كان “الشفاف” منبرالنخبة السورية المتمردة منذ بداياته في العام ٢٠٠٤. إلى حد أننا تعرّضنا لتهديدات متعددة من النظام، ومن صهر النظام (“الشهيد” آصف شوكت أثناء أحد اجتماعاته مع.. نيقولا ساركوزي!)، ومن توابع النظام في لبنان. وبديهي، إذاً، أن “الشفاف” كان وما يزال مع الثورة السورية ضد بشّار الأسد ونظامه البعثي الحقير!
مع ذلك، فالمسائل التي يطرحها “أدونيس” تتجاوز، بكثير، “سقطات” أدونيس نفسه! وحتى لو اعتبر الناس أن”أدونيس” يرتدّ إلى أصول “علوية” مزعومة (وهذا ليس مؤكداً)، فالأسئلة التي يطرحها جديرة بالنقاش بغض النظر عن شخصه! إذا كان أدونيس مخطئاً، فكيف نفسّر ظهور “النصرة” و”أحرار الشام” و.. وكيف نفسّر “تسنّن” عدد من كبار المثقفين السوريين، ودعواتهم لـ”استئصال” العلويين (الذين دفعوا ثمناً باهظاً من المعتقلين والمقتولين في عهدي الأسد)؟ وكيف نفسّر استيلاء “الفاشيست الإسلاميين” على الثورة السورية؟ وهل يخطئ أدونيس حينما يزعم أن “الإستقلال” كان “تنازلاً” من الغرب؟
صحيح أن انطلاق مظاهرات “التنسيقيات” من الجوامع لم يكن مشكلة، كما تقول الكاتبة الكويتية! ولكن سيطرة “الفاشية السوداء”، والتسمية هي لـ”بطل وادي البانشير”، “أحمد شاه مسعود”، هو حتماً.. مشكلة! وهو مشكلة خاصة بـ”مجتمعات عربية-إسلامية”!
وهذه “المشكلة” هي التي أمدّت بعمر نظام بشّار الأسد “الفاشيستي” لسنوات عدة! وهذه المشكلة تتجاوز بكثير شخص أدونيس!
” ليسقط أدونيس”! حسناً، ولكن كيف نُسقِط “الجولاني” و”القرضاوي” و”الظواهري” وحتى.. مذيع الجزيرة “الحقيروف” أحمد منصورالذي كتب في جريدة قطرية حقيرة داعياً لتحجيب النساء.. في الغرب!
بيار عقل
*
نص مداخلة سعدية مفرح، رئيسة القسم الثقافي في القبس، ردا على أدونيس في مهرجان أثير للشعر العربي في سلطنة عمان:
قال السيد ادونيس قبل قليل انه سعيد لأن عبارته ضيقة، واتمنى ألا يكون صدره ضيقا أيضا.. عن سماع ما أريد قوله والذي سبق وان كتبته ونشرته.. لا أدري بأي صفة يخاطبنا أدونيس وهو يرانا كعرب مجرد أمة منقرضة.
يعلّل أدونيس سبب رفضه مناصرة الشعب السوري في ثورته بأنها انطلقت من مسجد، ويرفض ذلك المنزع الديني الذي نزعت إليه. حسناً. يمكننا بسهولة تقبّل هذا التعليل في سياق علمانية أدونيس، لولا سابقته الشهيرة في تأييد الثورة الإيرانية التي انطلقت من “حوزة”. يومها، لم يكتفِ أدونيس بتأييد ثورةٍ يقودها “رجل دين” وبشعارات دينية وحسب، بل إنه بالغ كثيراً في تأييدها، إلى درجةٍ جعلته يتخلى قليلاً عن حداثته الشعرية، ويكتب قصيدة مديح تقليدية لتلك الثورة، قال فيها:
“سأغنّي لـ(قم) لكي تتحوّل في صبواتي، نارَ عصفٍ، تطوّف حول الخليج”.
وعلى الرغم من أن صاحب “الثابت والمتحوّل” بقي ثابتاً على قصيدته تلك، ولم يتحول أو يحيد عنها، أي أنه لم يتنصل منها في أي مرحلة من حياته لاحقاً، إلا أنه لم يجد غضاضة في الازورار عن الثورة السورية التي اشترك فيها، منذ البداية، المسلم والمسيحي وغير المؤمن بالأديان. في البداية، لم يتحمّس أدونيس للثورة، ثم انتقدها بشدة لاحقاً، ثم فضّل النظام الديكتاتوري الحاكم عليها. وأخيراً، رفضها تماماً، فقط لأنها لم تجد مكاناً، أو ظرفاً، تنطلق منه سوى الجامع، متناسياً قيمة الجامع ووظيفته في البلاد الإسلامية، وهي وظيفة تتعدى تقليدياً الدور الديني، لتجعل منه بؤرة من بؤر الحياة المدنية. ومن هذا المنطلق، لم يجد مثقفون ومفكرون سوريون كبار، ومحسوبون على التيار الليبرالي والعلماني، وباختلاف خلفياتهم الدينية، مثل صادق جلال العظم وعزيز العظمة وعبد الرزاق عيد وعارف دليلة وبرهان غليون وميشيل كيلو، وغيرهم، أي غرابةٍ في أن يكون الجامع بداية الانطلاق للثورة، بل إنهم لم يتوقفوا عند هذه الجزيئة الإجرائية، وهم ينحازون لصفوف الثوار، كما يليق بمثقفين حقيقيين.
