حسم الرئيس بشار الاسد خيار المواجهة العسكرية والامنية لمعالجة المأزق الذي يعيشه النظام في مواجهة الاحتجاجات. وهو حسم ايضا من وجهة نظره كرئيس للجمهورية انه ليس رئيسا لكل السوريين بل هو فقط رئيس الموالين له. وحين استقبل مندوب الامم المتحدة والجامعة العربية كوفي أنان اخيرا اعتبر ان الحوار السياسي “يتم بعد القضاء على المجموعات الارهابية” مؤكدا ان “هذه قضية سيادية”، اي انها غير خاضعة للحوار. لم يخرج كوفي أنان ليعلن رسميا فشل خطته، كان يدرك كما المضيف ان المجتمع الدولي يتمهل قبل اتخاذ اي قرارات حاسمة في شأن الازمة في سورية، وان سياسة شراء الوقت هي القاسم المشترك بين مجلس الامن الدولي والنظام السوري، فيما المستجد هي المخاطر التي بدأ يتلمسها اللبنانيون عبر محاولات سورية دؤوبة لرمي كرة النار السورية الى لبنان وطرابلس نموذجاً. فبين السلوك الميداني الدموي المستمر للنظام السوري والسلوك الرؤيوي الذي عبر عنه خطاب الاسد يتضح ان الاخير سيقاتل حتى النهاية وليس لديه اي استعداد جدي للحوار.
في المقابل اتخذت جهات في المعارضة السورية، وبدعم اقليمي تركي، قرار القتال العسكري في اول رد نوعي على خطاب الاسد، عبر غرفة عمليات يمكن وصفها بالـ”إقليمية” تشكلت الاثنين في اسطنبول. وهو قرار مرشح لأن يجد صداه عربيا. فلنلحظ الامتعاض السعودي، ذاك الذي عبر عنه وزير الخارجية سعود الفيصل من الموقف الاممي والاميركي اتجاه تعنت النظام السوري حيال خطة أنان واستمرار عمليات القتل في سورية. سنعرف بعدها ان الرياض قاب قوسين من دعم تشكيلات عسكرية سورية معارضة الى جانب الجيش السوري الحر، سيتم الاعلان عنها في المدى القريب. وسيشكل اتحاد العشائر السوري عامودها الفقري. فحين يصبح أي حديث عن أي حل سياسي خارج ما يراه النظام السوري دعماً للإرهاب لا يبقى سوى العنف العسكري حلاً وحيداً للأزمة السورية. يؤكده قول الرئيس بشار الأسد في خطابه الأخير: “من يدعو إلى الحل السياسي عليه أن يطرح العلاقة بينه وبين الإرهاب”. (يبدو ان الرئيس الاسد حسم اخيرا تعريف الارهاب)
أما في المقلب اللبناني، وبعدما حسم النظام السوري قرار التحصن علويا، معززا بانكفاء الجيش السوري ومجموعاته الخاصة عن مناطق واسعة في سورية، وتركز نشاطها العسكري في مناطق ترمز الى هيبة السلطة، فان خيار الحرب الاهلية التي يدفع سلوك النظام السوري باتجاهها في سورية، تواكبه عمليات تسلح قوى المعارضة السورية في بدايات منظمة مرشحة للظهور اكثر في الاشهر المقبلة. وفي ظل حسم الخيار المذهبي في سورية لم يعد هناك مانع من جر لبنان اليه. احداث طرابلس وما سبقها في عكار هي الرسالة السورية المباشرة الى لبنان، وهي رسالة في توقيتها وطبيعتها لقيت استجابة طرفين، وتحسبا لدى طرفين آخرين.
طرفان يريدان التوتر في لبنان وهما موضوعيا يستجيبان لمطلب النظام السوري: الأول هو مجموع الاطراف السياسية اللبنانية المعروفة بتبعيتها الامنية والسياسية للنظام السوري، والثاني بعض الجهات السلفية التي تجد في عنوان الصراع المذهبي فرصا لامساكها بزمام الامور في الساحة السنية.
اما الطرفان المتحسبان او المتمنعان حتى الآن من الانجرار الى هذه المواجهة فهما حزب الله وتيار المستقبل. فإذا كان حزب الله ملتزما خط الدفاع عن النظام السوري وحلفائه في لبنان، إلا أنّه ليس ملتزما خطة هجوم هذا النظام في لبنان كما حصل في الشمال اخيرا. واذا كان لا بد له من استخدام قوته العسكرية فهو يمكن ان يستخدمها في مرحلة ما بعد سقوط النظام السوري للحد من تداعياته عليه وليس في معركة لا مكاسب له فيها ولم يختر هو توقيتها. كذلك تيار المستقبل ليس صاحب مصلحة في ادخال لبنان داخل دوامة الصراع المذهبي. فتجربة الشمال أظهرت ان بعض التيارات السلفية قادرة على تجاوزه وربما اقصائه في اي تصعيد ميداني وعسكري للصراع مذهبي.
على ان ذلك لا يقلل من مخاطر تمدد المواجهات الى خارج الشمال. خصوصا ان ظاهرة بعض السلفيين، الداعين الى مواجهة ما يسمونه “الخطر الشيعي والعلوي”، هي تنظيمات افقية وليست هرمية، وهي باتت قادرة على تنويع مصادر تمويلها المالي والعسكري. وفي ظل الضخ المذهبي المتبادل بين السنة والشيعة وحدة الاستقطاب باتت هذه المجموعات تجد من يغذيها. فإلى بعض الدول الخليجية هناك العديد من رجال الاعمال ومن هؤلاء من اعلن في مجلسه الخاص بإحدى الدول الخليجية وامام الملأ انه دعم حزب الله ماليا بعد حرب الـ2006 وخلالها انطلاقا من واجب ديني، وانه مستعد ليمول مجموعات اسلامية تحارب او مستعدة لمحاربة الشيعة وحزب الله وايران في لبنان وسورية من المنطلق نفسه.
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد