تشهد بعض اللقاءات التي تضم شخصيات شيعية غير حزبية حوارات نقدية لأداء الثنائي الشيعي السياسي (حزب الله وحركة أمل) ومواقفه من مختلف التطورات الداخلية والخارجية.
وتتوجه معظم الانتقادات والملاحظات نحو حزب الله، إن على صعيد تعاطيه مع الأوضاع الداخلية وما يجري في المناطق التي له نفوذ قوي فيها (الضاحية الجنوبية، الجنوب، البقاع)، اضافة إلى موقفه من الوضع السوري ودعمه لنظام الرئيس بشار الأسد وعدم أخذه في الاعتبار المتغيرات الحاصلة في المنطقة. أما على صعيد حركة أمل ورئيسها نبيه بري فإن النقاشات تطالها لكن بدرجة أقل حدة وذلك بسبب حرص الرئيس بري على ايجاد نوع من التمايز بينه وبين مواقف الحزب حسب بعض الآراء التي تطرح في هذه اللقاءات.
ومع ان هذه اللقاءات الشيعية لم تتخذ اشكالاً منظمة، بل تجري بشكل عفوي، فإن البحث يستمر بين بعض المشاركين فيها في كيفية تطويرها وايصال صوتها للجهات المعنية من القوى السياسية الشيعية، وذلك لمعالجة الخلل الحاصل وتطوير الواقع الشيعي نحو الأفضل.
فما هي أبرز الملاحظات والآراء التي تطرح في هذه النقاشات والحوارات الشيعية؟ وكيف يرد مسؤولو حزب الله والأوساط القريبة من الحزب على الانتقادات التي تطرح؟
الملاحظات النقدية
بداية، ما هي أبرز الملاحظات والآراء النقدية التي تطرح في بعض الحوارات التي تضم شخصيات شيعية غير حزبية؟
على الصعيد الداخلي تتركز معظم الآراء والملاحظات على ما يجري في المناطق التي فيها نفوذ قوي لحزب الله وحركة أمل وخصوصاً الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع، سواء لجهة انتشار الفساد الاجتماعي (المخدرات، الدعارة…) وضعف سيطرة الدولة وازدياد الاعتداءات على الأملاك العامة وفرض الخوات وانتشار المقاهي بين الأحياء وعدم وجود ضوابط لسير الفانات والدراجات النارية، وفرض الخوات من بعض المجموعات العائلية.
وتتوجه المسؤولية نحو حزب الله بشكل أساسي والى حركة أمل ثانياً ومن ثم الى أجهزة الدولة، وان كان القاسم المشترك لكل هذه الملاحظات شعور المواطنين بضعف حضور الدولة ومؤسساتها وفقدان الهيبة لدى الأجهزة الرسمية، ما يؤدي إلى انتشار هذه الحالات حسبما يقول المشاركون في هذه اللقاءات.
أما الملف الثاني والأكثر أهمية الذي يُناقش في هذه الحوارات، فيتعلق بموقف حزب الله وحركة أمل من الأوضاع في المنطقة، لا سيما الوضع السوري والدعم الذي يقدم لنظام الرئيس بشار الأسد. ورغم تفهم بعض المشاركين في هذه اللقاءات لمصلحة المقاومة والعلاقة الاستراتيجية التي تربط حزب الله وحركة أمل وكذلك الجمهورية الإسلامية الايرانية مع النظام السوري وما قدمه من دعم للمقاومة في لبنان وفلسطين، فإن هؤلاء يدعون الى ضرورة تعديل الخطاب السياسي والإعلامي لكي يكون أكثر توازناً بين السلطة والمعارضة في سوريا، والتوقف عن شنّ الحملات الاعلامية على التحركات الشعبية في سوريا حتى لو كانت هناك ملاحظات نقدية على أداء بعض قوى المعارضة السورية على الصعيد السياسي والإعلامي والميداني.
ويدعو بعض المشاركين في النقاشات الى ضرورة البحث عن رؤية جديدة للقوى الشيعية السياسية، سواء في لبنان أو على الصعيد العربي تجاه التطورات الجارية، وذلك من أجل منع الانجرار نحو حرب مذهبية جديدة، وللبحث عن نقاط التلاقي مع القوى الإسلامية التي برزت مجدداً في أكثر من دولة عربية بعد الثورات الشعبية وخصوصاً حركات الإخوان المسلمين.
ردود حزب الله
لكن ماذا يقول المسؤولون في حزب الله عن هذه الملاحظات؟ وكيف يتعاطى الحزب مع المشاكل الداخلية؟
يؤكد المسؤولون في الحزب، ان قيادة الحزب حريصة على معالجة كل المشاكل في المناطق التي يزداد فيها نفوذه، وان الحزب قدَّم كل التسهيلات الممكنة للأجهزة الرسمية للقيام بواجباتها لمواجهة الفساد الاجتماعي والاعتداء على الأملاك العامة، وان هناك تنسيقاً وتعاوناً مع كل المسؤولين لتطبيق خطة جديدة ولمنع المخالفات (وهذا ما أكده مؤخراً وزير الداخلية مروان شربل خلال زيارته الأخيرة للضاحية الجنوبية).
اما على صعيد مواقف الحزب من التطورات في سوريا والوضع في المنطقة، فمسؤولو الحزب يؤكدون ان وقوفهم مع النظام في سوريا بسبب دعمه للمقاومة لا يعني انهم موافقون على كل أدائه الأمني والسياسي، وان لديهم الكثير من الملاحظات على ذلك، وقد عملوا طويلاً في الأشهر الماضية للتوصل الى حلول للأزمة السورية بما يؤدي إلى الإصلاح السياسي ووقف كل اشكال العنف. لكن الأمور على الأرض والتطورات السياسية لم تساعدهم في تحقيق نتائج إيجابية.
ويوافق المسؤولون في حزب الله على الآراء والملاحظات التي تؤكد وجود متغيرات كبرى في المنطقة، وخصوصاً نجاح القوى الإسلامية في الوصول للحكم في أكثر من دولة عربية، وان هناك تخوفاً من اندلاع فتنة مذهبية، لكنهم بالمقابل يؤكدون أنهم حرصاء على الانفتاح على كل القوى الإسلامية والعمل لمنع حصول أية فتنة، والبحث عن نقاط مشتركة مع كل الإسلاميين، رغم وجود الكثير من العقبات التي تقف حاجزاً دون ذلك.
إذاً، «النقاشات الشيعية» تعبّر عن وقائع حقيقية، وردود ومواقف حزب الله وحركة أمل والمسؤولين الإيرانيين بشأن مختلف التطورات لا تعني عدم وجود المشاكل والمخاوف، سواء على صعيد الوضع الداخلي اللبناني أو لجهة ما يجري عربياً وإسلامياً، وكل ذلك يتطلب إعادة البحث الجدي في كل هذه التطورات ومعالجة النقاط التي أدت وتؤدي الى ازدياد التباعد بين مختلف الأفرقاء الإسلاميين، إن لجهة الوضع في سوريا أو ما يجري في لبنان من أحداث، او التطورات الجارية في أكثر من بلد عربي وإسلامي، فالمنطقة تشهد متغيرات كبيرة تتطلب خطاباً وأداءً جديدين يراعيان هذه المتغيرات، وإلا فإن هناك خوفاً كبيراً من الانجرار نحو صراع مذهبي جديد.
kassem_1960@hotmail.com
* كاتب لبناني
مجلة الأمان