ينفي المقال التالي الذي نشرته “هآرتز” الإسرائيلية صفة “الحادث” عن قصف مدرسة غزّة ويضعه في خانة التكتيك العسكري المتعمّد الهادف إلى “ترويع” الفلسطينيين وقتل فكرة المقاومة، علاوة على توفير حياة الجنود الإسرائيليين. ولا يحتاج المرء لخيال واسع لكي يتصوّر أن المقصود بـ”الآخرين” الذين يشير إليهم “الضابط الإسرائيلي الكبير” في المقطع الثاني هم “حزب الله” أو اللبنانيين عموماً. ويلفت النظر أن الكاتبين يتحدثان عن “حادثة مشابهة في قانا” إبان “حرب لبنان الثانية”، وهذا يشبه إقراراً بأن قصف المدنيين في “قانا” لم يكن “خطأ” غير مقصود. ولا حاجة للقول بأنه إقرار بخرق متعمد للقوانين الدولية.
“الشفّاف”
(بعد نشر الموضوع، وردتنا التصحيحات التالية من الصديق سلمان مصالحة:
اسم الطريق هو “طريق فيلادلفي”، وليس فيلادلفيا…
ثانيًا: اسم الصحفي: يساخاروف (وليس يساتشاروف).
خطأ آخر: ليس تكتيكًا عدوانيا ( بل القصد هو: تكتيك عنيف)
*
ما يلي ترجمة المقال الذي كتبه “أموس هاريل” و”آفي إيساتشاروف” في “هآرتز”:
الحادثة التي قتل فيها 40 مدنياً حينما قصفت قوات الدفاع الإسرائيلية مدرسة تابعة لـ”الأونروا” في مخيم جباليا للاجئين يوم أمس الثلاثاء لم تكن مدعاةً للدهشة في نظر المتتبّعين لأحداث غزة في الأيام الأخيرة. ويقرّ ضباط كبار بأن الجيش الإسرائيلي يقوم باستخدام قوة نارية هائلة.
وأوضح أحدهم: “بالنسبة لنا، أن نكون حذرين يعني أن نكون عدوانيين”. وأضاف: “منذ لحظة دخولنا، فقد تصرّفنا كأننا في حرب. وهذا يسبب دماراً هائلاً على الأرض.. كل ما آمله هو أن بعض الذين فرّوا من المنطقة المحاذية لمدينة غزّة سيصفون الصدمة. ربما يدفع ذلك البعض لكي يعوا ما يحصل قبل أن تصل الأمور إلى أبعد من ذلك”.
ما لم يقله هذا الضابط بصراحة هو أن ذلك هو سياسة متعمّدة. فبعد صدمة حرب لبنان في 2006، أدرك الجيش أن وقوع خسائر كبيرة في صفوف قوات الدفاع الإسرائيلية سيؤثر سلباً في دعم الرأي العام (ودعم الطبقة السياسية خصوصاً) للحرب، وسيحدّ قدرة الجيش على تحقيق أهدافه. وبناءً عليه، فإنه يستخدم تكتيكات عدوانية لتوفير حياة جنوده. وقد أخذت حكومة إسرائيل بالإعتبار هذا الجانب حينما وافقت على العملية البرية يوم الجمعة الماضي، وبالتالي فليس هنالك من داعٍ لكي تغيّر رأيها الآن.
كما أنه لا يُحتمل أن تسفر حادثة الثلاثاء، بما سقط فيها من قتلى مدنيين، عن وقف فوري لإطلاق النار. إن مقتل مدنيين يعزز الضغط الدولي لوقف إطلاق الناار، مما يعني أن الحادثة ستقرّب نهاية الحرب. ومع ذلك، فإن حرب لبنان الثانية استمرت بضعة أسابيع بعد حادثة مشابهة في “قانا”.
