قالوا إنّ «14 آذار» فشلت في نقل لبنان من مرحلة إلى أخرى، وإنّ الاطار السياسي الجامع – مسلمين ومسيحيين – لم يعد على «الموضة»، بعدما شهدت المنطقة استقطاباً مذهبياً حاداً، ويشهد العالم معها العودة إلى رسم الحدود العرقية والمذهبية، حتى بات انتخاب دونالد ترامب في اميركا أمراً طبيعياً، قد يفتح الباب أمام نماذج مماثلة في أوروبا والعالم.
إذاً، قالوا إنّ العودة إلى المربّع الطائفي هو شرطٌ لأن نصبح «أقوى»، وإذا أصبحنا أقوى ننتزع حقوقنا من الطوائف الأخرى «الموحّدة»، ونحصل على ما لم نحصل عليه في زمن «14 آذار».
هذه العودة يا صديقي، تناقضت مع توجهاتنا السابقة التي عملنا عليها سوياً في مرحلة «قرنة شهوان» ثم «البريستول» ومن بعدهما في «14 آذار»، عندما كان التوجُّه: لقاء الآخر المختلف من أجل تدعيم الوحدة الداخلية الإسلامية ـ المسيحية لمواجهة المصاعب.
توجُّهنا أنجز استقلال لبنان الثاني من خلال جلاء الجيش السوري عن لبنان في 26 نيسان 2005.
أنجز انتخابات نيابية في موعدها، بعد خروج الجيش السوري.
أنجز حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى، حكومة المقاومة السياسية الباسلة في وجه العدوان الإسرائيلي ثم في وجه الحصار الميليشياوي.
أنجز إطلاق سراح الدكتور سمير جعجع من خلال عريضة وطنية إسلامية – مسيحية وأتاح عودة العماد ميشال عون، وأظنّك سمعت بأنه أصبح اليوم رئيسنا.
أنجز عودة الكتائب إلى عائلتها.
أنجز القرار 1701 والمحكمة الدولية – 1757 و1680.
أنجز علاقات ديبلوماسية مع سوريا.
أنجز توازناً سياسياً ناجحاً لمصلحتنا، مع تنظيم أمني عسكري تبرز قوته يوماً بعد يوم على مساحة المنطقة.
ولأنهم لم يألفوا فكرة الوحدة الداخلية في الوطن الكبير، بل ألفوا منازلهم الضيقة المسيّجة بالعصبيات، وضعوا الطوائف في حالة مساكنة تحكمها المناكفة، مع رسم حدود فصل واضحة بين طائفة وأخرى.
هذه المساكنة تُدخلنا في حربٍ باردة دائمة بين الطوائف حول كل شيء، حتى في نقل موظف فئة رابعة من موقع إلى آخر.
وهذه المساكنة قد تنزلق نحو العنف في أيّ لحظة في ظل ظروف المنطقة.
هذه المساكنة حوّلت كل طائفة مكوّناً سياسياً مستقلاً عن الآخر، وأدخلت الطوائف في لعبة موازين قوى داخلية تستند إلى موازين قوى خارجية غير ثابتة ورَجراجة.
وفي هذه اللعبة التي يصفونها بالذكية والواقعية، أبدو أنا، صديقك ورفيقك، وكأنّي غير واقعي، لأنني رفضتها ولا أزال، من أجل رفاقنا الذين قدّموا مثلك، دماءهم على مذبح الوطن.
سنستمر في الكفاح من أجل وحدة اللبنانيين، مسلمين ومسيحيين، لأننا نرفض مثل هذا «الذكاء» في تجريد لبنان من خصائصه التي صنعت قوته وفرادته… نرفض مثل هذا الإنحدار الذي يتوهَّم الارتفاع!
* الرسالة السنوية في ذكرى استشهاد الوزير بيار الجميّل