ترددت كثيراً قبل كتابة هذا المقال. فلقد انتابني شعور يراوح بين الأسف الشديد وخيبة الأمل أمام مشهد سياسي لم تعد تحكمه سوى الغرائز وردود الفعل والمصالح الضيقة.
عدت بالذاكرة الى الماضي، فاستعدت حالات شبيهة بهذه التي نعيشها اليوم.
تذكرت عبثية الخيارات التي حاولنا أن نفرضها بعضنا على البعض الآخر: من “الجبهة اللبنانية” التي خيّرتنا بين توحيد البلاد بشروطها أو التقسيم! الى “الحركة الوطنية” التي خيّرتنا بين دولة المقاومة أو اللادولة! الى الوصاية السورية التي خيّرتنا بين سلم اهلي خاضع لمصالحها أو تجديد الحرب الأهلية… وصولاً اليوم الى “حزب لله” الذي يخيّرنا بين السلم الأهلي بشروطه أو الحرب الأهلية!
تذكرت أيضاً الرهانات الخاطئة التي اتخذناها، من الرهان على المقاومة الفلسطينية لبناء نظام أكثر عدلاً وتوازناً، الى الرهان على سوريا لإنقاذ المسيحيين، الى الرهان على اسرائيل لإنهاء الوجود الفلسطيني في لبنان… وصولاً اليوم الى الرهان على الجمهورية الاسلامية في ايران لحماية مسيحيي الشرق!
وتذكرت أيضاً وأيضاً الانقلابات في المواقف التي قمنا بها والتي قادتنا من “حرب تحرير” ضد سوريا الى “حرب إلغاء” في ما بيننا، ومن مقاومة اسرائيل الى محاصرة المخيمات الفلسطينية، ومن توحيد البندقية لمواجهة العدو الخارجي الى الاقتتال الداخلي… وصولاً اليوم الى الدفاع عن النظام في سوريا ضد الدولة في لبنان!
وتساءلت: هل محكوم علينا أن نكرر الى ما لا نهاية الأخطاء ذاتها؟ ألم نتعلم شيئاً من تجاربنا المأسوية؟ ألم نستخلص درساً واحداً من كل تاريخ الآلام واليأس والذل؟!
ألم ندرك بعد كل تلك التجارب، استحالة العيش في بلد يعقد بعض أحزابه الطائفية مع الخارج روابط سياسية واقتصادية وعسكرية وثقافية، باستقلال تام عن الدولة اللبنانية وعلى حسابها… في بلد تعاقبت “المقاومات المسلحة” على أرضه – من مقاومة شعبية عام 1958، الى فلسطينية عام 1969، الى لبنانية عام 1975، الى وطنية عام 1982، الى اسلامية منذ عام 1985 – لتجعل من لبنان، عن قصد أو غير قصد، ساحة معركة دائمة، خدمةً لمصالح حزبية أو خارجية؟!
ألم ندرك استحالة العيش في بلد تتهدّد وجوده وهويته على الدوام أحزابٌ سياسية تحاول، باسم ضرورات طائفية أو ايديولوجية، أن تُعيد النظر في عيش اللبنانيين المشترك، وأن تفرض عليهم رؤية لهذا العالم لم يختاروها ولا يريدونها؟!
ألم ندرك استحالة قيام الدولة السيدة مع وجود جيشين على أرضها، يخضع أحدهما لإمرتها، ويخضع الآخر لإمرة حزب سياسي أو دولة أجنبية؟!
هل في هذا القصور الفادح عن استخلاص الدروس شيء من الذكاء؟
*****
في “لقاء قرنة شهوان”، واجهنا دعوات تيئيسية كادت تصل بنا حد الاستسلام. وكم من “نصيحة” أتتنا في ذلك الزمان لتقول إن هناك توافقاً عربياً ودولياً داعماً للوجود السوري في لبنان، وإن علينا القبول بالأمر الواقع والتكيف معه.
غير أن دعم الكنيسة، وتوحيد الرؤية في ما بيننا، وتمسكنا بوطن وصيغة عيش اخترناهما بإرادتنا الحرة، وتواصلنا مع الآخر الشريك على رغم خطوط التماس المفروضة سورياً… ذلك كله مكّننا من اطلاق “انتفاضة الاستقلال”.
