المطالبة باستقالة الحكومة ضرورية لكنها غير كافية، ولا تلغيها هرولة المجتمع الدولي إلى تكليف رئيسها “حفظ” استقرار لبنان، مع رئيس الجمهورية. وما أعقب تشييع اللواء وسام الحسن ورفيقه اتاح لقوى “14 آذار” إظهار القدرة على المبادرة في العملية السياسية، التي تكتمها رهبة السلاح، وعلى كون قرارها يتأتى من المصلحة اللبنانية لا مما تمليه النصائح الدولية.
لا تجهل هذه القوى أنها لا تستطيع اسقاط الحكومة في الشارع، ديموقراطيا، بسبب سلاح الحزب الذي لا يخفي استعداده لاستعماله في أي وقت. كما تعرف أن من يملك اسقاط الحكومة هو من كان انتقاله السياسي إلى جانب مدبريها صرخة الخلاص لولادتها، أي وليد جنبلاط، الذي يخرج من “الهمروجة” الراهنة، في صورة ساند الاستقرار، وحاميه. لكن هذه القوى تستند إلى أن مساوئ حكومة “النأي بالنفس” لم توفر لبنانيا، من العامل إلى رب العمل، وأن موبقاتها، في الأمن والجمارك، والتعيينات وقانون الانتخاب، وتمرير الأموال لبعض الأنظمة، تزيد القلق العام من استمرارها، وتحض على التكاتف ضدها.
قد يتندر البعض بأن الخصم السياسي احتل ساحة رياض الصلح، لسنة ونيف، من دون أن ينجح في اسقاط حكومة فؤاد السنيورة، فهل “تنجز” خيم عدة ما فشل فيه “معسكر”؟ الجواب نعم، إذا تذكر، من يريد، أن هذه الحكومة لم تراكم سوى الفشل، في كل الميادين، وأن ما تطرحه “14 آذار”، وسلميا، ليس الحلول مكانها، بل مجيء حكومة محايدة توقف التدهور الاقتصادي والمالي والأمني، وتبعد نيران النظام الأسدي عن لبنان.
فالخطر مزدوج يضيء على أهمية توسيع إطار التحرك الوطني بتشكيل أوسع جبهة سياسية – شعبية، تكون 14 آذار رائدة فيها، في مجلس وطني يتيح لكل رافضي إحراق لبنان على مذبحة بشار الأسد، وحكومة حلفائه، أن يشاركوا في صون الوطن والدولة، سواء منظمات المجتمع المدني، أو القوى السياسية الناشئة، أو الخارجون على الثنائية الشيعية السياسية، وحتى هذه إذا قررت، ولو متأخرة، أن لبنان أولا.
حدث 19 تشرين الأول 2012 يشابه حدث 14 شباط 2005 في الهدف، وهو الإلحاق بالوضع السوري: الخنوع للقمع، قبل 7 سنوات، والاحتراق بنيران الأزمة السورية اليوم. وإذا كان الشعور الوطني بالأمن الاجتماعي والمالي والاقتصادي اغتيل باغتيال رفيق الحريري، فإن الشعور الوطني بالأمن السيادي اغتيل باغتيال وسام الحسن. وفيما حتّم الحدث الأول مواجهة مع عدو مباشر هو احتلال النظام الأسدي للقرار اللبناني، فكان إخراج جيشه من لبنان بقوة إرادة شعبية واسعة، فإن الحدث الأخير يتزامن مع تصميم النظام نفسه على مد نيران أزمته إلى الجوار، ومع تصميم حكومة حليفه المسلح على إغراق لبنان في بئر من الأزمات، ما يفرض جبهة أوسع.
كاتب لبناني
m2c2.rf@gmail.com
النهار