شو وقفت علييّ؟
هكذا يعلّق النائب ميشال عون، ضمنا، حين يطالب بما يعتقده أنّه حقّ له في التعيينات الادارية (المسيحية) وفي القضاء وفي تلزيم والتزام مشاريع في وزارة الطاقة وفي وزارة الاتصالات وغيرها من مكاسب، من تلك التي اعتاد اللبنانيون على رؤية وقائع مشابهة لها، في تعامل معظم القيادات الرئيسة في السلطة طيلة العقود الماضية، والتي برزت بشكل سافر في مرحلة الوصاية السورية ما بعد “الطائف”.
هذا ما يتلقاه اللبنانيون من كلام العماد منذ قاتل من اجل حصته الوزارية، وفي استنقاذ ما يعتقده حقوقا مسيحية في السلطة منتهَكة من قبل “الحريرية السياسية”، أو مصادرة من “ورثتها”، وهو يريد ان يستعيدها من خلال التحكم بتسمية من يشاء، أسوة بالآخرين من حلفائه في الحكومة، وباستخدام وجوده في السلطة لنيل ما يعتقده من حقوق المحاصصتية.
يشبه الدور الذي يقوم به عون اليوم ما قام به الرئيس نبيه بري مطلع التسعينات. فالرئيس بري، بحنكته وبدعم سوري، لم يدخل الى السلطة من خارج شعارات الاصلاح، بل استخدم هذه الشعارات، وعلى رأسها الغاء الطائفية السياسية، للمطالبة بحصته في المحاصصة. وهكذا أمسك بمجلس الجنوب وتلزيماته، الذي تحول الى ما يشبه دائرة من دوائر حركة “أمل”، ولم تكن يده قاصرة على نيل حصص من بعض مشاريع مجلس الانماء والاعمار.
كما استأثر بشكل كامل بكل التعيينات الادارية للشيعة في الادارة العامة وفي المؤسسات العامة والمؤسسات العسكرية والامنية وفي السفارات وفي السلطة القضائية وما طالت يداه. وهو لم يتخلّ، رغم كل هذا المسار الذي اسس الفرز الطائفي والمذهبي في الادارة العامة، عن شعار الغاء الطائفية السياسية، كأنما عدم الغاء الطائفية السياسية يبرّر الانخراط في التدمير المنهجي للدولة عبر تحويلها الى محميات حزبية وشخصية واخيرا طائفية.
لم يكن النائب وليد جنبلاط افضل حالا على هذا الصعيد، فالرجلان، بقوة نفوذهما وبدعم سوري، إستأثرا بمكاسب داخل الدولة، فكانت وزارة المهجرين وصندوقها كحال مجلس الجنوب، مع تفاوت طفيف لا يقلل من حرفة المحاصصة ومسارها. كذلك الامر بالنسبة للتعيينات الادارية والتوظيفات التي تحكم جنبلاط بها درزيا أسوة ببري شيعيا.
وكان الرجلان، بري وجنبلاط، يحسنان تصيّد المكاسب، خصوصا مع دخول ماكينة الرئيس رفيق الحريري، إلى الرئيس الراحل الياس الهراوي، الى السلطة. ومع شعار اعادة الاعمار بدأت بشكل فاضح لعبة المحاصصة، فكانت “الترويكا”، التي هي صناعة سورية وحرفة نفّذت من خلالها مبررات الوصاية السورية، خلال مرحلة شهدت اكبر عملية نصب على الدولة لم تحصل خلال الحرب الأهلية حتى.
ميشال عون اليوم لا يبدو طامحا الى الخروج من هذه المعادلة المستمرة في جوهرها، بل جل ما يسعى اليه ان يكون طرفا فيها. وحزب الله ورث ما انحسر من الدور السوري مع انسحاب جيشها العام 2005. وهو إذ يحظى بدعم صريح من قبل حزب الله وسورية، فإنّه يستخدم هذا الدعم مدركا حاجة هذين الطرفين اليه كغطاء سياسي داخلي و”طائفي”، مسلّفا اياهم ما يريدون من مواقف سياسية، على امل الدخول الى جنة المحاصصة.
هكذا يمكن رسم صورة ميشال عون “يصفع” يمنة ويسرة، حلفاء وخصوما، أعداء وأصدقاء، قائلا لهم، كما في الإعلان “المهضوم” مع كلّ “هبرة” يقوم صهره جبران باسيل بـ”مباركتها” وإدخالها إلى الحسابات الشعبية والسياسية والمالية والحزبية: شو وقفت علييّ؟
alyalamine@gmail.com
كاتب لبناني
البلد