هذا في زمن الوصاية السورية حيث كان المسيحيون مهمشين، ومتهمين وملاحقين… من دون أن يكون المسلمون أحسن حالاً على صعيد حرية القرار والاختيار.
فما الذي حصل بعدها لكي نشهد هذا السقوط المريع في صفوف المسيحيين؟
كيف تحوّلنا من جماعة لعبت الدور الأساسي في قيام الكيان اللبناني وبناء الدولة الى جماعة “تحشر” نفسها داخل فكرة “أقلوية” ويدفعها هاجس الخوف الى البحث عن حماية لها من خارج الدولة التي هي جزء مكوّن لها، وعلى حسابها؟!
كيف تحوّلنا من جماعة لعبت الدور الرئيسي في إعادة توحيد اللبنانيين من أجل استعادة استقلال لبنان وسيادته وحريته الى جماعة تواجه الحركة الاستقلالية وتبحث عن دور لها في استغلال الصراع المذهبي السني – الشيعي؟!
كيف تحوّلنا من جماعة عملت على مراجعة نفسها واستخلاص العبر والدروس من تجاربها – خلاصات السينودوس من أجل لبنان (1995)، ونصوص الإرشاد الرسولي (1997) والمجمع البطريركي الماروني (2006) – الى فئة تسجن نفسها في الماضي، تسلّم أمرها الى قيادات لا تزال تبحث عن مشروعية لها في ماضي الحرب، والى زعامات تعمل على نكء الجراح، بحثاً عن مقابر جماعية لمسيحيين قتلهم مسيحيون آخرون، وعن مجازر ارتكبها مسيحيون في حق مسيحيين آخرين، وذلك لاستنفار العصبيات القديمة وتوظيفها في الصراع على الزعامة، من دون اعتبار لمآسي الذين فقدوا أهلاً لهم، ومن دون اعتبار لتشويه صورة المسيحيين تجاه انفسهم وتجاه الآخرين؟!
كيف تحوّلنا من جماعة لها دور أساسي في قيام أول دولة حديثة وديموقراطية في العالم العربي الى جماعة لا همّ لها سوى تأمين “حقوق” لها في الدولة من دون اهتمام بضرورة تطويرها لجعلها قادرة على مواكبة العصر وتأمين حياة آمنة وكريمة لجميع اللبنانيين؟!
كيف تحوّلنا من جماعة تميزت في تاريخها الطويل بالانفتاح على العالم، والتواصل معه مباشرة وعبر انتشار ابنائها في كل انحائه الى أقلية منغلقة على نفسها في مواجهة مع المجتمع الدولي والغرب والعرب وقابلة لأن يضعها من يدّعي تمثيلها في دائرة الاستخدام لنظام ايراني تحكمه سلطة مطلقة باسم الدين، وتجاهر بسعيها لإقامة “شرق أوسط اسلامي جديد”؟!
كيف تحوّلنا من جماعة لعبت دوراً اساسياً في نهضة العالم العربي الى جماعة غير معنية بالتطور الأساسي الحاصل في المنطقة، وذلك في اللحظة التي بدأ العرب فيها يتبنّون الأفكار والمبادئ التي من أجلها ناضل المسيحيون على مدى أكثر من قرن: التسامح والاعتدال ورفض التطرف والاقرار بالتنوع والتعدد والانفتاح على الثقافات الانسانية…؟!
*****
الأخطر من ذلك كله، “إصرارنا العجيب” على تهديم كل ركائز وجودنا في لبنان!
من الكنيسة التي وصفنا سيّدها بأسوأ النعوت، وهو الذي أطلق معركة استعادة الاستقلال وأعاد الى المسيحيين كرامتهم ومكانتهم ورسم لهم في المجمع البطريركي طريقاً للمستقبل، الى رئيس الجمهورية الذي يتعرض لهجوم مركز، فنطالب له بـ”حقوق مسلوبة”، ونرفض أن يمارس حقوقه الفعلية، الى المؤسسات الاقتصادية التي أصيبت إصابات كبرى جراء كل ما جرى، من حرب تموز 2006 الى احتلال وسط بيروت، الى اجتياح بيروت بقوة السلاح…
لقد بتنا نفاخر بأننا تحوّلنا الى “أهل ذمة” وبأن حمايتنا لم تعد تأتي من دولة أوجدناها أصلاً لحمايتنا، بل من “ورقة تفاهم” تضمن لنا أن السلاح غير الشرعي لن يوجَّه الى صدورنا، بل الى صدور الآخرين! وبتنا ندافع عن الجلاد ضد الضحية خوفاً من أن يتذكرنا، فيحّول سلاحه ضدنا. وصرنا نهلل لمن يرفع شعار “الثورة الاسلامية”، وندين كل من ينادي بـ”لبنان أولاً”! ولم يعد ينقصنا سوى استرجاع أولادنا من جامعات فرنسا وبريطانيا وأميركا وارسالهم الى جامعات ايران، إثباتاً لحسن نياتنا تجاه من اخترناهم لضمان أمننا ومستقبلنا!
