انتهت همروجة الجنرال، بإعلان وزرائه العودة إلى بيت الطاعة في الضاحية من بوابة مجلس الوزراء، وطوي الخلاف على تثبيت المياومين، بـ”تفاهم” سيخرجه “حليف الحليف” في الآتي من الأيام.
لكن ما قاله الجنرال ومعاونوه في لحظة “التخلي” لم يكن رمانة بل قلوب مليانة، رمت كل سواد القلوب على شريك “وثيقة التفاهم” ومن يسير في ظله، على طريقة الخليلة المظلومة إذ يطفح كيلها، فترشق مضطهدها بكل ما تطول يدها. يندرج في ذلك إعلان إختلاف اولويات التيار عن أولويات “حزب الله”، وأن هذا الحزب ليس عصيا على الفساد والمافيات المالية، وأن الحكومة تسير “كالبزاقة لا كالسلحفاة”، وأن رئيس مجلس النواب يستنسب فـ “يخفي مشاريع القوانين المقدمة من نواب التيار لتعطيل دورهم التشريعي وما يعكسه على صورتهم الشعبية”.
لمّع الجنرال صورته كداعية للتغيير والإصلاح. هكذا خيل لمن لم ينتبهوا إلى أنه “ينتّع” ويغرق في “ضاحية” المشكلة، لا لبها، الذي لامسه نوابه من باب الحرتقة لا الجدية: لو كانت جلسة التصويت، وجلسات أخرى، بإدارة جدية لاختلفت الأمور والنتائج.
والكلام قديم على تحويل المجلس إلى إقطاعية للرئاسة الثانية توظف فيها من تشاء، وتحيي المشروع الذي تريد وتميت الذي تريد، وتعقد الجلسات حين ترتئي، وتديرها كما تستنسب، وتعطل العمل النيابي حين تقرر وتمون حين ترغب، إلى حد التصويت الذي لا يميز الحابل من النابل.
عاد الجنرال إلى فيء الحليف وحليفه، لكن الزوبعة التي أثارها بانزلاقه من ملف المياومين الى تراكمات الخلافات الصامتة مع حلفائه، لن تهدأ بسهولة، ليس بفضله، بل بفطنة غريمه سمير جعجع “الحكيم” الذي استفاد من انزلاقه لينقض على الركن الشرعي الأبرز في 8 آذار، وهو رئيس المجلس، مدعوما من فريق 14 آذار، لاسيما “تيار المستقبل”، فيحشر، بحركة ذكية، حليفي الحليف اللدودين أمام خيارات محدودة ومحددة، كادت توصلهما إلى أن “يكسر” أحدهما الآخر فيحرجاه.
هذه الحال دفعت بـ”حليف الحليف” إلى رفع الصوت لتحويل المواجهة عن تحديث إدارته ونظامها، إلى افتعال القلق على المؤسسة التشريعية و”المقاومة”، فيما يسلّفه الجنرال، بصوت النائب ابرهيم كنعان، تخوفا على صلاحيات رئيس المجلس مضيفا خطا أحمر جديدا إلى سلسلة الخطوط الحمر التي يرسمها ظل نظام الوصاية البائد.
لكن رفع الصوت والمخاوف أقرب إلى حركة في لعبة “داما” تواجه نقلة شطرنج، تفنن بها الحكيم، وبينت أنه ليس “قابعا” منزويا في معراب، بل متحفز يتحين. والدليل أن الجنرال، اليوم، مضطر الى أن يحدد إذا كان يريد فعلا الإصلاح، فيشارك في السعي إلى تعديل النظام الداخلي لمجلس النواب لاعتماد التصويت الإلكتروني، أو أنه انزلق إلى أبعد مما أراد، وعلى حلفائه إنقاذ ماء وجهه وإخراجه بـ”ملالة” رعايتهما من مأزقه.
m2c2.rf@gmail.com
كاتب لبناني
النهار