توقف غسّان شربل، رئيس تحرير جريدة الحياة اللندنية، في افتتاحية يوم أمس الاثنين، أمام عبارة للرئيس السوداني عمر حسن البشير يقول فيها: “إذا اختار الجنوب الانفصال سيعدّل دستور السودان، وعندها لن يكون هناك مجال للحديث عن تنوّع عرقي وثقافي وسيكون الإسلام والشريعة هما المصدر الرئيسي للتشريع”.
علّق شربل على كلام البشير قائلا: “فاجأني الكلام أنا اللبناني الخائف على بلده من أزمة مكوّنات شبيهة بتلك التي عصفت بالعراق. فاجأني وفجعني. هل هذا كل ما يستطيع قوله رئيس بلد يواجه خطر خسارة وحدته في غضون أسابيع، ولماذا يرجح المسؤولون الشماليون أن يختار أبناء الجنوب الانفصال في استفتاء التاسع من الشهر المقبل؟ وهل صحيح أن غياب التنوّع يستحق الاحتفال حتى لو تمزقت الخريطة؟ ومن قال إن إغراء الطلاق سيقتصر على الجنوب”.
واختتم شربل تعليقه بالقول: “إننا في بدايات موسم الطلاق. يجدر بالدول العربية أن تقرأ جيدا دروس إقليم كردستان العراق وجنوب السودان. العجز عن اللقاء بالآخر في رحاب دولة مؤسسات وحقوق وواجبات ينذر بمزيد من التمزقات أو الأقاليم أو حفلات الطلاق”.
يستوقفني في كل ما تقدّم السؤال التالي “هل هذا كل ما يستطيع قوله رئيس بلد يواجه خطر خسارة وحدته في غضون أسابيع؟”.
الجواب: نعم. هذا كل ما يستطيع قوله رئيس يواجه بلده خطر خسارة وحدته في غضون أسابيع. فلو كان لديه ما يقوله غير هذا الكلام لما تمكنّا من سرد الحقائق التالية:
أولا، يزيد عدد الأميين في السودان على ستين بالمائة من عدد السكان.
ثانيا، لا يتجاوز دخل الفرد في السودان 400 دولار في العام.
ثالثا، نسبة وفيات الأطفال في السودان من بين الأعلى في أفريقيا والعالم العربي.
رابعا، يحصل ربع السودانيين، فقط، على مياه صالحة للشرب.
خامسا، ينفق السودان على التسليح والجيش أكثر مما ينفق على التعليم.
سادسا، وهذه المعلومات مستقاة من التقرير العربي للتنمية الاقتصادية، ومفادها أن سبب التخلّف في السودان يعود إلى 1- انتهاكات حقوق الإنسان. 2- عدم تمكين النساء. 3- الخلل في بنية المؤسسات. 4- ندرة المعارف التقنية، أي أن قوة العمل والكادر الإداري يفتقران لمؤهلات تقنية. 5- نقص إنسان الحكم الصالح، وهذا يعود بنا إلى فكرة المواطنة والحقوق والواجبات، وسيادة القانون، والفصل بين السلطات، والشفافية، والمحاسبة، وهي أشياء يبدو أنها لم تتوفر بعد.
وإلى كل ما تقدّم ربما نضيف الحقائق التالية:
أولا، يعاني السودان من حرب أهلية بدأت منذ أواسط الخمسينيات، وتعتبر أطول الحروب الأهلية في القارة الأفريقية. وقد حصدت حتى الآن أرواح مليونين من المواطنين السودانيين.
ثانيا، الفترة التي قضاها الرئيس البشير في الحكم هي الأطول في تاريخ الحكّام السودانيين منذ الاستقلال. وقد وصل إلى سدة الحكم عن طريق الانقلاب العسكري، متحالفا مع حسن الترابي، زعيم الإسلاميين السودانيين، وأطاح به بعد فترة من الوقت، بعدما صادر واحتكر لنفسه شعاراته الدينية.
ثالثا، ثمة مشكلة انفصالية في دارفور، أيضا.
رابعا، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق البشير، بتهمة ارتكاب جرائم حرب.
على ضوء هذا كله نفهم لماذا لا يملك الرئيس السوداني كلاما من نوع آخر قبيل انفصال الجنوب، الذي يتأكد يوما بعد يوم، وتمزيق الوحدة الترابية للدولة السودانية. فلو كان صاحب مهارات سياسية وإدارية يُعتد بها، ما عدا مهارة البقاء في الحكم، لما أصبحت بلاده على قاب قوسين أو أدنى من الهاوية.
