تكونت حديثاً حركة وطنية أطلقت على نفسها اسم «جبهة إنقاذ مصر»، وكانت نواتها حوالى خمسين عضواً من المُفكرين، والمهنيين، وأبناء السبيل، ومشكلتهم أن مصر التى عرفوها وأحبوها، أصبحت فى خطر مستطير، حيث تتم «أخونتها»، لتصبح إما على شاكلة السعودية، دون النفط والأماكن المُقدسة، أو أسوأ من ذلك أن تصبح مصر على شاكلة أفغانستان فى ظل حكم طالبان، أو مثل إيران فى ظل حُكم «الملالى».
كان لافتاً للنظر أن النموذج التركى، فى ظل حُكم حزب العدالة والتنمية، الذى يقوده طيب أردوجان، لم يأت على ذكره أحد من أعضاء «جبهة الإنقاذ»، بينما هو الأقرب للتحقق فى مصر، حيث إن مصر وتركيا مُتقاربتان فى مسارهما الثقافى والتاريخى، وكان طيب أردوجان هو الأسرع احتفاء بالثورة المصرية، وسبق أن دعاه الإخوان لزيارتهم هنا فى مصر، كما أرسلوا العشرات من كوادرهم لدراسة كل جوانب التجربة التركية.
المهم أن معظم أعضاء «جبهة إنقاذ مصر» يعتقدون اعتقاداً جازماً أن الإخوان المسلمين «انتهازيون»، و«أنانيون»، و«مُستبدون». من ذلك أنهم لم ينزلوا إلى ميدان التحرير للمُشاركة فى ثورة يناير إلا فى يومها الخامس، وبعد أن تأكدوا أن الثورة ستنجح بهم أو دونهم، ثم كانوا أول من انصرفوا من التحرير، استعداداً لاختطاف الثورة. وهذه هى الانتهازية بعينها، وهم أنانيون، من حيث إنهم لا يرغبون أن تشاركهم أطراف أخرى فى جنى أى عمل مُشترك، رغم أنهم قد يقولون غير ذلك إلى أن يتمكنوا، فينحوا حديثهم عن «المُشاركة» جانباً، ويتحول سلوكهم إلى «المُغالبة». وهم لا يؤمنون بالحوار والديمقراطية، حتى داخل جماعتهم، وإنما بالسمع والطاعة. ألم يفصلوا أحد قياداتهم، وهو د. عبدالمنعم أبوالفتوح لمجرد أنه أبدى رغبته فى الترشح للمنصب الرئاسى دون الرجوع إلى «مكتب الإرشاد»؟ أما إنهم «مُستبدون» فدلائله عديدة فى تاريخهم. فبمجرد توفر الأكثرية لهم فى أى محفل، فإنهم يفرضون إرادة قيادتهم، مهما كانت وجاهة الاعتراضات. ولعل أقرب الأمثلة على ذلك استئثارهم بتشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور الجديد، ثم حنثهم بوعودهم فى اختيار رئيس وزراء من خارج صفوفهم. ثم هم بعد المُراوغة لحوالى شهر يختارون أحد أصفيائهم المُلتحين، وهو د.هشام قنديل.
ويعتقد مُعظم أعضاء إنقاذ مصر أن الجماعة بعد أن اختطفت الثورة، على وشك اختطاف الوطن، ليكون مُجرد «إمارة» فى دولة أكبر هى دولة «الخلافة»، التى تشمل كل بلاد المسلمين، من إندونيسيا شرقاً إلى نيجيريا غرباً، فالجماعة لا تعترف لا «بالوطنية» ولا «القومية»، وإنما فقط بالرابطة أو «الأخوة الدينية». وفى هذا السياق يمكن فهم تصريحين لمُرشدهم السابق، الأخ مهدى عاكف، الأول، هو فى مجال المُفاضلة بين «الدولة» و«الخلافة»، حيث قال «طُز فى مصر». أما التصريح الثانى فكان فى سياق الحقوق المُتساوية لغير المسلمين فى مصر، حيث قال إنه «يُفضل أن يعيش فى ظل رئيس ماليزى مسلم على أن يعيش فى ظل رئيس غير مسلم، حتى لو كان مصرياً، وفى أرض الكنانة»!
