سعد كيوان- الشفّاف، بيروت
الود والحميمية “ظللا” زيارة ميشال عون الى سوريا بشار الأسد. الجنرال المتقاعد كان على “أريحيته”، لدرجة إنه وصف نفسه بـ”المهاجر العائد” الى أرضه. فُرش له السجاد الأحمر، وأُلبس “عباءة الولاء” السورية، وحشدت له الجموع، وفتحت له الكنائس، وحظي بثلاثة لقاءات مع رئيس “دولة الممانعة”، ونصب “زعيما” وطنيا”، عربيا” تحترمه الجماهير العربية”، وإكتشف نفسه “مقاوما”…
في حلب، بشار الأسد يقود سيارته ويجلس الى جنبه ميشال عون، يرمقه بنظرات الأب العطوف والمتشاق الى رؤية “إبنه الضال” الذي وجده. يترجل الجنرال والأسد الأبن من السيارة، ويتوجهان معا” الى مطعم لتناول الغداء، في جو عائلي حميم، يعكس حرارة و”دفىء العلاقة” بين الرجلين والعائلتين!
وبعد صلاة الشكر في الكنيسة، التي يتصدر قاعتها تمثال نصفي لحافظ الأسد (؟) – الذي حمّله عون كل أوزار “المرحلة الماضية” – وقف الجنرال الختيار يعبر عن “شعوره بالمحبة والفخر والاعتزاز بإخوة لم تلدهم أمي، إخوتي في الانسانية…”.
قبل ذلك، كان العناق الأول في “قصر المهاجرين” الرئاسي، في دمشق. ثم العناق الثالث والأخير، في ختام الزيارة.
هذا هو الهدف الحقيقي من زيارة الحج هذه الى سوريا الأسد، والباقي تفاصيل.
وفي ظل هذه “العناقات الثلاث”، وتحت “عباءاتها”، يتحول عون الى “كل شيء”، جاهز لقبول أي شيء، وتبني أي شيء، و… ليتخلى عن كل شيء!
وهذه بعض العينات.
يكتشف عون أن “الشجرة المقطوعة من جذورها لا تعيش، وبالتالي المسافة قصيرة بين هنا (أي سوريا) وجبل لبنان، وأصبحت الآن أقرب”. ومن أمام مرقد القديس مارون، يقول إن “الكنيسة الانطاكية من هنا (سوريا) إنطلقت وإمتدت الى جبل لبنان”، ليخلص مستنتجا” أن “هنا (سوريا) أرض المهاجرين، ونحن مهاجرون عائدون”… الى سوريا.
فهنيئا لهدايتك يا جنرال! وهنيئا لك “إكتشافاتك”!
أما في لبنان، فاللبنانيون قسم كبير منهم “متخلف ومتحجر”، وأيضا “موتورون”، كما وصفهم “الصحافي” السوري السائل، من التلفزيون السوري (رمز الاعلام الحر)، من دون أن يرفض عون توصيفه، أو يصححه. إلا أنه حمل، خلال المحاضرة التي ألقاها في جامعة دمشق، على الصحافيين اللبنانيين، الذين “يحرفون كلامنا لدرجة أن نشك بما قلنا”، متهما” الاعلام اللبناني بأنه “موجه” (!).
يقول عون في جامعة دمشق ان “الماضي لا يمحى بالخوف أو بالهروب الى الأمام، بل من خلال مواجهته وإعادة النظر فيه من قبل الجميع بذهنية النقد الذاتي…”. كلام جيد، ولكن هل مارس عون نقده الذاتي؟ أم إنه “يمارسه” بزيارة سوريا، وبما يقول من سوريا؟ قدم عون “ورقة التفاهم” مع “حزب الله” نموذجا لهذا النقد الذاتي، عبر مطالعة دفاع عن “المقاومة” التي “حصنها خيارنا الوطني ضد الخارج الذي حاول إستقطاب الداخل اللبناني لاثارة مخاوف من سلاحها (؟)، وإتهامها بالسعي لاقامة نظام ديني لا يتناغم مع حرية العيش والمعتقد (…)”، لدرجة يخال المرء نفسه أمام خطاب لخاميئني أو أحمدي نجاد!
ويتابع عون، متقمصا” شخصية حسن نصرالله، قائلا: “إذا كانت اسرائيل حققت إنتصارات آنية فإنها لم تستطع إسقاط إرادة النواة الصلبة في المقاومة، التي كانت تتزايد مع تزايد العنف الاسرائيلي، وهكذا تمكن شعبنا من أن يحمي نفسه من التعثر والارتباك”. وأدان الجنرال، الذي إكتشف المقاومة مؤخرا”، “تخاذل البعض في الداخل”، معلنا” “تحقيق تناغم وطني حول المقاومة ومفاهيمها وأهدافها” (!)، ومؤكدا أن “أي غلبة لن تكون لاسرائل بعد الآن” (كذا).