علاوة على ما سبق، فالوضع في غزة يختلف اختلافاً طفيفاً عما كان عليه الوضع في لبنان. أولاً، وحتى حادثة الثلاثاء، بدا العالم غير مبالٍ نسبياً بالضحايا في صفوف المدنيين الفلسطينيين. ففي يوم الإثنين، قُتِلَ 31 من أفراد عائلة “سموني” حينما سقطت قذيفة على منزلهم في غزة. وفي اليوم نفسه، قتل 13 من أفراد عائلة “الدايه” بقذيفة إسرائيلية أخرى. مع ذلك، كانت التغطية الإعلامية الدولية للحادثين محدودة نسبياً.
ثانياً، لا يرغب أي من اللاعبين الدوليين الرئيسيين في تقوية “حماس”. إن فرنسا ومصر هما اللذان تتزعمان جهود وقف إطلاق النار حالياً، ولكن مقترحاتهما أقرب إلى مطالب إسرائيل منها إلى مطالب “حماس”. وبناءً عليه، فإذا لم تُذعن “حماس” وتقبل بمقترحات فرنسا ومصر، فإن القتال سوف يستمر.
ويبدو أن النقطة الرئيسية التي تحول دون إعلان وقف إطلاق النار هي إيجاد حلّ لمشكلة تهريب الأسلحة الذي تقوم بها “حماس”. وتجري إسرائيل محادثات مكثّفة مع الولايات المتحدة بهدف الوصول إلى صفقة تكون مقبولة لمصر. وبين المقترحات المطروحة إرسال فرق مهندسين تابعة للجيش الأميركي لتتولّى التدمير المنهجي لكل “طريق فيلادلفيا”، حيث تقع أنفاق التهريب بين غزة ومصر.
وكان الجنرال “دان هاريل”، الذي كان قائد الجبهة الجنوبية، وهو الآن نائب رئيس الأركان، قد اقترح حفر قناة على طول “طريق فيلادلفيا” للحؤول دون عمليات التهريب. وفي حينه، تم رفض الفكرة على أساس أنها فكرة مجنونة. وبناءً عليه، انسحبت إسرائيل بدون اتخاذ أية إجراءات في ما يتعلق بـ”طريق فيلادلفيا”، وتحوّلت أنفاق التهريب الواقعة تحت هذا الطريق إلى جادات واسعة لتهريب الصواريخ التي تُطلَق على “بئر السبع” و”أشدود” و”غيديرا”.
إن أي تأخير في المفاوضات الديبلوماسية يمكن أن يؤدي إلى تصعيد القتال. وستصل حكومة إسرائيل بسرعة إلى لحظة قرار ثانية، حينما سيتوجّب عليها أن تقرّر إما توسيع العملية عبر نشر جنود الإحتياط الجاري الآن تدريبهم في “تسيليم”، أو القبول بما تعتيره وقف إطلاق نار غير مثالي، يعقيه إنسحاب سريع من غزة. وسيمثّل هذا القرار مقارنة كلاسيكية بين عاملي المخاطرة والمكافأة. فهل تضاهي فرص تحسين نتيجة الحرب مخاطر مقتل عدد أكبر من الجنود في حال شن هجوم أوسع نطاقاً، وبالعكس؟
“هآرتز”: قصف مدرسة الأونروا تكتيك متعمّد لتوفير حياة الجنود و”للترويع” لبنان ينام على حرير الصواريخ؟ “تواجه إسرائيل مجموعة من الحروب، الحدودية والاقتصادية والدينية، إضافة الى حربين شرستين. الأولى من اجل النفط الذي يعتبر عنصراً مهماً في الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني منذ وعد بلفور حتى اتفاق تقاسم ثروات الخليج. والثانية المياه التي قد يُعتبر النقص فيها سبباً للحرب ويتطلب توزيعاً عادلاً واستثمارات كبيرة. وإسرائيل لا تستطيع المحافظة على وجودها بتراكم هذه الحروب ومعها موازين القوى. اذ رغم تفوقها التكنولوجي، فإنها معرضة لأن تُسحق سكانياً وخصوصاً أن النخبة فيها تغادرها، واقتصادها ينهار والحرب المستمرة تؤشر إلى نهاية الصهيونية”. جاك اتالي (في كتابه… قراءة المزيد ..