وتهدف جبهة إنقاذ مصر أول ما تهدف إلى الحفاظ على «مدنية الدولة والمجتمع» من مُحاولة الإخوان السيطرة على مفاصل الأولى، باختراق المؤسستين العسكرية والأمنية، وإعادة صياغة المجتمع وثقافته من خلال التربية والتعليم والثقافة والإعلام. بل يذهب بعض أعضاء الجبهة إلى أن هدف إعادة صياغة المجتمع وثقافته أهم لدى جماعة الإخوان من شغل الوزارات «السيادية»، مثل الدفاع والداخلية والخارجية، ومصداق ذلك إلحاح شركاء الإخوان من السلفيين على الاستئثار بوزارتى التربية والإعلام، حيث من خلالهما يمكن صياغة عقول ووجدان الأجيال الجديدة.
ولذلك توصى جبهة إنقاذ مصر بالدعم الشعبى لمؤسسات الدولة، والمُناداة بتحصينها ضد الاختراق، كما توصى بانتخابات عامة جديدة، حيث إن الرئيس الإخوانى لجمهورية مصر العربية، تم انتخابه بأغلبية أصوات أكثر قليلاً من نصف من أدلوا بأصوات صحيحة فى جولة الانتخابات الثانية. أى أننا بصدد رئيس يتمتع بالكاد «بشرعية قانونية»، ولا يتمتع بشرعية سياسية شعبية، فبتحليل نتائج تلك الانتخابات يتضح أن ما حصل عليه د. محمد مُرسى هو أكثر قليلاً من 13 مليون صوت، من جُملة خمسين مليوناً لهم حق التصويت. أى أن الرجل وصل إلى هذا المنصب الرفيع بنسبة 26٪ فقط ممن لهم حق التصويت.
وضمن ما ذُكر فى مُداولات الاجتماعات الأولى لجبهة الإنقاذ، نقدان ذاتيان جديران بالتنويه عنهما هنا:
أولهما، تقاعس نسبة كبيرة من أبناء الطبقة الوسطى عن التصويت فى الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية، وهى الجولة التى تزامنت مع ثلاثة أيام عطلة نهاية أسبوع، فضّلوا معها الذهاب إلى المصايف فى الساحل الشمالى أو شرم الشيخ أو الجونة على البقاء فى مقارهم الانتخابية، والإدلاء بأصواتهم.
وثانيهما، حملة المُقاطعة أو إبطال الأصوات التى قادها شباب الإخوان بتعليمات من قياداتهم تجاه زُملاء لهم فى التحرير من غير الإخوان، لكن فى لحظة التصويت الحاسمة سارع شباب الإخوان بتلبية واجبهم الانتخابى نحو مُرشحهم، الدكتور محمد مُرسى. لقد كان ذلك المشهد أشبه بخديعة مُعاوية ومندوبه عمرو بن العاص لعلى بن أبى طالب ومندوبه أبوموسى الأشعرى، حيث اتفقا على خلع كل من على ومُعاوية، حقناً لدماء المسلمين. وفى اللحظة الحاسمة أوفى أبوموسى بالعهد، وأعلن أمام الجيشين المتواجهين خلعه على بن أبى طالب، ثم تقدم عمرو بن العاص، وأعلن تثبيته مُعاوية بن أبى سفيان.
وبالمناسبة لم تكن هذه هى المرة الأولى التى يتم فيها استدراج شباب الثورة إلى مواقف ومليونيات فى التحرير، يتضح فيما بعد أنها صبّت مُباشرة لصالح الإخوان المسلمين، لذلك تدعو جبهة الإنقاذ إلى انتخابات عامة جديدة للرئاسة والبرلمان والمحليات، وبإشراف قضائى كامل، ورقابة منظمات المجتمع المدنى المصرى والدولى، فور الانتهاء من الاستفتاء على الدستور، خلال الشهور الستة القادمة. فهذا وحده هو الذى ينهى حالة الارتباك والصراع بين مؤسستى الرئاسة والمحكمة الدستورية.
وعلى الله قصد السبيل
semibrahim@gmail.com
المصري اليوم
هل تحتاج مصر إلى جبهة تنقذها من الإخوان؟
Do I Understand that now dr S Ibrahim is convinced that ELEKHWAN is not trustworthy and most hypocrate party and dont believe in Democracy and constitutional State