ثم يتقمص عون تباعا” شخصية بعض الحكام العرب، أصحاب الخطاب القومجي، الديماغوجي، الشعبوي، واللفظي: “لا سلام مع اسرائيل (ولا صلح ولا إعتراف) من دون إعادة الحقوق، ومن دون عدالة، حق الفلسطيني بالعودة وحق العرب في أرضهم”. أي، أنه يريد خوض معركة “التحرير” الى جانب “حركة حماس” و”الجهاد” والنظام السوري الممانع، ونظام الملالي؟ وهل يريد “الابن” بشار أن يقاتل من أجل تحرير الجولان؟
ويتبنى عون موقف بشار من مسألة مزارع شبعا، قائلا ان سوريا إعترفت بلبنانية المزارع و”خلص تشويش”، وهي تقول (فقط) إن ترسيم الحدود يتم بعد إنسحاب اسرائيل… ويستحق عن جدارة لقب “الزعيم الوطني، القومي، العربي…”، الذي منحته إياه بثينة شعبان، مستشارة الرئيس-القائد-الممانع.
ولم ينس عون أن يشيد ب”الوحدة الوطنية” في سوريا (كذا)، وب”روح التآخي والانسجام بين جميع أبناء الشعب السوري”… هنيئا للشعب السوري بهذا النظام المتسامح، والساهر على مصالحه، وهنيئا لميشال كيلو ورفاقه القابعين في الزنازين السورية!
في الشق اللبناني، حمل عون، من دمشق، على “إتفاق الطائف”، قائلا ان “تحفظاتي كثيرة، أولها عدم التوازن بين الرئاسات الثلاث، واحدة بلا صلاحيات هي رئاسة الجمهورية، والثانية هي رئاسة الحكومة التي تجمع بيدها كل المؤسسات. ومجلس الانماء والاعمار هو الحكومة الحقيقية، والحكومة الوهمية (التي يشارك وزراؤه فيها) هي التي نطلق نحن النار عليها…”.
وإذا كانت رئاسة الجمهورية بلا صلاحيات، فلماذا رشح الجنرال المتقاعد نفسه، وإستمات من أجل الوصول الى بعبدا، خاصة وأنه من غير الوارد إدخال أية تعديلات على “الطائف”، أقله قبل الانتخابات الرئاسية الأخيرة؟ واذا كانت الحكومة “وهمية” كما يدعي، فلماذا يشارك فيها؟ أم أن القصود، بديماغوجيته المعهودة، إيهام الرأي العام المسيحي تحديدا”، أنه “لا يساوم”، وأنه مستمر بصراخه وحربه الوهمية على “الفساد”؟ أم أنه مستمر بتعبئته المذهبية ضد رئيس الحكومة السني؟
في المقابل، لماذا تجاهل عون أي كلام عن رئاسة المجلس المطوّبة لنبيه بري؟ هل لأنه بحاجة لبعض المقاعد المسيحية في الجنوب؟
وقبل هذه وتلك، ألم يقل عون ويعلن، عند عودته الى لبنان، أنه مع الشق الداخلي من “الطائف” الذي أدخل إصلاحات دستورية وازنت بين السلطات والصلاحيات، ولكنه كان ضد الشق السوري، الذي لا يؤدي الى إنسحاب الجيش السوري من لبنان. فهل غيّر موقفه الآن بعد الانسحاب؟ أم أن القصد هو التشويش على رئيس الجمهورية، كما هي الزيارة بحد ذاتها، من التوقيت، الى الاستقبال، والمبالغة والفولكلور في الحفاوة، والتجييش الشعبي، واللقاءات الثلاث مع الأسد، وغيرها…
وأخيرا”، أمل عون أن يحصل على الأكثرية في الانتخابات المقبلة، كي “نستطيع أن نصحح”، ويبدأ في انطلاقة “تأخرت عشرين سنة”، كما قال. أي، أنه يعتبر أن كل ما حصل منذ ذهابه الى “منفاه الذهبي”، في باريس، باطلا”. فالتاريخ، بالنسبة له، يبدأ منه ويتوقف عنده!