كذلك بتنا نفاخر في بداية القرن الحادي والعشرين بأننا عدنا الى منطق العشائر والقبائل، منطق الاستسلام الى شخص يقرر مصيرنا، فيقودنا الى حيث يريد من دون مشاركة أو مساءلة. ولم نعد نمارس من السياسة سوى الطقوس – من رموز وألوان وحركات جسدية – التي تؤكد ولاءنا للقائد الملهم!
*****
لست بهذا المقال في صدد الترويج لفريق ضد آخر. وللأمانة، لا بد من القول بأن أخطاء عديدة قد ارتكبها الفريق السياسي الذي انتمي اليه في مواجهة هذا الواقع المأسوي، آخرها تلك التي رافقت التحضير للانتخابات والتي أدت الى تحويل المعركة من مناسبة لتحديد حجم الخيار الاستقلالي على مساحة الوطن الى مناسبة لتحديد أحجام الأحزاب والشخصيات والزعامات المحلية داخل التيار الاستقلالي نفسه، في حين كان المطلوب من الاحزاب أن ترتقي الى مستوى المرحلة وتعلن نيتها تشكيل كتلة نيابية واحدة، بدل التصارع في ما بينها ومع الآخرين على حجم كتلها الحزبية. إن هذا الأمر ساهم في ضرب صورة الحركة الاستقلالية وبدأ يولد تساؤلات مشروعة حول إدارة المعركة الانتخابية. كذلك بدأ يتسبب بتغذية نزعة “انسحابية” لدى جمهور واسع لم يعد يرى انسجاماً بين الشعارات المرفوعة والممارسات الانتخابية.
ثمة أخطاء أخرى ارتكبت في مواجهة هذا السلوك الانتحاري الذي تحركه شهوة البعض الى السلطة. وعلى الأحزاب المسيحية التي تحاول اليوم الحد من الخسارة وإعادة تصويب الاتجاه، أن تعيد النظر في اسلوب عملها، وأن تعمل على تجديد نفسها كي تضع حداً لهذا التوتر المزمن القائم بينها وبين شرائح واسعة من المجتمع باتت تتميز بالانفتاح والحداثة، وهي التي كان لها الدور الأساسي في انجاح معركة الاستقلال الثاني.
نقطة البداية في هذه المراجعة المطلوبة هي اكتشاف سرّ انتفاضة الاستقلال، تلك اللحظة التاريخية النادرة من الوصل والتوحد بين اللبنانيين التي أدّت الى تكوّن رأي عام استقلالي، تجاوز الترسيمات الطائفية والمناطقية والحزبية والعشائرية، ليشكل كتلة مدنية فاعلة، غير مسبوقة كماً ونوعاً في تاريخ لبنان. واذا كان “الوصل” هو سرّ الانتفاضة، فإن هذه الكتلة العابرة للترسيمات التقليدية الآسرة هي شعب الاستقلال.
*****
نحن اليوم على أيام قليلة من استحقاق كبير ومصيري.
فالانتخابات النيابية الآتية سوف تحدد مصير لبنان لفترة طويلة. وهي انتخابات يمتلك فيها المسيحيون الكلمة الفصل، ذلك أن المناطق ذات الغالبية المسيحية هي التي سترجح الكفة.
فاذا أحسنّا الاختيار، نكون قد أوقفنا الانهيار وبدأنا نعيد الامساك بمصيرنا.
وإذا أسأنا الاختيار، نكون قد اتخذنا، عن وعي أو غير وعي، قراراً بالخروج من السياسة، وهو قرار يمهد لخروجنا من التاريخ.
