فى أول مايو من هذا العام احتفل الآباء اليسوعيون بمرور أربعين عاماً على وفاة الأب الدكتور هنرى عيروط «١٩٠٧ – ١٩٦٩». كان مهموماً بالتخلف المهيمن على صعيد مصر فتساءل: ما العمل؟ وكان جوابه على نحوين: النحو الأول اجتماعى – تعليمى والنحو الآخر دينى. ثم تساءل: ماذا أفعل بهذين النحوين؟
عن النحو الاجتماعى – التعليمى أصدر الأب عيروط فى عام ١٩٣٨ كتاباً بالفرنسية عنوانه «أخلاق الفلاحين وعاداتهم»، أثار اهتماماً إيجابياً فى دول أوروبا وأمريكا ومصر ولبنان. الفكرة المحورية فيه تدور على أن الفلاح المصرى محاصر بين الجهل والطغيان، وأن سبب هذه المحاصرة مردود إلى تجاهل النخبة للجماهير، الأمر الذى دفع الأب عيروط إلى قبول الإشراف على ثلاث وأربعين مدرسة أولية فى صعيد مصر، ثم ضمها فى جمعية أطلق عليها اسم «الجمعية الكاثوليكية للمدارس المصرية»، وكان ذلك فى عام ١٩٤١.
وعن النحو الدينى أسهم الأب عيروط مع الأب قنواتى والشيخ محمد يوسف موسى والشيخ محمد بدران وأستاذين متخصصين فى الفلسفة فى جامعة القاهرة، فى تأسيس جماعة «إخوان الصفاء» فى ١٩٤٤ تحت رعاية المستشرق الدبلوماسى الفرنسى لوى ماسينيون «١٨٨٣ – ١٩٦٢»، الذى كان يعتبر الأب الروحى لهذه الجماعة التى كانت غايتها إجراء حوار إسلامى – مسيحى فى إطار التشابه بين التصوف الإسلامى والمسيحى.
وسبب التشابه، فى رأى ماسينيون، مردود إلى المتصوف المسلم الحسين بن منصور الحلاج، المشهور عنه هذا القول المفارق «أنا الحق»، أى أنا الحق الخالق. وهذا المعنى، فى رأى ماسينيون، يشير إلى ثنائية الطبيعة الإلهية، أى إلى اللاهوت والناسوت. وبسبب ذلك القول المفارق سجن الحلاج فى عام ٩١٣، وأعدم فى عام ٩٢٢، بدعوى أنه كافر.
وفى عام ١٩٤٦ دعانى الأب قنواتى للانضمام إلى «جماعة إخوان الصفاء»، فوافقت إلا أننى انسحبت منها بعد عامين، أى فى عام ١٩٤٨، إذ ارتأيت أن ذلك الحوار المستند إلى التصوف يدخل فى تناقض مع ما كان يموج فى المجتمع المصرى من إرهاصات ثورية تنبئ عن تغيير مرتقب فى النظام السياسى. وقد كان، إذ جاء التغيير المرتقب فى ثورة يوليو ١٩٥٢، وإثر استقرار التغيير أصدر جمال عبدالناصر قراراً بإلغاء «جماعة إخوان الصفاء» فى عام ١٩٥٣.
هذا عن المؤسس الأول للجمعية الكاثوليكية للمدارس المصرية، وهو الأب عيروط، فماذا عن المؤسس الثانى؟ إنه الأستاذ أمين فهيم، المحامى الذى انتخب رئيساً للجمعية خلفاً للأب عيروط فى أبريل ١٩٦٥ مع أنه لم يكن كاهناً ولم يكن من الآباء اليسوعيين.
وفى عام ١٩٧٤ ارتأى أمين فهيم أنه من اللازم تغيير اسم الجمعية وذلك بحذف لفظ «كاثوليكية»، واستبداله بلفظ «مسيحية»، وبذلك أصبح الاسم الجديد «جمعية الصعيد المسيحية للمدارس والتنمية الاجتماعية». وقد وافقت الجمعية العمومية على هذا التغيير فى ٢٢/١١/١٩٧٤، إلا أن هذا التغيير لم يكن بالأمر الميسور: إذ اعتبر نوعاً من الخيانة من قبل الإكليروس.
