“في كل مرة يتحدثون معي فيها عن الإله أشعر وكأنهم يريدون محفظتي وحياتي”. بردون.
ويقول التاريخ: كلما ارتقى الإنسان وتطورت شخصيته انخلع عن الأطر الاجتماعية الضيقة.
(2)
الحوثيون والسلفيون والباطنيون والقبوريون والوهابيون، وغير ذلك من المسميات التي أحالت إلى ما قبلها ورجعت بنا إلى الهاشميين والعلويين والقحطانيين والعدنانيين وكل ما لا يمكن أن يدخل في رصيد حساب “الوحدة اليمنية ” أو ينسب لإنجازاتها في عيدها السابع عشر إلا بضغط منطق الوقائع التي تشهد بأن العام 2007م قد اختُطِف قبل أن يطل برأسه، ومعه اختطف الساسة والسياسة والصحافة في اليمن من قبل “هؤلاء” السالف ذكرهم.
وتبعاً لما صار سقط حق الروائي السوداني الكبير الطيب صالح في السؤال: من أين جاء هؤلاء؟
ذلك لأن “هؤلاء” ليسوا غرباء، ولم يهبطوا علينا من السماء ولم يخرجوا من المقابر وإن كانوا يرضخون لسلطتها وينفذون أوامرها.
والواضح أكثر أنهم من إنجازات السلطة الحاكمة التي تستأثر بالنصيب الأوفر في إنتاج “هؤلاء” لأن الشواهد تقطع بسيطرة هذه السلطة على شبكة إنتاج المذاهب والطوائف والتلاعب بها وهندسة حروبها الدامية.
كما تشهد التجارب بأن فساد السلطة ينتج في مقابلة الهوس الديني الذي يؤشر على حركة المجتمع الهابطة إلى منحدر اللاعقلانية و”الماضوية” وكل ما من شأنه نقل الهزيمة في السلطة إلى المجتمع بأسره.
إن “هؤلاء”، وآخرهم “علماء الأمة”، قد ظهروا بالتواقت مع غياب العقل والعقلانية، وانحسار مظاهر الحداثة وعناوينها.
فبعد أن كنَّا نتغنى بالتعددية، الحزب، النقابة، أطلت الطائفية برأسها لتنصب المشانق المقدسة لكافة مقولات الحداثة.
وبدلاً من الالتفات نحو الأسباب التي قفزت بـ”هؤلاء” إلى صدارة المشهد وكانوا بمثابة التعبير الجلي عن هزيمة قيم العقلانية والديمقراطية أمام قيم اللاعقلانية و”الطائفية” المستبدة، وبالأحرى الترجمة الفصيحة لصورة المجتمع المأزم والمتجه نحو الانتحار الذاتي.
وبدلاً من الهروب إلى حقل اللاتحديد وفضاء العمومات، أصبح من الضروري تفسير “هؤلاء” بفشل بناء الدولة الذي أفضى إلى اغتراب العقل وتدميره، وأفسح المجال لتغول سلطة مستبدة فاسدة لا تجيد أكثر من إدارة البلاد بالحروب، واللعب بالورقة الدينية “الطائفية”، وإفساد الدين والدنيا.
وعلى ذلك فإن الذكرى السابعة عشرة لـ”الوحدة” تأتي هذا العام في ظل الانتقال من الحديث عن “الساعة” إلى حديث الساعة، والحض على الطاعة والامتثال لولي الأمر، وما يعنيه كل ذلك من إلقاء تحية الوداع على الدستور والمواطنة المفترضة والوطن المفترى عليه.
mansoorhael@yahoo.com
كاتب من اليمن