ومع ذلك، فلنفكر في أمر آخر، أي في العبارة التي اختتم بها شربل مقالته، والتي تكلّم فيها عن بدايات موسم الطلاق، وعن ضرورة وقوف العرب أمام الدرسين العراقي والسوداني.
هذه المسألة ذات أبعاد إستراتيجية بعيدة المدى، وهي مسألة ثقافية وسياسية في المقام الأوّل، وفي العمق منها يتجلى احتمال تفكك الدولة القومية، التي عرفتها وعاشت في ظلها شعوب وأقليات مختلفة في العالم العربي على مدار قرن من الزمن.
وحتى إذا وضعنا الأقليات القومية جانبا فإن الانقسام في بعض البلدان العربية، التي لا توجد فيها أقليات قومية ودينية ولغوية، ربما يحدث استنادا إلى تناقضات دينية وطائفية وجهوية. ففي دارفور، مثلا، أغلبية السكّان عرب مسلمون، لكن نـزعتهم الانفصالية في تزايد، وكذلك الشأن في اليمن، ومناطق أخرى كثيرة.
كان الشرق، دائما، فسيفساء عرقية، ودينية، ولغوية. وإذا كنا لا نستطيع النظر بكثير من الإعجاب إلى طريقة الجيل الأوّل من بناة الدولة الحديثة في العالم العربي، في معالجة الفسيفساء العرقية والدينية واللغوية، إلا أننا لا نستطيع تجاهل حقيقة أنهم كانوا أكثر حساسية إزاء الواقع الاجتماعي لبلدانهم من أجيال لاحقة أصابها هوس التعريب والصهر القوميين.
ولكن ما يستحق التذكير والتنبيه أن الأصولية الدينية تستكمل اليوم مشروع التعريب والصهر القوميين من خلال عملية مزدوجة عنوانها الأسلمة، وفك وتركيب الدولة القومية الحديثة، حتى لو اقتضى الأمر تمزيق وحدتها الاجتماعية والسياسية، والجغرافية.
عند هذا الحد نعود إلى سؤال في افتتاحية شربل: “وهل صحيح أن غياب التنوّع يستحق الاحتفال حتى لو تمزقت الخريطة؟ ”
الجواب: نعم، مع ملاحظة أن شعارات البشير الدينية مطعون فيها، على الأقل من جانب حلفائه السابقين، الذين أطاح بهم، ووضعهم في السجون. وراء كل بشير، في كل مكان آخر، حلفاء سابقون، وما لا يحصى من الطعون. المهم أن غياب التنوّع يستحق الاحتفال حتى لو تمزقت الخريطة. نعم. الجواب نعم.
Khaderhas1@hotmail.com
كاتب فلسطيني يقيم في برلين
جريدة الأيام
نعم، الجواب: نعم..!! فاروق عيتاني — farouk_itani@live.com استدراك: في اليوم التالي لكتابة التعليق، حدثني حدسي، فنبهني الى التزامن الزماني بين خطاب البشير الملولح بتطبيق الشريعة، وما نشر في الميديا عن جلد المراة، واثار ما اثار. قال حدثي: “من المحتمل ان البشير نفسه خلف نشر شريط الفيديو ذاك”؛ كي يعطي كلامه بعيد ذاك عن الشريعة امكانية التنفيذ”. وعليه تصبح التعليقات التي صدرت حول موضوع الجلد نوعا من الوقوع في الفخ. فالانظمة العربية، وهي اخوة متشابهة مسلكيا، تقدم نفسها للغرب على اساس انها تؤمن مصالحه: ضد الارهاب، ضد العودة الى الشريعة،… الخ. ومن هنا فان ما فعله البشير من التلويح بتطبيق الشريعة(بلفة)… قراءة المزيد ..
نعم، الجواب: نعم..!! فاروق عيتاني — farouk_itani@live.com السودان… يبدو ان الاطراف التي ضمت الى الدول العربية دخلت في طور المغادرة.. ماذا سيفعل البشير؟ كلام الشريعة، كلام تهويلي لا يفيد… ربما على البشير ان يطرح مع مبارك تصحيح خطأ عبد الناصر في الخمسينات عندما وافق على الطلب البريطاني بفصل مصر عن السودان. ربما لو اندفع البشير الى الامام بترتيب اعادة وحدة وادي النيل على الطريقة الفدرالية الاميركية. من المحتمل ان يكون القذافي قد اقترح العودة الى مشروع الدولة الاتحادية في سبعينات القرن الماضي، خلال الاجتماع الثلاثي في الخرطوم الذي ضمه مع مبارك الى البشير… قد يغري هذا الطرح مبارك، فطالما دخلنا… قراءة المزيد ..