ولكن ماذا تعنى الخيانة فى هذه الحالة؟
إنها تعنى أن تكون كاثوليكياً أفضل من أن تكون مسيحياً، وأن تكون أرثوذكسياً أفضل من أن تكون مسيحياً، وأن تكون بروتستانتياً أفضل من أن تكون مسيحياً.
وفى أبريل ١٩٨٦ تسلمت رسالة من الأب كارييه، سكرتير المجلس البابوى للثقافة بالفاتيكان، يعرب فيها عن رغبة المجلس برئاسة الكاردينال بوبار فى عقد مؤتمر مشترك بين الجمعية الفلسفية الأفروآسيوية التى كنت وقتها مؤسساً ورئيساً لها، فوافقت واقترحت موضوعاً للمؤتمر «الثقافات: صراع أم حوار؟». وقد انعقد فى نوفمبر ١٩٩٠. وكان أمين فهيم الوسيط بينى وبين المجلس البابوى، إذ كان البابا يوحنا بولس قد عينه عضواً فى المجلس البابوى للثقافة فى ديسمبر ١٩٨٧. وقد لمحت أسلوباً علمانياً فى تفكيره فانجذبت إليه. وفى عام ١٩٨٩ دعانى لأكون عضواً فى مجلس إدارة جمعية الصعيد فوافقت بلا تردد، ثم عُينت نائباً لرئيس الجمعية «١٩٩١ – ١٩٩٦».
وفى ٢٣/٤/١٩٩٣ تمت الموافقة بقرار من الجمعية العمومية على تغيير اسم الجمعية إلى «جمعية الصعيد للتربية والتنمية»، وذلك بعد حذف لفظ «المسيحية». وقد دافعت عن هذا الحذف لأنى أرغب فى أن تكون جميع الجمعيات التى تقوم على خدمة المجتمع فى شتى مجالاته خالية من أى انتماء دينى، أياً كان، حتى يبقى الانتماء الدينى محكوماً بالمعبد وليس بأى شىء آخر. وهذا شكل من أشكال العلمانية يمتنع معه التمييز الدينى فى مجال التعليم، وفى زمن يمكن أن يقال عنه إنه محكوم بالأصوليات الدينية التى تفرز صراعاً دينياً لا نعرف مداه.
ومع ذلك فثمة سؤال لابد أن يثار:
ماذا حدث بعد تغيير اسم الجمعية؟
حدث توتر مكتوم. فالتغيير لم يكن مقبولاً من غبطة بطريرك الأقباط الكاثوليك ومن مساعديه، ولكنه كان موضع ترحيب من سفير الفاتيكان بالقاهرة ووزير خارجية الفاتيكان.
وإثر هذا التوتر المكتوم دار فى ذهنى سؤال:
هل هذا الشكل من أشكال العلمانية بزغ بحكم الضرورة أم بحكم المسار الحضارى للبشرية؟
نحو عقل فلسفي: علمانية بحكم الضرورة مسيرة “100” عام بداءت بخطوة صغيرة. د. مروان وهبة: اعتقد ولا اعني كامل انني محق ادا قلت ان الفكرة التي يجري الحديث عنها مرتبطة بفكرة ( ايكونينا) التي تعني باليونانية مصدرها الاصلي ( الكوني ) . ظهرت مع تنبؤاءت واضحة في ان العالم -بشكل خاص ” اوروبا” – قادمة على حرب طاحنة من اجل الاسواق , الموارد الطبيعية, داخل وخارج اوروبا , اي شيء يشبة بحرب صليبية من اجل مستعمارت فيها سوق وموارد في انا واحد , داخل وخارج اوروبا ,….. , خلال 100عام يمكن ان نلخص ان التنبؤات في مكانها للاسف الشديد .… قراءة المزيد ..