قرأت تقريباً كل مقالات أدونيس في السنوات الأخيرة، وتابعت معظم لقاءاته الصحافية والتلفزيونية، وخصوصاً التي تتناول الشأن السياسي والمجتمعي والفكري، ولكنني لم أعرف، حتى الآن، ماذا يريد أن يقول لنا بالضبط. لست، الآن، بصدد الكتابة عن شعره الذي يروقني، وأضع أدونيس، بسببه، في مصاف شعرائي المفضلين، لكنني أتحدث عن أفكار وآراء ونظريات يحلو للشاعر الكبير غالباً أن ينشغل بها، ويشغل قراءه معه فيها، منذ نشر كتابه “الثابت والمتحوّل” في السبعينيات. وأدونيس الذي ترك الوطن العربي، مقيماً في باريس، يحلو له أن يبادر بإطلاله على “الجماهير” العربية، بين فترة وأخرى، مقيّماً لها وموجّهاً مسيرتها، ومنتقداً ما تقوم به، ولا أدري ما هدفه من ذلك، ما دام يرى أن “العرب في مرحلة انقراض”، كما قال في أحدث لقاءاته التلفزيونية، والذي أجرته معه “سكاي نيوز” العربية.
فاجأ أدونيس مستمعيه ومشاهديه في المقابلة، بقوله إن “ما يحدث في سورية صراع دولي، وليس كما حلمنا به أن تكون ثورة”، فهل كان أدونيس من الحالمين بالثورة فعلاً؟ وقال أيضاً: “الدكتاتورية الدينية أخطر من الديكتاتورية العسكرية”، ولا أدري كيف لمثقف يتوسّل جناحي الحداثة والعلمانية أن يفاضل بين الديكتاتوريات أصلاً، على اعتبار صدّقنا أن نظام الأسد ليس نظاماً دينياً (ووراثياً) معتمداً في هيكله التكويني على الطائفة العلوية.
أما أسوأ ما قاله أدونيس في المقابلة: “نحن غير جاهزين للديمقراطية“، ويعني بضمير الجمع هنا الشعب العربي بأكمله. لم يوضح متى نكون جاهزين، وهل هو معنا غير جاهز، وكيف سنجهز، هل على يد النظام الديكتاتوري الذي سيعطي الشعب دروساً مجانية في تعلُّم الديمقراطية، أم على يد الغرب مثلاً؟ لا نعرف، فممثل الحداثة الرجعية، وفقاً لوصف عبد الله الغذامي، يسبح في فلكه الخاص، يقول ولا يسمع، ويوجّه ولا يناقش!
لم يكتفِِ أدونيس بنزع شرعية الثورة الراهنة في سورية، بل عاد إلى الوراء، ليستهتر بدماء مناضلي سورية على مر التاريخ الحديث كله، حيث قال: “نحن أُعْطِينا الاستقلال منحةً من الدول الغربية، وعلينا الاعتراف بذلك“.جملة من التناقضات التي قد يستطيع هذا الشاعر المبدع تقديمها، بشكل جمالي أخّاذ، في قصائده، كما يليق بشاعر حقيقي وكبير فعلاً، لكنه يفشل دائماً في مداراتها، على الرغم من اجتهاده وهو يخاطب جماهير عربية يحتقرها، ويظن أنها تستمع إليه، وإلى غيره، ولا تفكر وهي تمشي في طريقها إلى الانقراض! لعلّ “الوضوح” الوحيد الذي يمكن أن نستخلصه من بين مواقف أدونيس، في السنوات الأخيرة، ما تمثّل في تصريحه لصحيفة الغارديان البريطانية، مع طلائع الحراك الثوري العربي عام ٢٠١٢؛ بأنه سيكون ضد “الديمقراطية” لو جاءت بالإسلاميين. أي إنه يريد ديمقراطية مفصّلة لمقاساته الشخصية، لا للجماهير العربية المنقرضة، وكأنه وحده المخلّد.
الحقيقة لسنا مؤهلين ( أعني العرب و المسلمين) للديمقراطية بعد 1300 سنة من حكم الخلفاء (أظلم واتعس حكام في التاريخ) للديمقراطية و لا بد لنا من ذيمقراطية معرفية لنتهيأ للديموقراطية كما قال أدونيس في رسالتيه المفتوحتين للمعارضة والنظام في بداية الأحداث.