أثارت مقابلة مجلة “التايم” مع أحد المتهمين الاربعة بالتورط في جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري أكثر من علامة إستفهام بشأن التوقيت. فمن هو المستفيد ومن المتضرر، ومن هو المتهم الذي أجريت معه المقابلة، وما مدى الضرر الذي تسببت به الى الآن على الحكومة الميقاتية.
في البدء، سرت شائعات عن ان المتهم هو “حسن العنيسي” إنطلاقا من أن قريته تبعد “ساعة ونصف الساعة” عن بيروت. فالمتهم الغامض في مقابلته مع “التايم” قال انه كان على بعد ساعة ونصف الساعة من مكان الانفجار، ما حمل على الاعتقاد بأن المتهم موضوع المقابلة، هو العنيسي. وبالمقابل، أشارت معلومات ان المتهم قد يكون سليم عياش وليس العنيسي.
وفي معزل عن شخصية المتهم، أي العياش او العنيسي، او اي شخص آخر، فإن الغرض من المقابلة أثار تساؤلات، خصوصا في حسابات الربح والخسارة. فلا الحزب استفاد منها من خلال إضافة أي جديد على مواقفه المعروفة من المحكمة ومن تسليم المتهمين، ولا الحكومة استفادت. بالعكس، تم تقديم هدايا مجانية سياسية للمعارضة في موازاة وضع عصا في دولاب المحكمة.
فخلافا للرأي السائد من أن الحزب أراد، من تسريبها، إستعراض فائض قوته وموقفه النهائي من أنه لن يسلم أي موقوف للمحكمة، اعتبر مراقبون في بيروت أن الحزب سبق وقال كلمته في هذا الشأن وأعلن صراحة أنه لن يسلم اي متهم، والنتيجة البديهية هي ان الحكومة لن تستطيع توقيف اي متهم. وفي هذا الصدد لم تأت المقابلة بأي جديد.
على العكس، كانت الحكومة، ومن خلال تقريرها الذي رفعته الى المحكمة عن عدم تمكنها من يجاد أي متهم لتوقيفه، قد اقنعت نسبيا المحكمة خصوصا أن التقرير ارتكز الى القواعد القانونية المعمول بها في الاجهزة الامنية الرسمية. ولكن، مع خروج المقابلة الى العلن، تداعى تقرير الحكومة وأصبحت فاقدة الصدقية أمام المجتمع الدولي والمحكمة على حد سواء. إذ كيف يعقل لصحافي ان يجد متهما ويجري معه مقابلة في حين لم تستطع أجهزة الدولة الرسمية الامنية الوصول الى هذا المتهم؟
!ميقاتي هدّد بالإستقالة
هذا الامر دفع برئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى التوجه الى عين التينة للقاء رئيس المجلس النيابي نبيه بري طالبا منه العمل لدى حزب الله على نفي المقابلة شكلا ومضموناً، وإلا فإن ميقاتي سيستقيل من رئاسة الحكومة فورا. فكان ما كان من بيانات للحزب تنكر حصول المقابلة وتعتبرها من فبركات المحكمة.
وفي ظل إستمرار هذا الغموض عاد مراقبون في بيروت بالذاكرة الى تكتيك شيعي معتمد منذ إختفاء الامام المغيب موسى الصدر، حيث كان يصدر من حين لآخر بيان يشير الى وجوده حيا يرزق في معتقلات القذافي ما يؤخر البت بمسألتين رئيسيتين، رئاسة المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى، لأن الرئيس مغيب ولم تعلن وفاته، ما يبقي المركز شاغرا الى اجل، والثاني عدم قدرة ذويه التصرف بإرثه بسبب عدم وجود وثيقة وفاة تسمح لهم قانوناً بحصر هذا الارث والتصرف به. فكيف الامر إذا كان الإرث متداخلا بين الشخصي والعام، وهنا “العام” يعني المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى.
وفي هذا السياق أشار المراقبون الى ان المحكمة الدولية لن تستطيع البدء بالمحاكمات العلنية ما لم يستحِل نهائيا سوق المتهمين اليها. ومقابلة من هذا النوع تؤكد وجود المتهمين وتفتح الباب امام إعادة تجديد محاولات البحث عنهم، ما يعني عمليا تأخير المحاكمات العلنية، التي يعوّل عليها من اجل كشف ملابسات وتفاصيل جريمة إغتيال الرئيس الحريري والجرائم المتصلة، وذلك من خلال عرض المدعي العام بالتفصيل وبالأدلة التي لا تقبل الشك لقرار الاتهام ما يعني حكما وضع حزب الله امام وقائع وأدلة ليست ظرفية بل دامغة من الصعب التشكيك في صدقيتها.
ولذلك أعرب المراقبون عن إعتقادهم بأن الحزب الالهي سوف يعتمد هذا المسلسل كلما اقترب موعد المحاكمات العلنية، ما يضع المحكمة امام معوقات قانونية تحول دون بدء المحاكمات العلنية في الاوقات التي تحددها المحكمة. وهو ربما يغير التكتيك بحيث قد يتم الكشف في مقابلة لاحقة عن هوية المتهم، وفي أخرى بعدها عن صورته وهو يجري المقابلة، وهكذا دواليك….
وانطلاقا مما سبق يتراجع الإحتمال الثاني بشأن وجود خلافات داخل الحزب الالهي بين جناح في الحزب عمد الى تسريب المقابلة ليحرج الجناح المتشدد، حيث أن جميع المؤشرات تشير الى ان حزب الله متماسك وملتف حول قيادته بإرادة العناصر والقيادات من جهة وإرادة وضغوط الراعي الإقليمي في طهران من جهة ثانية.