ويستمر في تلاوة “فعل الندامة”، قائلا: “في سلوكي الشخصي لم أتعاون مع أحد من الخارج ضد أي فئة لبنانية…”. ولو يا جنرال؟ هل بدأت “تخونك” الذاكرة؟ أم أنك تتناسى؟ ألم تقل خلال محاضرتك ذاتها، في جامعة دمشق، أن الماضي لا يعالج بمحوه إنما بممارسة النقد الذاتي؟ ألم تستقوي بعراق صدام حسين؟ ألم تدعمك سوريا حافظ الأسد في حربك ضد “القوات اللبنانية”؟ ألم تذهب اليوم الى بشار الأسد لتستقوي به على فريق كبير من الشعب اللبناني؟
ورأى عون، بـ”صراحته” أيضا”، أن “الفارق بين سوريا حافظ الأسد عام 1990 وسوريا بشار الأسد عام 2008 كبير، والظروف تغيّرت، والتقويم تغيّر، والمسؤولين تغيّروا…”. برافو جنرال، هذا هو بيت القصيد: المطلوب تبييض صفحة النظام!
أين هو الفارق؟ وكيف تغيّر النظام؟ هل عندما فوض الى حاكم عنجر رستم غزالي الاشراف على مرحلة “الجحيم اللبناني”، التي بدأت بالتمديد لاميل لحود، وبإغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وكل الاغتيالات اللاحقة؟ أو بإحكام قبضة النظام الأمني السوري-اللبناني، وبإستفحال دور المخابرات والأجهزة السورية؟ أم بحملة القمع، في 7 آب 2001، التي طالت ناشطي تيارك، ونشطاء آخرين من التيارات الاستقلالية؟ أم بتنظيم الانتخابات الأكثر تعليبا” من قبل دمشق؟ وهل أن بشار بادر طوعيا”، وبإلتفافة حسن نية منه، الى أخراج جيشه من لبنان؟ وهل، وهل…
ألا ترى أن شهادتك هذه فيها شيء من أنانية الصغار يا جنرال؟
وأعرب عون، الذي أعادته صفقة سورية الى لبنان، عن اعتقاده أن سوريا بشار “لن تتدخل في الانتخابات، فهي لا توزع الزفت أو الخدمات الصحية والمدرسية لرشوة الناخبين في موسم الانتخابات، ونحن نعلم أن سوريا لا تدفع المال لأحد”!… ولكن، تدفعه إيران أحمد نجاد عنها!
صحيح يا جنرال، لأنها تمارس ضغوطها، وتستعمل نفوذها وأدواتها وعملاءها، وتتدخل أجهزتها لترهيب الناخبين والمرشحين على السواء، وتصدر الارهاب، و…
إذا “لم تستحِ فإفعل ما شئت”!
وهكذا، يصبح من الطبيعي، إذن، أن تصل عملية التبييض الى إعتبار عون ان “الخصومة لم تكن تجاه سوريا، وإنما خصومة محلية تحولت في إتجاه سوريا من سوء الادارة في لبنان”… وماذا كنت تفعل أنت عندما شنّيت “حرب التحرير”، ولماذا تكلمت عن رغبتك في “دق آخر مسمار في نعش النظام”؟
وكذلك، بدل أن يعتذر النظام السوري من اللبنانيين، يصبح مطلوبا” منهم الاعتذار من سوريا بشار، وتصبح أيضا “المشاكل بين البلدين مصطنعة”! وما كان بين لبنان وسوريا هو “غيمة سوداء” عبرت…
ألم يستهل الجنرال المتقاعد مؤتمره الصحافي الأول، بعد ساعات على وصوله الى دمشق، بالقول: “ما كان يعتقد أنه محرم أصبح حلالا، وحلالا جدا”؟
حسنا فعل أحد المحتفين والمعجبين أن قام بإلباسه “عباءة الولاء” السورية!
s.kiwan@hotmail.com
ميشال عون، يعود من سوريا بعد ان “سلخ جلده” وإرتدى العباءة السورية وبيّض صفحة النظام وطالب اللبنانيين بالاعتذار!ان لبنان هو مشكلة الشرق الاوسط وليست اسرائيل لان منه نبع روح الديمقراطية والتعددية واحترام الانسان في المنطقة ولن ترتاح اسرائيل ولا النظامين الايراني والسوري الا بتدمير فكرة الديمقراطية فيه وذلك باساليب واسباب عديدة منها: 1-يمكن ان يكون هناك اتفاق بين النظامين السوري والااسرائيلي بحيلة الارهاب في تدمير من ينادي بالديمقراطية كما فعلت سابقا في عهد حافظ الاسد عندما استعمر لبنان بمخابراته المافياوية مع تنازلات قسم من الجولان او شيء اخر. 2- ايران انشأت مليشيات ومخابرات ملالية في العراق وسورية ولبنان منذ 25… قراءة المزيد ..
ميشال عون، يعود من سوريا بعد ان “سلخ جلده” وإرتدى العباءة السورية وبيّض صفحة النظام وطالب اللبنانيين بالاعتذار!
وليش رامينه على جنب؟