المحاضران السوري والإسرائيلي يستبعدان حصول طلاق بين سوريا وإيران أو بين سوريا وحزب الله. ويتّفق المحاضران على أن بيروت أهم من الجولان في نظر دمشق.
*
سوريا: آفاق ‘إعادة الإنتشار الاستراتيجي’
16-18 تشرين الأول/أكتوبر 2009
حلقة نقاش خلال مؤتمر واينبرغ فاوندرز لعام 2009
“فيما يلي موجز مُحرر من حلقة نقاش عقدت خلال “مؤتمر واينبرغ فاوندرز لعام 2009″ بعنوان ” سوريا: آفاق ‘إعادة الإنتشار الاستراتيجي’ “. لا يجوز الاستشهاد بالموجز كنص فعلي لملاحظات المتحدثين.
عامر العظم
يهتم النظام السوري حقاً بتحسين العلاقات مع الغرب وإسرائيل. ومع ذلك يجب على المرء أن يدرك العوامل التي من شأنها أن تمنع دمشق من الموافقة على اتفاق سلام نهائي. إن الموضوع الأكثر أهمية هو أن النظام لن يتنازل عن بقائه في الحكم أو عن استقراره. لذا، فإن أي تعاطي جاد مع سوريا يجب أن يتضمن بعض الآلية لمعالجة ما يراه النظام كمخاوفه الأمنية المشروعة.
ويمثل إحدى هذه المخاوف احتمال تشكيل حكومة مناهضة لسوريا في لبنان. وتعتقد دمشق منذ فترة طويلة بأن وجود حكومة صديقة لها في بيروت أمر ضروري “لحراسة جناحها”، ولم تنسَ التعاون الماروني الإسرائيلي خلال الاجتياح الإسرائيلي على لبنان عام 1982. إن قيام الدبابات الإسرائيلية بالدخول بحرية إلى لبنان في ذلك الوقت والوصول إلى “المصنع” – على طول منحدر الطريق إلى دمشق – هي حقاً فكرة مخيفة بالنسبة للنظام السوري.
يعكس «حزب الله» أمل سوريا الأكثر واقعية لضمان وجود حكومة صديقة في لبنان. وتبعاً لذلك، أصبح الحفاظ على قوة المنظمة موضوع اهتمام مشترك لكل من دمشق وطهران. من وجهة نظر دمشق، إن الخضوع لمطالب الولايات المتحدة بالخروج من لبنان وقطع علاقاتها مع إيران لا تصب في المصلحة الاستراتيجية للنظام السوري. فـ«حزب الله» هو حليف النظام وتعتقد دمشق بأنها لا يمكن لها أن تخسره.
ولن تخضع دمشق للضغوط الغربية بدون حصولها على شئ تعويضي كاقتراح يضمن على الأقل تأثيراً سورياً محدوداً في بيروت. إن الفكرة القائلة بأن فرض عقوبات قوية سيؤدي إلى جلب سوريا إلى وضع بحيث تركع [أمام الغرب] ليست فكرة واقعية ولن تكون مقبولة نظراً لمرونة النظام وقدرته على الصمود ضد العقوبات الغربية السابقة.
وفي حين كانت سياسة التعاطي مع دمشق التي اتبعتها الولايات المتحدة حتى الآن مخيبة بالنسبة لواشنطن، إلا أن التطورات من وجهة نظر سوريا آخذة في التحسن. فبعد قيام مسؤولين أمريكيين بست زيارات رسمية إلى دمشق منذ بداية إدارة الرئيس الأمريكي أوباما، وفي حين سيقوم مسؤولون سوريون في وقت لاحق من هذا الشهر بأول زيارة على مستوى عال إلى واشنطن في غضون خمس سنوات، يعتقد النظام بأنه يثبت وجهة نظره بأن التعاون مع سوريا ضروري من أجل الوصول إلى اتفاق سلام شامل في الشرق الأوسط. وإذا لا تمضِ واشنطن قدماً في سياسة التعاطي معها، فإن سوريا تعتقد أن بإمكانها الانتظار حتى دورة الإنتخابات الأمريكية القادمة بأمل قيام إدارة أكثر استعداداً لتقبل موقفها.
هناك عامل آخر يمكن أن يحول دون “إعادة الإنتشار الاستراتيجي” الذي تعمل سوريا من أجله، وخاصة فيما يتعلق بالسلام مع إسرائيل، وهو عقيدة البعث التي لا تزال تلعب دوراً في الحفاظ على تماسك البلد. إن التضحية بالتحالفات الحالية والوصول إلى اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل سيتطلب إحداث تغيير كبير في الهوية الذاتية السورية، وهو موضوع أثبتت سوريا حتى الآن بأنها غير راغبة في القيام به.