إنها فرصة قد لا تتكرر.
ولمن يسأل عن الوجهة التي ينبغي أن تحكم اختيارنا، أقول إن لبنان هو أمام أمر من اثنين: إما أن يبقى، كما هو اليوم، ساحة حرب مفتوحة، وهذا يعني نهاية لبنان الذي عرفناه واخترناه، وإما أن يبني سلامه بعد أكثر من ثلاثين عاماً من القتال والاقتتال. وإذا هناك من دور مميز للمسيحيين في لبنان، يعيد اليهم مكانتهم وحضورهم وفاعليتهم، فهو دور الوصل والربط بين اللبنانيين تحت عنوان سلام لبنان.
لماذا السلام؟
• لأن السلام هو البديل من الحرب الأهلية التي تتهددنا جميعاً، حرب أهلية “ساخنة”، كما في أيار 2008، أو حرب أهلية “باردة” تبقي الأمور معلقة الى حين يأتي من يحركها من الخارج ولصالح الخارج.
• لأن السلام والاستقرار هما شرط لإصلاح دولتنا وتحريرها من الصراعات الطائفية التي تتهدد وجودها وتعوق حركتها، ومن الزبائنية الطائفية التي تفسد عملها، وهما ايضاً شرط لإعطاء العدالة الآتية مع المحكمة الدولية بعدها الأوسع من خلال إعادة الاعتبار الى فكرة القانون كناظم للحياة بين الناس. كذلك هما شرط لإقامة دولة مدنية تكفل للمواطنين من دون تمييز حقوقاً متساوية وفرصاً متساوية للحصول عليها، دولة تضمن الحضور الحر للطوائف خارج منطق العدد الذي يُستخدم لتخويف اللبنانيين، دولة تؤمّن أوسع المشاركة من خلال اعتماد اللامركزية الادارية، دولة توفر العدالة للجميع من خلال سلطة قضائية مستقلة.
• لأن السلام هو السبيل لبناء مجتمع لا يُختزل فيه الفرد ببعده الطائفي، مجرداً من دوائر إنتمائه الأخرى التي تُغني شخصيته، مجتمع لا يُستخدم فيه الدين لغايات سياسية وسلطوية، متحولاً بذلك عن وظيفته الأساسية، ألا وهي إرشاد البشر إلى العيش معاً بسلام، مجتمع يستطيع الفرد فيه أن يختار العيش وفق نظام الأحوال الشخصية الذي يراه مناسباً، دينياً أكان أم مدنياً، مجتمع ليس فيه تمييز ضد المرأة، وحيث العدالة لا تميّز بين حاكم ومحكوم، مجتمع لا تُطيح فيه القوانين الراعية للحريات العامة حرية الفرد، مجتمع يبدأ فيه احترام الذات من احترام الطبيعة…
• لأن السلام من شأنه أن يحمي لبنان من انتكاسة اقتصادية جراء الأزمات المالية والاقتصادية المتلاحقة في العالم والتي بدأت تنعكس سلبياً على شبابنا العاملين في الخارج، كذلك هو شرط ضروري لتأمين التنمية الإقتصادية والإجتماعية لبلدنا، وإتاحة الفرصة أمامه للدخول بخطى ثابتة في عصر العولمة. ذلك بتنمية رصيده الإنساني الذي يشكل ثروته الأساسية، وبتفعيل تلك الشبكة الإستثنائية التي يمثلها الإغتراب اللبناني في العالم.
• لأن السلام بما ينطوي عليه من تهدئة للخواطر والنفوس، يسمح بالشروع في مراجعة ذاتية لإستخلاص عِبَر الحرب وتجاوز الماضي، وتأمين مصالحة اللبنانيين مع أنفسهم ومع الآخرين، كي يتمكنوا من معانقة مستقبلهم المشترك بأمان.
• لأن السلام شرط لازم لإعادة الإعتبار إلى نموذج العيش اللبناني، الذي لا تتأتى أهميته من تجاور طوائفه الدينية أو تساكنها، بل من اختلاطها وتفاعلها اللذين يجعلان من المجتمع اللبناني بوتقة إنسانية فريدة، في زمن أصبح موضوع العيش معاً بسلام يمثل تحدياً جسيماً للإنسانية جمعاء، بفعل التغيّرات الهائلة التي أحدثتها العولمة.
