موحدون أم مستعمرون؟
انظر لخارطة العنف المنتشر في الوطن العربي اليوم كي تدرك حجم المأساة وظلام المستقبل: من اليمن إلى لبنان إلى العراق إلى السودان إلى الجزائر. في كل بلد عربي قنبلة موقوتة. في كل زاوية في محيطنا العربي مشروع أزمة جديدة.
وفي كل جزء من العالم العربي قلوب مليئة بمشاعر الانكسار أو الرغبة في الانتقام. ما الرابط بين كل هذه الأزمات؟ أرجوك تؤجل لوم الاستعمار الأجنبي قليلاً ولنبحث فيما هو أهم وأقرب إلى الواقع. أليست العدالة المفقودة في عالمنا العربي هي التي قادت إلى شعور دفين بكل أنواع مشاعر الغبن (سياسي واقتصادي وثقافي وغيره)؟ وأذكرك بأن في كل بلد عربي أكثر من قنبلة موقوتة وأكثر من بركان قابل للانفجار في أي لحظة.
لماذا؟
هناك خلط فاضح بين السلطة والتسلط، بين الإدارة والهيمنة. بين أن تكون رمزاً للوحدة وحارساً أميناً على الأمن والعدالة وبين أن تكون رمزاً للعنجهية والاستعلاء والتكبر والفساد. فما الدماء العربية التي تسيل في أكثر من جبل عربي وأكثر من مدينة عربية الآن إلا نتيجة لسنوات طويلة من الظلم والجهل والإقصاء والاستعلاء.
حارب العرب طويلاً ضد الاستعمار الأجنبي، مات الملايين في جبهات القتال الحقيقية ضد الاحتلال الأجنبي فجاء احتلال آخر ـ ذو ملامح محلية ـ مكافأة لجهادهم وموتهم وتشردهم. لعل ألعن أنواع الظلم هو ذلك الذي يتكلم لغتك ويلبس لباسك ويزعم أنه منك وفيك.
من السهل على البعض أن يلوم أولئك الحاملين سلاحهم في شوارع المدن وفي أعالي الجبال وسفوحها، وهم فعلاً يستحقون اللوم والعتب وربما التجريم. لكن غيرهم، في الضفة الأخرى من معادلة الأزمة، يتحملون وزراً أكبر فيما حدث ويحدث. وأذكرك مرة أخرى بأن في كل بلد عربي أكثر من قنبلة موقوتة وأكثر من بركان ساكن لكن قابل للانفجار في أي لحظة.
حينما تستولي فئة عربية على السلطة فهي تعلن سريعاً الانتصار وكأنها كانت في معركة ضد غزاة من الخارج. وقليلاً قليلاً تبدأ في التعامل مع مواطني بلدانها بعقلية المنتصر والمهزوم. ثم قليلاً قليلاً تمارس سلوك المستعمر بأقبح صور الهيمنة والإقصاء والانتقام.
وقليلاً قليلاً يبدأ الطرف المهزوم ـ وبتأثير مشاعر الغبن الذي تفرض عليه كل ساعة وكل دقيقة ـ بالاستعداد لمعركة جديدة وبرغبة جامحة في الانتقام وربما الانتحار من منطلق «علي وعلى أعدائي». وهكذا تستمر المأساة في عالمي. وهكذا تبقى الصورة مظلمة ومخيفة في كل اتجاه أذهب نحوه في عالمي العربي المأزوم بكل أشكال التخلف والظلم والقهر. وهكذا تتأصل الهزيمة العربية وتستقر.
في الوطن العربي أكثر من نظام يزعم عرابوه أنهم جاءوا للسلطة من أجل توحيد الصفوف ولم الشمل وبناء الأوطان. هذا على الورق فقط. أما على الأرض فإنهم قد ورثوا عن الاستعمار أسوأ صوره فباشروا التفريق ـ بكل أشكاله ـ ومارسوا الاحتكار بأقبح صوره وقسموا أهل بلدانهم إلى درجات وفئات ثم يستغربون ـ يا للسذاجة ـ كيف يثور الجياع ولماذا ينهض المستباح في دمه وكرامته ومواطنته؟
في سؤاله المهم: «ماذا عن حب الوطن للمواطن؟» كتب الدكتور علي محمد فخرو: «يستطيع القادة السياسيون أن يؤكًدوا نواياهم الحسنة ويتحدثوا عن أحلامهم المستقبلية الوردية، ويستطيع قادة الاقتصاد المباهاة بحجم الاستثمارات الخارجية والداخلية وارتفاع نسب أرباح الشركات والبنوك وغيرها، ويستطيع المتربعون على عرش الإعلام، من مرتزقة ومتعبين متساقطين في أنصاف الدروب الوعرة ومبهورين بجمال الماكياجات والعطور المسكوبة على الأجساد القذرة النتنة، أن يكذبوا ويتلاعبوا بعواطف البشر ويتوجٌّهوا إلى بناء قلاع فوق الرمال.. يستطيع كل هؤلاء وغيرهم أن يرقصوا ويغنوا لوطن مجرُّد وفي صورة خيال، لكن الحقيقة ستبقي: لا وطن بدون شروط وتبعات ومسؤوليات تجعله وطناً للجميع وسكناً للجميع ومشروعاً للجميع ودون أي تفريق بسبب الدين أو المذهب أو الجنس أو القبيلة أو العائلة». (الاتحاد – 20 ديسمبر 2007).