أندرو جيه. تابلر
إن “إعادة الإنتشار الاستراتيجي”، وهي الفكرة القائلة أنه بإمكان حمل سوريا على التخلي عن تحالفها مع إيران والجماعات الإرهابية والتحرك في اتجاه [سياسة] مؤيدة للغرب، كان لها العديد من الأسماء على مر السنين. فقد ظهرت لأول مرة بعد حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973 تحت عنوان “الحوار البناء”، وتمثلت بالفكرة القائلة بأن لدى الولايات المتحدة قادرة على مكافأة سلوك سوريا الإيجابي بصورة أكبر من القدرة على معاقبتها على سلوكها السلبي، وبذلك يمكن سحب سوريا من المدار السوفياتي. إن الجهد الذي بُذل في السبعينيات من القرن الماضي من أجل التعاطي مع دمشق (والذي شمل قيام الولايات المتحدة بمنح مساعدات بحوالي نصف مليار دولار) شابه سياسة تواصل مماثلة تم اتباعها مع مصر. ومع ذلك، ففي حين وقّعت القاهرة على اتفاقية سلام مع إسرائيل في كامب ديفيد في عام 1978، رفضت سوريا ذلك المسار، وأعقب ذلك قيام وزارة الخارجية الأمريكية بوضعها في العام التالي على قائمة المؤسسين للدول الراعية للإرهاب. وبعد ذلك قطعت واشنطن جميع برامج مساعداتها إلى دمشق.
وظلت العلاقات الأمريكية السورية سيئة طوال الثمانينات من القرن الماضي. لكن، عاد شكل من أشكال الانخراط البناء إلى الظهور لفترة وجيزة خلال حرب الخليج عام 1991، عندما طلب الرئيس جورج بوش الأب من سوريا الإنضمام إلى التحالف ضد صدام حسين. ولكن على الرغم من ذلك، فإن العلاقة المستقرة نسبياً قد تحولت تدريجياً إلى مواجهة مباشرة خلال فترة إدارة جورج بوش الإبن، عندما سمحت سوريا للمقاتلين الجهاديين بعبور الحدود إلى العراق لقتل الجنود الأمريكيين في أعقاب غزو تلك البلاد عام 2003. وفي أيار/مايو 2004، شددت واشنطن عقوباتها على دمشق مما جعل من الأصعب على الشركات الأمريكية القيام بأعمال تجارية مع سوريا من أن تقوم بأعمال كهذه مع إيران.
وفي نهاية فترة إدارة بوش الإبن، وفي الوقت الذي كانت تركز واشنطن على تحقيق الإستقرار في العراق، بدأ المسؤولون الأمريكيون شكلاً من أشكال التعاطي المحدود مع سوريا تمثل بمناقشة الوضع الأمني في العراق وتدفق المقاتلين الأجانب. ومع ذلك، وقف نظام بشار الأسد صامداً في معارضته للسياسة الأمريكية في العراق، وانتظر بفارغ الصبر قدوم إدارة أمريكية جديدة. ولكن، سرعان ما برزت فجوة توقعات لا يمكن تجاوزها، وكانت واضحة من خلال طلب النظام [من إدارة الرئيس أوباما] إجراء محادثات رفيعة المستوى، ووضع حد للعقوبات. وجاءت هذه المطالب وسط تزايد الشكوك الأمريكية حول أربع قضايا رئيسية هي: علاقات سوريا العميقة مع إيران ودعمها المستمر لـ«حماس» و«حزب الله»، وتسهيلها دخول المقاتلين إلى العراق، واكتشاف الوكالة الدولية للطاقة الذرية مواداً نووية غير معلنة في “موقع الكبر” في شرق سوريا الذي قصفته [الطائرات] الإسرائيلية في أيلول/سبتمبر 2007. وعندما ترافق ذلك مع انهيار محادثات السلام غير المباشرة بين إسرائيل وسوريا في أعقاب تصاعد القتال في غزة، أدى هذا التشكيك إلى تباطؤ انخراط الولايات المتحدة إلى درجة تصل إلى حد “الزحف” البطيء.
إن قيام واشنطن في أيار/مايو وآب/أغسطس من هذا العام بتجديد العقوبات المفروضة على دمشق جذب في النهاية انتباه السوريين، وبدأوا يركزون الآن على السعي إلى التخفيف من القيود الإقتصادية. لقد اهتمت سوريا تقليدياً وقبل كل شئ بالمسائل السياسية ولم تكن معنية بالدرجة الأولى بمشاكلها الإقتصادية. ومع ذلك، ففي الوقت الذي يحاول فيه النظام خلق فرص عمل للجيل العامل من مواليد الثمانينيات من القرن الماضي، اكتشفت إدارة أوباما بأنها تملك الآن وسائل ضغط اقتصادية غير متوقعة. ولا يزال نهج التعاطي مع سوريا يشكل جزءاً أساسياً من سياسة واشنطن الرامية إلى إبعاد النفوذ الإيراني عن بلاد الشام. ومن ناحية المستقبل، سيحاول صناع السياسة الأمريكية الإستفادة من نفوذهم الإقتصادي المكتشف حديثاً من أجل تحقيق هذه الغاية.