• لأن السلام الدائم والشامل هو المناخ الملائم لتجديد دور لبنان في محيطه العربي وفي العالم: دوره المساهم في اشتقاق طريق عربية نحو الحداثة، والمشارك في خلق نظام جديد للمصلحة العربية المشتركة، حديث ومنفتح على العالم؛ دوره في تعزيز خيارات الإعتدال وتعزيز التواصل بين الاتجاهات الاصلاحية في المنطقة لدرء أخطار حروب أهلية تترصّد غيرَ بلد عربي؛ دوره الأصيل في الجهود المبذولة للعودة بالمتوسط إلى ما كان عليه من صلة وصل وتفاعل بين شعوبه وثقافاته العريقة، الأمر الذي يشكل أحد الضمانات الأساسية لإستقرار هذا الجزء الحيوي من العالم.
*****
في نهاية هذا المقال، سأستعين بالخاتمة التي تبنّاها المجمع البطريركي الماروني للنص المتعلق بـ”الكنيسة المارونية والسياسة” والتي جاء فيها “أن قدر الموارنة وخيارهم هو أن يتمسّكوا برسالتهم التاريخيّة، وأن يكونوا عامل تواصل في هذا الشرق بين مكوّناته المتعدّدة وبينه وبين العالم، وقوة دفع نحو المستقبل في مواجهة التخلّف”.
وتؤكد الخاتمة “أن الموارنة ليسوا أقليّة ترتبط بعلاقات جوار وتساكن مع الآخرين، وتبحث عن سبل تنظيم تعايشها مع الأكثريّة والمحافظة على خصوصيّتها. إنّهم جماعة لها دور فاعل من خلال تواصلها وتفاعلها مع كلّ الجماعات في رسم مستقبل مشترك لها ولهم، يقوم على المبادئ التي تؤمّن للإنسان حريّته وتحفظ كرامته وتوفّر له العيش الكريم”.
وتتضمن هذه الخاتمة “أهمّ التحدّيات التي تواجه الموارنة، والمتّصلة بالشأن السياسيّ”، وهي:
أولا- “العودة إلى هويّة الكنيسة المارونيّة، القائمة على قيم الحريّة، ونشر روح الوفاق، وسلوك طريق الحوار والتواصل والانفتاح والمحبّة، فنشهد للمسيح في عالم متغيّر من خلال الأفراد ومن خلال المؤسّسات الكنسيّة؛”
ثانيًا- “تطوير مفهوم جديد للمواطنيّة مبنيّ على العقد الاجتماعيّ القائم على العيش المشترك في ظلّ دولة ديموقراطيّة تضمن مساواة الأفراد في الحقوق والواجبات كما تضمن احترام التنوّع الطائفيّ؛”
ثالثًا- بقاء “لبنان مساحة للحوار الإسلاميّ المسيحيّ، في عالم يشهد انقسامات بليغة في هذا المجال، متضامنين مع العالم العربيّ لمواجهة مقولة صراع الحضارات التي تضع الإسلام والمسيحيّة بعضها في مواجهة البعض الآخر، فنرتفع إلى مستوى مسؤوليّاتنا وأصالتنا ورسالتنا في هذه المنطقة من العالم؛”
رابعًا- الأخذ في الاعتبار عولمة الكنيسة المارونيّة للتشبّث بثوابتها وخياراتها الأساسيّة، المستمدّة من قيَمها الإنجيليّة، ومتابعة المنتشرين حفاظاً على هويّتهم الإيمانيّة والكنسيّة، وتعميقًا لانتمائهم إلى مجتمعاتهم المعاصرة، وتشجيعاً لالتزامهم في الحياة العامّة، بهدف بناء مجتمعات تعالج مشاكل الفقراء والمعدمين وقضايا العدل وحقوق الإنسان.”.
*****
إن عودة اللبنانيين، وفي طليعتهم المسيحيون، الى جوهر المشروع اللبناني ودوره الخلاق في محيطه والعالم… هذه العودة “رهن بذكائهم”، بحسب تعبير لحميد فرنجيه عام 1956، في ظروف مشابهة لما نحن عليه اليوم من تعقيدات وتحديات اكتنفت أوضاع اللبنانيين عموماً والمسيحيين خصوصاً.
… والذكاء ليس الشطارة و”الفهلوة”، كما يظن البعض.