ولهذا يأتي السؤال مشروعاً: كيف ينتصر الإنسان العربي في معاركه الخارجية وهو مكسور ومهزوم ومقهور ومهان بالداخل؟ وكيف تلوم الغريق إن استنجد بأي شيء وهو يصارع الموت ويبحث عن يد تمتد لنجدته؟
حينما يطالب دعاة الإصلاح في الوطن العربي بتفعيل مشاريع الإصلاح وبالبدء عملياً في برامج إصلاحية حقيقية على الأرض لا في المكاتب أو على الورق، يأتي (من أهل السلطة) من يذكر بالمشهد المظلم من حولنا: ألا ترون ما يحدث في العراق؟ وكأن المطالبة بالإصلاح هي التي تقود إلى مشاهد الرعب كتلك التي في بغداد. ولهذا وقبل الحديث عن الإصلاح في المحيط العربي لابد أن يبادر دعاة الإصلاح العرب بالسؤال: ألا ترون ما يحدث في العراق؟ حيا على الإصلاح!
عد إلى مشهد الفوضى والدماء في أكثر من قطر عربي ثم اسأل الأسئلة المهمة. كيف وصل بنا السؤال هذا الحد؟ أليست كثير من الأنظمة السياسية في العالم العربي هي من أسس لهذه الثقافة المتعطشة للسلطة وللهيمنة وللاحتكار ولممارسة الإقصاء؟
قالوا إنهم جاءوا محررين من الاحتلال والاستعمار فصاروا هم المستعمرون والطغاة. قالوا إنهم جاءوا موحدين فصاروا هم المفرقون. قالوا إنهم انتصروا (بانتزاعهم للسلطة في بلدانهم) فهيئوا لأبشع صور الهزيمة والانكسار والهوان في بلدانهم. فكيف لنا أن نخطط لتنمية إنسانية شاملة قبل أن نبدأ في طرح الأسئلة الملحة عن أسباب التخلف والهزيمة في محيطنا العربي؟ ومتى نقرأ سيرة الأبطال الحقيقيين في عالمنا العربي وخارجه من بناة الأوطان الحقيقيين كي ندرك الفرق بين من يبني وطناً وبين من يهدم أوطاناً؟
لا يكفي أن نحذر من تكرار المأساة في مواقع جديدة على خريطة البؤس العربي لأن التحذير وحده لا يكفي، فإن لم تتحقق العدالة لكل فئات المجتمع وتتاح فرص حقيقية ومتساوية للمشاركة في الحراك السياسي والاقتصادي في الوطن العربي فستبقى براكين الغضب ومشاعر الغبن تتهيأ لمزيد من المآسي والهزائم للإنسان العربي، إن تحقق العدالة للجميع هو شرط لتحقق وحدة وطنية حقيقية ستشكل سداً منيعاً في وجه كل التحديات داخلية كانت أو خارجية.
انتبه: في مشهد الفوضى المحيط بنا اليوم من كل اتجاه، لا تلم طرفاً واحداً، الجميع شركاء في المهزلة!!
*نقلا عن جريدة “البيان” الإماراتية
موحدون أم مستعمرون؟
بكل تاكيد مستعمرون لفكرة لاتصلح لتوحيد احدا.
موحدون و مستعمرون!
عندما يكون ولاء المرء للعائلة او القبيلة او الطائفة او الحزب فان الوطن يخسر والوطن قطعة ارض ان لم يبنيه الناس جميعا بقى قفرا وان استأثرت به جماعة اصبح عرضة للدخلاء والخونة فاما الوطن للجميع او لا يتهنى به احدا .