إهود يعاري
لقد آمن قادة إسرائيل بقوة ولسنوات طويلة في النهج المتمثل بـ “سوريا أولاً” فيما يتعلق بحل الصراع العربي الإسرائيلي. ولم يعد هذا الإعتقاد قائماً اليوم. فالسوريون ليسوا على استعداد أن يحلوا محل الفلسطينيين، كما ليس من مصلحة إسرائيل اتخاذ هذا المسار، ولا سيما إذا كان ذلك يعني تأجيل القضية الفلسطينية إلى الجولة النهائية لعملية السلام. ومن وجهة نظر إسرائيل، لقد فات الأوان من أجل التعاطي مع سوريا في الوقت الحاضر، ويجب أن يأخذ المسار الفلسطيني الأسبقية في المحادثات.
ولم تستبعد دمشق فكرة التوصل إلى اتفاق سلام شامل خلال محادثات السلام السرية غير المباشرة التي جرت بين سوريا وإسرائيل في أنقرة، والتي انهارت في كانون الأول/ديسمبر عام 2008 بعد سنوات من الجهد. وفي الواقع، كان توقيع مثل هذا الإتفاق مسألة خطيرة بالنسبة للنظام نظراً لوضعه الراهن وللتحالفات التي انخرط بها. وإذا وافقت سوريا على تطبيع كامل لعلاقاتها مع إسرائيل، سيتعين عليها السماح للبنان بعمل الشيء نفسه، وعندئذ لن يكون رد «حزب الله» وراعيته إيران مؤاتياً. إن الهيمنة على لبنان عبر «حزب الله» هي ذات أهمية أكبر للمصالح السورية من استعادة مصنع للخمور ومزرعة للتماسيح في مرتفعات الجولان التي هي ذات أهمية منخفضة نسبياً. وفي هذا المعنى، فإن التوقيع على اتفاق سلام مع إسرائيل لا يشكل أولوية لسوريا.
وبالنسبة لإيران: سوف لن تنفصل دمشق بتاتاً وبصورة رسمية عن طهران، حتى وإن كانت هناك بعض نقاط الخلاف بين الحليفتين (ولا سيما فيما يتعلق بلبنان والعراق). إن تحالفهما ليس مجرد زواج مصلحة، بل يمتد إلى الوراء ثلاثين عاماً، من عهد حافظ الأسد والد الرئيس الحالي بشار الأسد؛ ويشعر النظام الحالي بالإرتياح تجاه هذا التحالف. وحتى لو كانت سوريا على استعداد للإنفصال عن إيران، لن تتغير المشكلة الإيرانية إلى حد كبير بالنسبة لإسرائيل والغرب. فلا تعتمد إيران على سوريا من أجل اختراق العالم العربي.
يجب أن نتذكر الثقة العميقة التي يوليها الرئيس الأسد لعقيدة الممانعة التي يتبعها في مواجهته لإسرائيل والغرب. فمن وجهة نظره، ثبت أن التوجه الإستراتيجي السوري الحالي هو سياسة فعالة: فالأمريكيون يرسلون إليه وفوداً للتحدث معه، كما أن لدمشق اليوم نفوذاً في لبنان أكبر مما كانت تمتلكه خلال ذروة الإحتلال السوري، ويبدو أن نظاماً جديداً معادياً للمحور الغربي بدأ يتشكل في الشرق الأوسط، بحيث سيمتد في النهاية ليشمل سوريا وإيران، وحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، والعراق (يعتمد ذلك على التطورات السياسية في بغداد). لذلك فإن سياسة الإحتواء والضغط هي الوحيدة التي يمكنها حالياً تحريك سوريا في الاتجاه الصحيح.
عامر العظم و أندرو جيه. تابلر و إهود يعاري
عامر العظم هو مؤرخ وعالم آثار سوري، ويعمل استاذ مساعد لتاريخ الشرق الأوسط والأنثروبولوجيا في جامعة شوني التابعة لولاية أوهايو. وقد شغل سابقاً منصب رئيس مركز البحوث الأثرية في جامعة دمشق.
أندرو جيه. تابلر هو زميل سوريف في برنامج معهد واشنطن للسياسات العربية ويركز على العلاقات الأمريكية السورية.
إهود يعاري هو معلق لشؤون الشرق الأوسط في القناة الثانية بالتلفزيون الإسرائيلي وزميل دولي لمؤسسة ليفر في معهد واشنطن.