في كلام سابق، اعتبر المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي الثورتين المصرية والتونسية بمثابة استمرار للثورة الإيرانية التي أسقطت الشاه في عام 1979. وفي كلام لاحق يوم الخميس في نهاية حزيران/ يونيو الفارط، أضاف لهما اليمن وليبيا واعتبرها ثورات بمثابة صحوة إسلامية معادية لأمريكا والصهيونية، إلا الثورة السورية فقد اعتبرها بمثابة انحراف بل نسخة مزيفة عنها، لأنها حسب زعمه صناعة أمريكية هدفها إيجاد خلل في جبهة الممانعة.
للتاريخ نكتب أن كلام السيد خامنئي في جوهره ليس بعيداً عن كلام حليفه في لبنان السيد حسن نصرالله في نظرته إلى الثورة السورية بل ويبدو أن أحدهما صدى للآخر. وهو كلام هدفه إخراج الثورة السورية خص نص من سياقات الثورات العربية الأخرى لأغراض تخص تحالفاتهم واستراتيجياتهم، ولكنه غير قادر على إقناع أحد. فماأخرج أهل مصر وتونس وليبيا واليمن على أنظمتهم هو نفسه ماأخرج السوريين. فكل الثورات العربية كانت ثورات واضحة تجاه رئيس مستبد بمثابة شاه على رأس حزب حاكم محتكر للسلطة فاسد، يستند إلى قواعد ديكتاتورية قامعة مصادِرِة للحريات وإلى عائلة وقرابات ونافذين من شفيطة نهّابين وبلاعين مسنودين، وكلها كانت ثورات تطالب بحريتها السليبة وكرامتها المستباحة. وهو نفس الحال السورية الذي فجّر بركانَ ثورة الشام وغضبها بعد طول صبر وانتظار على أرصفة الإصلاح الموعود عشرات السنين مابين الوالد وماولد.
إن مصيبة السوريين المشهود لهم بالمقاومة والممانعة والوطنية مع نظامهم ليست هي اليوم كما في السابق على مقاومة النظام وممانعته، ولا على تحالفاته وعلاقاته، بل هي تحديداً على حريتهم وكرامتهم في وجه قهره وديكتاتوريته وبطشه، وفساده ونهبه وظلمه، ولولا ذلك لما تحرك أحد. أمّا رؤية بعض الثائرين والمتظاهرين ينالون من حلفائه، فهو أمر لا يكاد يرى لولا مشاعر الإحباط والألم التي لم يستطع هذا القليل تجاوزها، بسبب توجيه التهم لهم من قبل هؤلاء الحلفاء فضلاً عن تضامنهم مع قاتلهم ومضطهدهم وسفّاك دمائهم بل والدفع به في هذا الطريق، فهم بدل أن يعظوه وينصحوه ويعقّلوه ويرشّدوه، أرسل إليه بعضهم مستشاري الأمن والقمع وخبراء التعذيب والقهر، وبعضهم أرسل إليه شبيحة وقناصين لمواجهة طالبي الحرية والكرامة بقمعهم وإذلالهم وهم متظاهرون مسالمون شعارهم الشعب السوري مابينذل، وهتافهم الموت ولا المذلة.
فكيف يكون انحرافاً في ثورة الأحرار والحرائر السوريين إذا أرادوا لمقاومتهم أن تكون بلا قمع ولا استبداد، وكيف يكون تزييفاً إذا أرادوا لممانعتهم أن تكون خلواً من النهب والفساد، وكيف تكون خيانةً وتآمراً إذا أرادوا لحياتهم أن تكون حرة كريمة ترفض الاستعباد، وعنوانها هيهات منّا الذلّة…!؟ ومامشكلتهم أن يثوروا على مستبديهم ومستذليهم وسارقي لقمة عيشهم، وقد انتظروهم على أرصفة الإصلاح الموعود عقوداً وسنين، حتى سمعوا بشار الأسد نفسه يقول لمحاوره في مقابلته مع الوول ستريت جورنال المنشورة في 31 كانون الثاني 2011 : إن لم ترَ الحاجة إلى التغيير قبل الذي حصل في مصر وتونس، فقد أصبح متأخراً أن تقوم بأي تغيير، وعندما سأله عن الإصلاح في سورية أجابه: بأنه سيشرع في إصلاحات سياسية واقتصادية، وإنما لكي نكون واقعيين علينا ان ننتظر الجيل القادم لتحقيق هذا الإصلاح.
يقرأ علينا السيد خامنئي وحسن نصرالله وغيرهم المرة تلو المرة، أن ثورة الامام الحسين وعنوانها هيهات منّا الذلّة، إنما كانت على قيم الاستبداد والظلم والفساد التي ورث رفضها عن جده عليه السلام، وورّثها لمن بعده من الأتباع والأئمة الفضلاء الكرام فنصدّقهم. ويسمع السورييون كلام السيد في إيران ويتردد الصدى لدى السيد في لبنان، فتعجبهم القراءة وبلاغتها ويدهشهم نهج الكلام. وإنما يوم ثاروا سلْماً وسلاماً على فظائع قهر، وفواحش جور، وكبائر نهب، وقالوا لا لاستحواذ النظام على السلطة والثروة، أعلن عليهم شاههم الحرب بالدبابات والطائرات، واستبيحت دماؤهم وأعراضهم والممتلكات، وقال عنهم نصرالله بأنهم يقدمون خدمات جليلة لأمريكا وإسرائيل بثورتهم، وقال عنها خامنئي: إنها صناعة أمريكية. ومن ثمّ فقد كان السورييون في أشد حالات تعجبّهم واستعجابهم.
ليست مبالغة أن السيد خامنئي ومن قبله نصرالله ومن معهم وضعوا أنفسهم في حال لايحسدون عليها البتة لتناقضها جملة وتفصيلاً مع ماينادون به ويرفعونه من مبادئ وقيم، اعتقدها الحسين عليه السلام، واستشهد عليها، وبين تأييدهم ودعمهم لنظام فاشي مستبد فاسد في مواجهة ثورة شعبية مطالبة بالحرية والكرامة نداؤها هيهات منّا الذلة.
http://www.youtube.com/watch?
cbc@hotmailme.com
* كاتب سوري