما سكوت الراحل الجابري عن العلمانية تجاه هذا المصير التسفيلي الذي تتعرض له في البلد الريادي عربيا: ليبرالية ودستورية وعلمانية وحداثة بعد الاستيلاء الأسدي الطائفي عليها، وذلك لكي يسبقها بالدعوة إلى العقلانية لتشذيب الإنفلات الغريزي الدموي الوحشي الغاشم لمن كان يفترض أنه يربطه بروادهم تاريخ الموقف القومي ….
mr_glory@hotmail.com
كاتب سوري فرنسا
هل سكت الجابري عن “العلمانية” بعد أن تحولت إلى رداء طائفي للعروبة (الأسدية)؟ فاروق عيتاني — farouk_itani@live.com مرة ثالثة يشدني التعليق على الجابري، فأقول ان رواية تأثره بدمشق مبالغ فيها . فالجابري يقول في حفرياته ان الفترة التي قضاها مسجلا في سوريا سنة واحدة 1959-1960 ، عاد بعدها للمغرب، والجابري حينها دون العشرين من عمره. فلماذا يجري تحميل هذه المرحلة كل الاحمال؟كأن الانسان لا يتبدل أو يتغير أو تنزاح مفاهيمه.السؤال هل هناك ابستمولوجيا (نظرية معرفة)واحدة لا تتغير ولا تتبدل ولا تتطور كأنها المنفرد بذاته، لا قبل و لابعد؟ الجواب نعم وعند اصحاب عنزة ولو طارت: ليست العلة في الماركسية، بل… قراءة المزيد ..